قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن “اتفاق القرض الجديد الذي أبرمه صندوق النقد الدولي مع مصر بقيمة 3 مليارات دولار ، يتبنى نفس النهج الاقتصادي المستمر الذي يترك الحقوق الاقتصادية للملايين بلا حماية”.
وحذرت المنظمة عن مجموعة من الإجراءات ضمن خطة اقتصادية فاشلة تعني مزيد من التقشف والفساد، موضحة أن الاتفاق تضمن بنود تخاطر بالإضرار بالحقوق، مثل التقشف وبيع أصول الدولة.
ونقلت عن سارة سعدون، باحثة أولى في الفقر وعدم المساواة في “رايتس ووتش” قولها “يواجه المصريون أزمة غلاء جعلت الملايين يكافحون للحصول على الغذاء وباقي حقوقهم الاقتصادية ،رغم أن توسيع برنامج المساعدات عبر التحويلات النقدية في إطار برنامج صندوق النقد الدولي الجديد خطوة إيجابية، لكنها غير كافية لحماية الناس من التكاليف المتصاعدة التي يفاقمها البرنامج”.
ورأى التقرير أنه على مدار العام الماضي، أدى الارتفاع الحاد في التضخم وأسعار المواد الغذائية والسلع إلى إضعاف قدرة ملايين المصريين على الوصول إلى حقوقهم الاقتصادية، مشيرا إلى أن مصر هي إحدى أكبر مستوردي القمح في العالم، وقد تسبب الاضطراب في هذه الأسواق في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في ضعضعة اقتصاد البلاد المتهالك، والذي لم يتعافَ بعد من آثار وباء كوفيد-19.
سيطرة الجيش
وأبان التقرير، أن تحسين المشاكل الاقتصادية المزمنة في مصر إلى حد كبير على معالجة سوء الإدارة المتأصل النابع من أن الحكومة تعطي الأولوية لسيطرتها السياسية، بما في ذلك الدور المتنامي وغير الخاضع للمساءلة الذي يلعبه الجيش في الاقتصاد.
فساد وتغطية
ونبه إلى أن حكومة السيسي تحجب تماما عن الرأي العام المعاملات المالية لشبكات الشركات العائدة للأجهزة العسكرية، والتي تُنتج سلعا مدنية في الغالب، ما يجعلها عرضة للفساد وتقويض الرقابة المدنية على تمويل الجيش المصري، المسؤول بدوره عن انتهاكات خطيرة، كما استخدمت الحكومة إجراءات قمعية لحماية القوة الاقتصادية للجيش.
وأشاد التقرير بتوصية صندوق النقد بشأن الشركات المملوكة للجيش وقال إنها “خطوة إيجابية تخرج عن الممارسات السابقة وتتوافق مع التوصيات التي وجهتها رايتس ووتش وشركاؤها بانتظام إلى صندوق النقد الدولي، وهو يضمن مع بعض الخطوات لزيادة شفافية الأصول المملوكة للدولة”.
ولفت إلى أنه “سيُطلب من جميع المؤسسات المملوكة للدولة تقديم حسابات مالية نصف سنوية إلى وزارة المالية ستُنشر إلى جانب بيانات حول أي إعانات تتلقاها”، مشيرا إلى أن موافقة حكومة السيسي “على نشر كافة عقود المشتريات العامة التي تتجاوز 20 مليون جنيه، إلا أنها لم تلتزم بإدراج معلومات الجهة المالكة المستفيدة ، أي من يتحكم فعليا في الشركة في حالة الشركات التي حصلت على عقود، وهو أمر التزمت بالقيام به في برنامج قروض سابق”.
العبرة في التنفيذ
ولكن تقرير رايتش ووتش، أكد أن العبرة في التنفيذ، وأن حكومة السيسي في ظل البرامج السابقة تقاعست عن تقليص دور الجيش في الاقتصاد أو جعله أكثر شفافية وخضوعا للمساءلة، وأنه في الواقع، وافق الصندوق على تقارير من الحكومة المصرية حول الشركات المملوكة للدولة يستبعد الشركات المملوكة للجيش ويوافق أيضا على عمليات الإفصاح المعيبة عن المشتريات المتعلقة بالإنفاق الحكومي المتصل بفيروس كورونا.
وحذرت من أن تركيز البرنامج الشديد على بيع الأصول الحكومية قد يؤدي إلى خطر الفساد الذي يصب في مصلحة البلدان ذات السجلات الحقوقية التعسفية.
ورجح التقرير أن تجمع مصر من بيع أصول مملوكة للدولة قرابة 8 مليارات دولار، معظمها من دول الخليج، في يوليو، اشترت السعودية حصص الأقلية في أربع شركات مقابل 1.3 مليار دولار، ثمة تاريخ طويل من استخدام عمليات البيع مثل هذه لإثراء النخبة السياسية في دول منها مصر نفسها.
وبالمقابل، استعرضت أن اتفاق القرض يتضمن بعض الخطوات المهمة للحد من مخاطر الفساد، مثل إيداع عائدات هذه المبيعات في حساب مخصص في البنك المركزي المصري، فإن الصندوق له قدرة محدودة على ضمان دقة التقييمات.
