“مزار الخالدين” .. إزالة الجبّانات التاريخية جريمة غير مسبوقة للسيسى في حق المصريين

- ‎فيتقارير

 

 

 

 

انتقد خبراء الآثار والتخطيط العمراني مقترح نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي بإنشاء مزار الخالدين في العاصمة الإدارية ، بزعم تخليد ذكرى رموز مصر ونقل رفاتهم إليه .

وقال الخبراء إن "تخليد ذكرى أعلامنا ورموزنا يكون بالحفاظ عليهم في أماكنهم، لأنها مزار الخالدين الحقيقي، محذرين من أن أي بديل سيصبح مسخا مثيرا للشفقة والعار" .

وأكدوا أن من يروج لهذه الفكرة يشارك في ارتكاب جريمة غير مسبوقة، مشيرين إلى أن هناك بدائل أخرى لإنشاء الطرق والمحاور والعقارات والمباني التي يريدها السيسي بدلا من نقل رفات الموتى من أماكنهم إلى مزار الخالدين.

وحذر الخبراء من إزالة الجبّانات التاريخية وطمس معالم تاريخنا والعبث بالمدافن ورفات أجدادنا والاعتداء على حرمة الموتى ، مؤكدين أن التاريخ لن يرحم هؤلاء الذين يدمرون مصر من أجل دولارات لا قيمة لها .

واعتبروا أن الاعتداء على حرمة الموتى هو عبث في حق تاريخنا الذي هو حق للأجيال القادمة، وواجبنا أن نحافظ عليه ونورثه لهم كما فعل أجدادنا وآباؤنا وإدانة الجرائم التي تُرتكب في حقه .

 

 كان الجهاز القومي للتنسيق الحضاري قد اقترح تنفيذ «مزار الخالدين» كامتداد لمشروع ذاكرة المدينة، عاش هنا، حكاية شارع، ولحظات.

وزعم الجهاز أن فكرة المزار، جاءت لتخليد ذكرى من أبدعوا وساهموا في رسم ملامح هذا البلد العظيم، وتوفير مكان يليق بعظماء مصر يجمع رفاتهم ويليق بهم وبإنجازاتهم، ويكون فيه مساحات لخلق فرصة للأجيال الحالية والقادمة للاطلاع على إنجازاتهم وفق تعبيره.

 

 

جريمة غير مسبوقة

 

من جانبها قالت الدكتورة جليلة القاضي، المعمارية المتخصصة في حفظ وإعادة إحياء التراث المعماري والحضاري إن "مَن يروج لفكرة إنشاء مزار الخالدين في العاصمة الإدارية لنقل رفات العظماء لن يرحمهم التاريخ".

وأضافت جليلة القاضي في تصريحات صحفية أن الترويج لهذه الفكرة جريمة غير مسبوقة، تتمثل في إزالة الجبّانات التاريخية ، وطمس معالم تاريخنا والعبث بالمدافن ورفات أجدادنا والاعتداء على حرمة الموتى.

وتساءلت، عن أي رفات أو خالدين يتحدثون؟ عن تراكم على مدى أربعة عشر قرنا، يعنى لو نحينا جانبا صنايعية مصر وعمالها على مدى العصور، سوف نجد عشرات الآلاف من الأعيان والشخصيات العامة والرواد، ليس فقط على مستوى مصر، ولكن على مستوى المنطقة ككل، من رجال ونساء في جميع المجالات، الفن والأدب والشعر والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والعلم ورجال الدين المستنيرين، كلهم رواد وأيقونات.

وأضافت جليلة القاضي مستنكرة من أجل ماذا يتم نقل رفاتهم؟ من أجل شارع أو كوبري؟ موضحة أنه حتى على مستوى التكلفة الاقتصادية الأفضل تغيير المسارات أو إيجاد حلول بديلة بدلا من هذا الخراب غير المبرر.

وأكدت أن تخليد ذكرى أعلامنا ورموزنا يكون بالحفاظ عليهم في أماكنهم، هذا هو مزار الخالدين الحقيقي وأي بديل سيصبح مسخا مثيرا للشفقة والعار.

وتابعت جليلة القاضي: لنفترض أنهم يريدون تخليد ذكرى هؤلاء بنصب تذكارى، حسنا افعلوا ذلك في العاصمة الجديدة دون المساس بالمدافن التي يرقد بها الخالدون وأسرهم، واختلطت فيها رفات الجميع، متسائلة هل أزلتم مقابر وادي الملوك والملكات بعد نقل المومياوات؟ هل أزلتم مقبرة توت عنخ أمون؟

 

جبانات مقدسة

 

وأشارت إلى أن جبانات القاهرة أماكن مقدسة لا يجب المساس بها، موضحة أن قرافة المجاورين تحتوى على بستان العلماء ويضم رفات مئات العلماء والأعيان وأولياء الله والمتصوفة .

