تقرير حقوقي: اتفاق صندوق النقد الدولي يسلط الضوء على مخاطر التقشف والفساد

- ‎فيأخبار

قالت منظمتا "هيومن رايتس ووتش" و "الديمقراطية في العالم العربي الآن"  إن "اتفاق القرض الجديد الذي أبرمه صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار مع سلطات الانقلاب يواصل إلى حد كبير نهجا اقتصاديا يترك الحقوق الاقتصادية للملايين دون حماية".

وأضافت المنظمتان، في تقرير مشترك، أن الاتفاق يتضمن جهودا محسنة لمعالجة المشاكل الهيكلية العميقة الجذور مثل الدور الغامض للجيش في الاقتصاد وعدم كفاية الحماية الاجتماعية، لكن أحكاما أخرى، مثل التقشف وبيع أصول الدولة، تخاطر بالإضرار بالحقوق، وهذا هو القرض الرابع الذي تحصل عليه سلطات الانقلاب من صندوق النقد الدولي منذ عام 2016.

وقالت سارة سعدون، باحثة أولى في شؤون الفقر وعدم المساواة في هيومن رايتس ووتش "يواجه المصريون أزمة غلاء المعيشة التي تركت الملايين يكافحون من أجل تحمل تكاليف الغذاء والحقوق الاقتصادية الأخرى، وعلى الرغم من أن توسيع برنامج التحويلات النقدية في إطار برنامج صندوق النقد الدولي الجديد خطوة إيجابية، إلا أنه لا يكفي تقريبا لحماية الناس من التكاليف المتصاعدة التي تفاقمت بسبب البرنامج".

وستوفر اتفاقية القرض، التي وافق عليها المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في ديسمبر 2022 ولكن لم تنشر علنا إلا في يناير 2023، لحكومة السيسي ما يعادل 3 مليارات دولار على مدى 46 شهرا لمساعدتها على الوفاء بميزانيتها وميزان مدفوعاتها وسط تدهور سريع للأوضاع الاقتصادية، ومن المتوقع أن يحفز 14 مليار دولار أخرى من التمويل الأجنبي.

 

ارتفاع الأسعار وعدم كفاية الحماية

وأوضح التقرير أنه خلال العام الماضي، أدى التضخم المرتفع وارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية إلى إجهاد قدرة ملايين المصريين على الحصول على حقوقهم الاقتصادية، تعد مصر واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم، وقد أدى تعطيل هذه الأسواق في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تقويض اقتصاد البلاد المعرض للخطر بشكل مزمن، والذي لم ينتعش بعد من آثار جائحة كوفيد-19.

وفي أكتوبر، أعلن البنك المركزي المصري عن التحول إلى سعر صرف مرن، وهو حجر الزاوية في برنامج صندوق النقد الدولي، مما تسبب في مزيد من الانخفاض في قيمة الجنيه بنسبة 23 في المائة ورفع إجمالي انخفاض قيمة العملة منذ فبراير 2022 إلى حوالي 50 في المائة، وأدى ذلك إلى زيادة تكلفة استيراد المواد، مما يعرض الأمن الغذائي للخطر، وبحلول أكتوبر، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 37 في المائة عن العام السابق، وهي مستمرة في الارتفاع.

وفي عام 2020، وهو أحدث عام توجد عنه بيانات، كان واحدا من كل ثلاثة مصريين تقريبا – 30 مليون شخص – يعيش تحت خط الفقر الوطني، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، ومن المرجح أن يكون هذا العدد قد ارتفع بسبب الوباء والأزمة الاقتصادية التي تلت ذلك، لا سيما وأن البنك الدولي اعتبر أقل بقليل من ثلث آخر عرضة للفقر.

وأشار التقرير إلى أن برامج القروض السابقة سعت إلى كبح جماح نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي المرتفعة في مصر، والتي بلغت 94 في المئة في عام 2016، ويرجع ذلك جزئيا إلى انخفاض الإنفاق الحكومي بشكل كبير، ومنذ عام 2016، انخفض الإنفاق الحكومي من 11.43٪ من إجمالي الناتج المحلي إلى أقل بقليل من 8٪، بما في ذلك تخفيضات مثل دعم الوقود الذي رفع تكاليف المعيشة، كما اعتمدت الإيرادات الجديدة بشكل كبير على ضرائب القيمة المضافة، والتي يمكن أن تضر بشكل غير متناسب بالفقراء، وتبلغ نسبة الدين الحالي إلى الناتج المحلي الإجمالي 88.5 في المائة.

