دلالات انتحار مواطن دمياط.. حاصرته الديون وعجز عن توفير الطعام والعلاج لأسرته

- ‎فيتقارير

حالة انتحار المواطن "علي الصعيدي" ابن دمياط صاحب الـ(38) سنة داخل شنقا داخل غرفته منتصف يناير 23م،  تحمل كثيرا من الرسائل والدلالات لنظام الدكتاتور  المنقلب عبدالفتاح السيسي وأجهزته السياسية والأمنية والاقتصادية؛ لأن المواطن المسكين عجز عن توفير علاج طفله ومستلزمات بيته بعدما حاصرته الديون؛ فعجز عن سداد فاتورة الكهرباء (قيمتها ألف جنيه) ما دفع الحكومة إلى رفع العداد وقطع التيار عن منزله فبقي في ظلام  دامس ثلاثة أيام مع زوجته وأولاده ثم قرر الانتحار بعدما عجز عن توفير أساسيات الحياة لأسرته كما عجز عن توفير العلاج لطفله المريض. تقول أرملته: «كان زوجي يعاني من أزمة مالية طاحنة وتراكمت عليه الديون”، وأشارت إلى أن لديهما طفلًا مريضًا ويحتاج إلى العلاج، إلا أن الزوج أقدم على شنق نفسه، لعدم قدرته على توفير ما يكفي لمعيشة أولاده».

الملاحظة الأولى: من المتهم في دفع المواطن المسكين إلى الانتحار؟ الإجابة: الفقر والبطالة.  ومن تسبب في تفشي الفقر والبطالة في البلاد؟  الإجابة: السياسات التي يتبناها نظام الدكتاتور السيسي وأجهزته والتي تعطي الأولوية للاقتراض والإنفاق بسفه على مشروعات عبثية بلا جدوى، بينما الشعب يئن ويموت فقرا ومرضا وجوعا. وبالتالي:  ألا يجب محاكمة السيسي ونظامه وحكومته على حالة البؤس والفقر التي وصلت إليه البلاد؟ الإجابة: يجب ولكن من الذي يستطيع أن يحاكم العصابة على جرائمها إنهم يخطفون الجيش والشرطة والقضاء وجميع مؤسسات الدولة ويجعلون هذه المؤسسات  تعمل لحساب ومصالح العصابة والمافيا الحاكمة ورعاتها في الخارج، ويدمرون مصر تدميرا ممنهجا؛ فهم يغتنون ومصر تفتقر وهم يصبحون أقويا ومصر ذبل وتتضعف وتتقزم حتى فقدت  مكانتها الإقليمية والدولية.

الملاحظة الثانية، حتى ندرك أبعاد السفه الذي تدار به الدولة؛ ضع هذا الخبر  حول انتحار المواطن المسكين بسبب الفقر والجوع، وحالات الانتحار المشابهة وهي كثيرة ومؤلمة وتحدث كل يوم لكن الإعلام عادة يتجاهلها  ولا ينشرها بناء على تهديدات صارمة من أجهزة السيسي؛ فالأرقام تؤكد أن مصر من أعلى الدول في معدلات الانتحار ؛ فمعظما يتذكر انتحار الصحفي عماد الفقي الذي كان مسئولا عن ملف القضاء في صحيفة الأهرام الحكومية في إبريل "22م"، بسبب صيق المعيشة. وكذلك انتحار رجل الأعمال القبطي "عدلي أيوب" في سبتمبر "22"، بسبب  كثرة ديونه التي تراكمت ولم يتمكن من سدادها. معنى ذلك أن المعيشة الضنك باتت تتمدد وتصل إلى  طبقات كان حتى سنوات قريبة  ترى نفسها  بعيدة عن الفقر والجوع، لكن السياسات الخاطئة التي يتبناها نظام العسكر نشرت الفقر والجوع في كل أرجاء البلاد  حتى بات الجميع مهددا بالفقر والجوع باستثناء  شلة الحرامية وأعضاء المافيا الحاكم من كبار قيادات الدولة وأجهزتها الأمنية والحكومية والقضائية.

الملاحظة الثالثة، هي تزايد معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات مخيفة ومرعبة؛  وبينما تقدر الأرقام الرسمية معدلات الفقر في  مصر بنحو 30% فقط؛ فإن تقديرات البنك الدولي كانت تصل بمعدلات الفقر في مصر قبل سنة 2020 وتفشي جائحة كورونا بنحو 60%، لكن هذه المعدلات تزايدت بشدة بعد تفشي جائحة كورونا  ثم تداعيات العدوان الروسي على أوكرانيا، وتواصل معدلات الغلاء والتضخم على جميع السلع الأساسية والخدمات العامة. ومع انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 50% عما كان عليه في مارس 2022م، بعدما تراجع سعر صرفه أمام الدولار من "15.7 إلى 30 جنيها في منتصف يناير 23م، فإن معدلات الفقر  يمكن أن تلامس الـ 80% وهي معدلات مخيفة ومرعبة على  نحو لا يصدق.  هذه المعدلات تنذر بارتفاع  معدلات الجريمة والطلاق والانتحار والتفكك  الأسري؛ بمعنى أدق فإن مصر تتفكك ، وإذا استمرت هذه الأوضاع فإن ذلك سوف يؤدي إلى سيناريوهين: الأول، انفجار شعبي ضد السلطة والنظام وفقا لقاعدة "لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه".  الثاني، هو تآكل المجتمع ذاتيا؛ بمعنى أن الشعب لن يثور ضد السلطة بسبب قمها وبطشها اللا محدود، لكنه سوف يتمرد على الأوضاع  ويأكل المجتمع بعضه بعضا؛ بمزيد من الجرائم والسطو والنهب والسرقة والرشوة والقتل وتفشي الجريمة المنظمة والمخدرات وقطع الطرق وغياب الأمن الاجتماعي في ظل اهتمام النظام بالأمن السياسي وحماية النظام لا المجتمع. وبالتالي يتآكل المجتمع ذاتيا  ويكون أشبه بجسد هزيل تمكنت منه الأمراض الفتاكة، وبالتالي فمآله الهلاك الذاتي  بفعل المرض.