وانتقدت جليلة القاضي من يبرر نقل الرفات بتوسع العمران بالقول إن "ذلك يعني أننا بعد ذلك سنقوم بنقل الجبانات الحديثة الموجودة الآن في العاشر من رمضان و15 مايو في المستقبل من أجل التوسع في العمران، وهكذا كل 50 عاما نشرد وننقل رفات الموتى ونحولهم إلى بدو رحل".

وطالبت بالتروي والتفكير والاستعانة بأهل الخبرة لاتخاذ قرار سليم سيكون في صالح الوطن والبشرية والموتى والأحياء، مشيرة إلى أنها ومعها عدد من المهتمين بالتراث تطالب منذ فترة طويلة بعدم هدم المقابر والجبانات التاريخية، ولا يسمع إليهم أحد،

وأشارت جليلة القاضي إلى أنها لن تكف عن نشر الوعي الأثري ونشر الحقائق وإدانة الجرائم المتمثلة في الاعتداء على حرمة الموتى والتي ترتكب في حق تاريخنا الذي هو حق للأجيال القادمة، وواجبنا أن نحافظ عليه ونورثه لهم كما فعل أجدادنا وآباؤنا.

وحول من يقول إن "هناك دولا أخرى نفذت نفس الاقتراح، شددت على أن هذه الدول لا تهدم المدافن الأصلية المدفون فيها أصحابها ، حتى لو أنشأت مزارا أو نصبا تذكارية أو أي شيء من هذا القبيل، مقترحة أن يتم توفير تكاليف بناء مزار الخالدين في العاصمة الإدارية، وتشجير الجبانات التاريخية الموجودة حاليا، وستكون جميلة الشكل في النهاية وستحل مشكلة المياه السطحية في المنطقة الموجودة بها".

 

خطأ كبير

 

وأكد الدكتور سامح العلايلي عميد كلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة الأسبق، إنه لا يجوز تغيير معالم التراث بنقلها إلى مكان آخر ، مشيرا إلى أن القاهرة مدينة مليئة بالمناطق التراثية ذات القيمة الكبيرة، وعند التعامل معها يجب أن يكون هناك حرص ودراسات مسبقة عن طريق علماء متخصصين، لكن هذا لا يحدث في المشروعات التي يتم تنفيذها حاليا.  

وقال العلايلي في تصريحات صحفية إن "التدخل في مقومات التراث المبني مثل المقابر أو غيرها كحديقة الحيوان وقصر المنتزه دون علم خطأ كبير في حق المجتمع".

وأوضح أن التعامل مع المباني والمناطق ذات القيمة التراثية يعتمد على قاعدة أساسية هي إزالة الأضرار والتشوهات التي أصابتها بفعل الزمن وغيره، وفي الحالات ذات التاريخ البعيد يحظر تماما إضافة أي جديد يغير من طبيعتها، بل يتحتم توفير بيئة محيطة محايدة المعالم تحافظ على الأثر وتحترم قيمته، والأفضل اعتبار الموقع بأكمله محمية تراثية تستدعي وضع نظام حماية يمنع أي أضرار مستقبلية.

وأشار العلايلي إلى أن احترام الحالة الأصلية للتراث المبني يأتي من منطلق أنها تمثل حقبة زمنية من تاريخ البلاد بكل ما تحويه من خصائص وعموميات، وعند التعامل معها يجب ألا نضيف للمحتوى الأصلي أشياء لم تكن واردة في عصرها، مدللا على ذلك بأنه عند احتراق سقف كاتدرائية نوتردام في باريس منذ عامين ، وهي من أهم معالم المدينة التاريخية، دخل المجتمع المحلي والمتخصصون في حوار كبير حول كيفية التعامل مع الحدث، ولم تقم السلطات الرسمية على وجه السرعة باستدعاء أكبر شركة مقاولات ولا الهندسة العسكرية لإصلاح الضرر، لأن الأمور في هذا العالم يجب أن تأخذ حقها من البحث والاستشارة، مهما طال الوقت قبل الشروع في إجراء أو تنفيذ أي عمل متسرع قد يبدو براقا على غير الحقيقة.

 

مزارات تاريخية

 

وقال السفير فوزي العشماوي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن "مزار الخالدين فكرة حساسة لا بد أن تأخذ وقتها في الدراسة والحوار المجتمعي والبرلماني والاتفاق على معايير الدفن فيها وألا تكون بديلا للمقابر التاريخية الحالية".

وأضاف العشماوي في تصريحات صحفية أن قرارا يتضمن هدم مقابر ومزارات تاريخية يستحيل إعادة بنائها لا يجب أبدا التسرع فيه، ولا بد من تكوين لجنة تاريخية أثرية علمية هندسية محايدة تدرس الموضوع وتقرر القيمة التاريخية والأثرية للمقابر الحالية.

وطالب بدراسة تفادي هدم المقابر القديمة، وفي ذات الوقت ضمان السيولة المرورية حتى لو تطلب الأمر بعض الحلول الهندسية الاستثنائية، مشددا على ضرورة استشراف رأي أهالي المتوفين المدفونين بهذه المقابر والاطلاع على رغباتهم وتفضيلاتهم بالبقاء في ذات المقابر أو الانتقال لمزار الخالدين.