وأشارت إلى أنه لدول الخليج ذات السجل الحافل بالانتهاكات الحقوقية تاريخ في استخدام الدعم المالي للضغط على الدول لدعم أهدافها السياسية الإقليمية، بما فيها قمع الجماعات المستقلة، مثل الإخوان المسلمين، أو دعم العمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات في اليمن.
وقال جون هوفمان، مدير الأبحاث في منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي “يشكل الدور الواسع وغير الخاضع للمساءلة للجيش المصري في الاقتصاد مخاطر حقوقية جسيمة، ومن الجيد أن صندوق النقد الدولي أخيرا يسلط الضوء على ذلك”.
وتابع “لكن بيع أصول الدولة على نطاق واسع بدون تنظيم فعال ورقابة شفافة يهدد بإفادة الدول التي لديها سجل من الانتهاكات الحقوقية”.
بنود أخرى
واعتبرت المنظمة ضمنا أن هناك مشاكل هيكلية متجذرة، مثل انعدام الشفافية بشأن دور الجيش في الاقتصاد وكذلك الحماية الاجتماعية غير الكافية.
وعن المعلن من القرض الرابع من نوعه الذي تحصل عليه مصر من صندوق النقد منذ العام 2016، سيوفر اتفاق القرض لمصر قرابة 3 مليارات دولار على مدى 46 شهرا لمساعدة الحكومة في الوفاء بميزانيتها وميزان مدفوعاتها وسط التدهور المتسارع للأوضاع الاقتصادية، بحسب التقرير.
وأضاف أنه منذ إعلان البنك المركزي عن الانتقال إلى سعر صرف مرن، وهي الركيزة الأساسية في برنامج صندوق النقد الدولي، تسبب في انخفاض إضافي في قيمة الجنيه بنسبة 23% ليصل إجمالي الانخفاض منذ فبراير 2022 إلى حوالي 50%، فاقم ذلك زيادة تكلفة استيراد المواد الغذائية، ما عرّض الأمن الغذائي للخطر، وبحلول أكتوبر، كانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت 37% عن العام المنصرم، وما زالت ترتفع.
وأشار إلى أنه في 2020، وهو آخر عام تتوافر عنه بيانات، أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن واحدا من كل ثلاثة مصريين، أي حوالي 30 مليون شخص، هم تحت خط الفقر الوطني.
ونبه إلى أن رقم نسب الفقراء على الأرجح جرّاء الوباء والأزمة الاقتصادية التي تلته، لا سيما وأن البنك الدولي يعتبر أن قرابة الثلث عرضة للفقر.
وسعت برامج القروض السابقة إلى كبح جماح نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر، والتي بلغت 94% في 2016، وذلك بسبل شملت التخفيض الشديد للإنفاق الحكومي، منذ 2016، انخفض الإنفاق الحكومي من 11.43% من الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة 8%، وشمل ذلك تقليص الدعم، كما في دعم الوقود، ما زاد من تكلفة المعيشة.
وأضاف أنه اعتمدت الإيرادات الجديدة إلى حد بعيد على ضرائب القيمة المضافة ذات الضرر غير المتناسب على الفقراء. تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حاليا 88.5%.
ووفقا لتقرير خبراء صندوق النقد الدولي لبرنامج القروض لعام 2016، كان من المتوقع أن تخفف مصر من تأثير الإصلاحات على الفقراء عبر استخدام جزء من وفورات المالية العامة لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي.
وأوضح أن مراجعةً للإنفاق العام أجراها البنك الدولي في سبتمبر 2022 وجدت أن الوفورات الكبيرة في الميزانية “لم تُترجم إلى زيادات حقيقية في الإنفاق على برامج المساعدة الاجتماعية الرئيسية، والتي ظلت مستقرة عند حوالي 2.1% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2020”.
ووجدت المراجعة أيضا أن “الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي منخفض مقارنةً بالمعايير الدولية، وآخذ في التقلص بالقيمة الحقيقية”.
وقال التقرير “أنشأت الحكومة، بمساعدة البنك الدولي، برنامجي “تكافل” و”كرامة” الجديدين للتحويلات النقدية واللذين يوفران الدعم للعائلات التي لديها أطفال، ومسنون، وأشخاص ذوو إعاقة، لكنهما يُدرجان نسبة صغيرة فقط ممن يعيشون في الفقر”.
في العام 2022، أعلن السيسي أن هذين البرنامجين سيتوسعان ليشملا 5 ملايين أسرة، رغم أن أرقام البنك الدولي تشير إلى أن 15 مليون أسرة تعيش في فقر أو قرب الفقر.
وكان المجلس التنفيذي لصندوق النقد، وافق على القرض في ديسمبر 2022، لكنه نُشر علنا في يناير 2023، ويُتوقع أن يُحفِّز تقديم 14 مليار دولار أخرى من التمويل الأجنبي.
https://www.hrw.org/ar/news/2023/01/31/egypt-imf-bailout-highlights-risks-austerity-corruption
Facebook Comments