الملاحظة الرابعة، وهي الأكثر خطورة على الإطلاق أن الفقر والبطالة وضيق العيش يقتل أي معنى للانتماء للوطن؛ وصياح السيسي وعصابته صباح مساء "تحيا مصر" لن يوفر للفقراء الطعام ولا للمرض العلاج وللعاطلين فرص عمل، لكنه صياح يستهدفون به التغطية على جرائمهم ونهبهم المنظم وتدميرهم للوطن؛ فهم في كل مرة  يصيحون بهذا الهتاف يطعنون مصر آلاف الطعنات الغادرة كل يوم بفسادهم وظلمهم وطغيانهم وإجرامهم. ولعلنا نذكر أن رجل الأعمال القبطي المنتحر كان ترك وصيته مكتوبة باللغة الإنجليزية ومضمونها أنه يوصي بحرق جثته ودفتها ليس بمصر بل بإيطاليا. كما أوصى زوجته وأولاده الأربعة بالهجرة من مصر والعيش في إيطاليا. واعترفت زوجته في التحقيقات  أنه كره العيش في  مصر بعدما ضاقت به الحياه وتراكمت عليه الديون. فالفقر والمرض والبطالة وضيق العيش يمكن أن يقتل الانتماء للوطن إلى هذا الحد، وهو ما نراه كل يوم من خلال موجات الهجرة غير الشرعية وأفواج الشباب الفارين من البلد للبحث عن لقمة عيش في الغربة بعدما أوصدت مصر أبوابها في وجه أبنائها وتكرست فيها الطبقية على نحو مرعب؛ فبات قلة من الناس ينعمون بكل ثروات الوطن بينما يعاني الغالبية الساحقة من الناس من الفقر والجوع والحرمان.

الملاحظة الخامسة، هي تزايد معدلات الانتحار في المجتمع المصري إلى مستويات باتت مخيفة ومرعبة للدرجة التي جعلت نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي وأجهزته الأمنية  يحجمون عن نشر الأرقام والإحصاءات الرسمية الخاصة بمعدلات الانتحار في مصر. فالأرقام المعلنة من السلطات  تدعي أن معدلات الانتحار في مصر متواضعة للغاية مقارنة بالأرقام العالمية؛ فمعدلات الانتحار في مصر حاليا وفقا  للدكتورة سالي عاشور، مدرس العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، فإن آخر دراسة أجراها المركز وحاولت حصر أعداد المنتحرين في مصر كانت لعام 2018، وأجريت بعد مراجعة تقارير جميع الجهات الحكومية، مثل تقارير الأمن العام، ومركز التعبئة والإحصاء، ومعهد السموم، بجانب تقارير النيابة العامة. وحسب الدراسة ارتفعت نسبة الانتحار من 1.3 لكل 100 ألف شخص في عام 2018، إلى 2.1 لكل 100 ألف شخص في 2020، أي أن النسبة زادت من انتحار شخص لكل 100 ألف في عام 2018، إلى انتحار شخصين لكل 100 ألف في عام 2020.  لكنها تقر أن الأرقام المعلنة أقل كثيرا من الأخبار المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول حالات الانتحار التي باتت تنشر يوميا في كل محافظات مصر. وأظهرت إحصاءات البنك الدولي أن 4 من بين كل 100 ألف مصري انتحروا عام 2019، وحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية يُنهي 703 آلاف شخص حياتهم سنويًا، ويبدو أن أرقام حالات محاولات الانتحار أكبر من ذلك بكثير. ونظرًا للعدد الكبير من السكان الذي يتجاوز 100 مليون نسمة، تحل مصر في المرتبة الأولى عربيًا من حيث عدد حالات الانتحار متقدّمة بذلك على دول تشهد نزاعات مسلحة وحروبًا أهلية، وتأتي في المرتبة الـ15 من حيث معدلات الانتحار.

وتحذر الدراسة من أن «الانتحار في العلوم الاجتماعية يعتبر مُعديا، فكلما نشرنا عن الانتحار، زاد التقليد لمن لديه ميول انتحارية، كما أن المجتمع يصبح عنيفا بشكل عام يوما بعد يوم، فوسائل التواصل الاجتماعي لها طابع انتشاري، ففيديو عنيف مثل "ذبح نيرة أشرف" عندما ينتشر بين الناس سيسبب هزة في المجتمع، وهو فيديو حقيقي وليس دراميا، وكل ذلك يثير من لديه مشكلة نفسية واستعداد للعنف وإيذاء النفس لأن يقوم بنفس الفعل ويؤذي نفسه أو غيره». ولهذه الأسباب تضع الحكومة قيودا صارمة على نشر أرقام ومعدلات الانتحار والجريمة في مصر؛ لأن الأرقام الحقيقية مرعبة إلى حد كبير.