ووفقا لتقرير خبراء صندوق النقد الدولي لبرنامج القروض لعام 2016، كان من المتوقع أن "تخفف حكومة السيسي من تأثير الإصلاحات على الفقراء من خلال استخدام جزء من المدخرات المالية لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، ومع ذلك، وجدت مراجعة الإنفاق العام للبنك الدولي في سبتمبر 2022 أن الوفورات الكبيرة في الميزانية لم تترجم إلى زيادات حقيقية في الإنفاق على برامج المساعدة الاجتماعية الرئيسية، التي ظلت مستقرة عند حوالي 2.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2020" ووجدت المراجعة أيضا أن الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي منخفض وفقا للمعايير الدولية، وقد انخفض بالقيمة الحقيقية".

وتابع التقرير "بمساعدة من البنك الدولي، أنشأت حكومة السيسي برنامجين جديدين للتحويلات النقدية، يطلق عليهما تكافل والكرامة، يقدمان الدعم للأسر التي لديها أطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، لكن هذه البرامج لا تغطي سوى جزء ضئيل من الأشخاص الذين يعيشون في فقر، في يوليو 2022، أعلن عبد الفتاح السيسي أن هذه البرامج ستتوسع لتشمل 5 ملايين أسرة، رغم أن أرقام البنك الدولي تشير إلى أن 15 مليون أسرة تعيش في فقر أو بالقرب منه".

وفي خطوة إيجابية، يتضمن برنامج القروض الجديد معيارا هيكليا، يتطلب تنازلا من مجلس إدارة صندوق النقد الدولي في حال عدم الوفاء به، لاستكمال هذا التوسع بحلول نهاية يناير 2023. كما يتضمن البرنامج هدفا لزيادة الحد الأدنى للإنفاق الاجتماعي، الذي يعرف بموازنات وزارتي الصحة والتضامن الاجتماعي، إلى 153 مليار جنيه (5.1 مليار دولار أمريكي في 24 يناير 2023) من 115 مليار جنيه (7.3 مليار دولار في 1 فبراير 2022) في العام السابق، وفي حين أن الزيادة بالقيمة الاسمية، فإن انخفاض قيمة العملة يمحو هذه المكاسب، مما يجعله غير كاف لحماية الحقوق الاقتصادية للناس من التأثير المشترك لإصلاحات البرنامج، وارتفاع التضخم، وانخفاض خط الأساس للإنفاق الاجتماعي في مصر.

وقالت سعدون إن "زيادة الحد الأدنى للإنفاق الاجتماعي في قرض صندوق النقد الدولي الجديد تبدو رائعة على الورق، لكن في العالم الحقيقي، فإن الزيادة هي وهمية، انتزعها انخفاض قيمة العملة المصرية، كان على صندوق النقد الدولي ومصر تعديل الحد الأدنى للإنفاق لضمان أن يكون كافيا لحماية حقوق الناس".

فعلى سبيل المثال، يتضمن البرنامج معيارا هيكليا لخفض دعم الوقود في أعقاب الزيادة الأخيرة لمساعدة الناس على مواجهة ارتفاع الأسعار، علاوة على ذلك، التزمت الحكومة باستكشاف المزيد من مكاسب الكفاءة في دعمنا الغذائي ، الذي يعتمد عليه أكثر من 70 مليون مصري، بما في ذلك الخبز المدعوم من الحكومة، ومن المتوقع أن يزداد الإنفاق على دعم المواد الغذائية في اتفاقية القرض بالقيمة الاسمية، لكنه سينخفض من 1.2٪ من إجمالي الناتج المحلي إلى 1٪، مما يشير إلى إمكانية إجراء إصلاحات.

كما تعهدت سلطات الانقلاب بتوسيع نطاق تغطية سجلها الاجتماعي، وهو قاعدة بيانات لتحديد وتحديد الأهلية للحصول على المزايا والخدمات الاجتماعية، ليشمل 50 مليون شخص بحلول نهاية عام 2023 وبالنظر إلى فجوات التغطية الكبيرة لبرامج مثل تكافل وكرامة، فإن توسيع السجل الاجتماعي في مصر يعد خطوة مهمة. ومع ذلك، فإن الغرض من هذا التوسع، هو إدخال الاستهداف في خطط الحماية الاجتماعية الأخرى، وعلى الرغم من مجموعة متزايدة من الأبحاث التي أظهرت أن برامج الحماية الاجتماعية الشاملة أكثر فعالية في الحد من الفقر وعدم المساواة.

 

التعاملات التجارية العسكرية الغامضة

يعتمد تحسين المشاكل الاقتصادية المزمنة في مصر إلى حد كبير على معالجة سوء الإدارة المتجذر الذي ينبع من إعطاء الحكومة الأولوية لسيطرتها السياسية، بما في ذلك دور الجيش المتنامي وغير الخاضع للمساءلة في الاقتصاد.

ولفت التقرير إلى أن حكومة السيسي تحجب تماما عن الرأي العام التعاملات المالية للشركات الموسعة على نطاق واسع والتي تملكها الأجهزة العسكرية، والتي تنتج السلع المدنية بشكل أساسي، مما يجعلها مهيأة للفساد وتقوض الرقابة المدنية على تمويل الجيش المصري، المسؤول عن الانتهاكات الجسيمة، كما استخدمت الحكومة تدابير قمعية لحماية القوة الاقتصادية للجيش.

في خروج إيجابي عن الممارسات السابقة يتسق مع التوصيات التي شاركتها هيومن رايتس ووتش وشركاؤها بانتظام مع صندوق النقد الدولي، يتضمن اتفاق الصندوق مع نظام السيسي بعض الخطوات لزيادة شفافية الأصول المملوكة للدولة، والتي يحدد أنها تشمل الشركات المملوكة للجيش. فعلى سبيل المثال، سيطلب من جميع الشركات المملوكة للدولة تقديم حسابات مالية مرتين في السنة إلى وزارة المالية يتم نشرها إلى جانب بيانات عن أي إعانات تتلقاها، كما وافقت حكومة السيسي على نشر جميع عقود المشتريات العامة التي تتجاوز 20 مليون جنيه، والجدير بالذكر أنهم لم يلتزموا بتضمين معلومات ملكية الانتفاع  للشركات التي منحت عقودا، والتي التزموا بها بموجب برنامج قروض سابق.

ومع ذلك، سيكون التنفيذ هو المفتاح. فشلت حكومة السيسي في تقليص دور الجيش في الاقتصاد أو جعله أكثر شفافية وخضوعا للمساءلة في ظل البرامج السابقة، في الواقع، قبل الصندوق تقارير من الحكومة عن الشركات المملوكة للدولة التي استبعدت الشركات المملوكة للجيش، فضلا عن إفصاحات المشتريات المعيبة المتعلقة بإنفاقه على كوفيد-19.

علاوة على ذلك، فإن تركيز البرنامج الشديد على بيع الأصول الحكومية قد يخاطر بالفساد الذي يفيد البلدان ذات السجلات الحقوقية المسيئة، ومن المتوقع أن تجمع سلطات الانقلاب 8 مليارات دولار من بيع أصول الدولة، معظمها إلى دول الخليج، وفي يوليو اشترت السعودية حصص أقلية في أربع شركات مقابل 1.3 مليار دولار، هناك تاريخ طويل من استخدام مثل هذه المبيعات لإثراء النخبة السياسية بما في ذلك في مصر.

وفي حين تتضمن اتفاقية القرض بعض الخطوات المهمة للحد من مخاطر الفساد، مثل إيداع حصيلة هذه المبيعات في حساب مخصص في البنك المركزي المصري، فإن قدرة الصندوق محدودة على ضمان دقة التقييمات، علاوة على ذلك، فإن دول الخليج ذات السجلات الحقوقية المسيئة لها تاريخ في استخدام الدعم المالي للضغط على هذه الدول لدعم أهداف السياسة الإقليمية لدول الخليج، بما في ذلك قمع الجماعات المستقلة مثل الإخوان المسلمين أو دعم العمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات في اليمن.

وقال جون هوفمان، مدير الأبحاث في منظمة (DAWN)  "يشكل دور الجيش المصري المترامي الأطراف وغير الخاضع للمساءلة في الاقتصاد مخاطر حقوقية جسيمة، ومن الأخبار الجيدة أن صندوق النقد الدولي يسعى أخيرا إلى تسليط الضوء عليها، لكن المبيعات واسعة النطاق لأصول الدولة دون تنظيم فعال ورقابة شفافة قد تفيد الدول ذات السجلات الحقوقية المسيئة".

 

https://www.hrw.org/news/2023/01/31/egypt-imf-bailout-highlights-risks-austerity-corruption