كيف تسبب السيسي في الكراهية بين الشعب والجيش؟

- ‎فيتقارير

يشهد التاريخ للمصريين بأنهم أكثر شعوب العالم التي أغدقت على جيشها ألقاب البطولة لدرجة العشق والوله، وأن الأشعار التي كتبت في بطولات الجيش صدقا أحيانا ومجاملة أحيانا أخرى وتغزلت في ضباطه وأفراده، لا يوجد لها مثيل في الكرة الأرضية، ذلك شيء معروف تشهد به مكتبة الإذاعة والتلفزيون وكتب التاريخ، فضلا عن ذاكرة الشعب المصري الحية.

ويرى ساسة ومراقبون أن الأسباب التي أدت إلى كراهية المصريين للعسكر تكدست بعد الانقلاب المشؤوم في 30 يونيو 2013، عندما انحرفت “جماعة الجيش” تماما عن مسيرتها وتاريخها الذي فخر به المصريون وتغنوا بمجده وأبطاله.

مؤسسة فساد
بعد وصول مصر على يد السفاح السيسي إلى حافة الهاوية في السنوات الأخيرة، ابتعدت القوات المسلحة 180 درجة عن المكانة التي كان يغوص فيها المصريين عشقا وهياما، ومن الطبيعي أن هذه المشاعر النبيلة تجاه الجيش أن تتغير إلى النقيض تماما، لأن رصاص الجيش تحول من صدور الأعداء وعلى رأسهم الاحتلال الصهيوني إلى صدور الشعب.
يقول الكاتب الصحفي جمال سلطان “مخيف وخطير ، وجريمة عظمى ، أن تتسبب ممارسات القيادة السياسية في دولة من الدول في تعميق الكراهية بين الشعب وجيشه ، أو أن يرى شعبها أن الجيش مؤسسة فساد وداعمة للفساد وحامية للفساد ، وأن الجيش سبب جوهري لفقر الشعب وجوعه وسرقة مقدراته ، خطير جدا”.
وفي مجموعة من التغريدات على صفحته في “تويتر”  انتقد الأكاديمي السعودي تركي الحمد، المقرب من ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، الوضع الاقتصادي في مصر ، مشيرا إلى أن القوات المسلحة المصرية بتغولها في الاقتصاد هي المسؤولة عن تردي الأوضاع في البلاد، على حد قوله.
الكاتب والأكاديمي السعودي قال كذلك “في المقابل، هنالك مصر بواقعها الحالي، أي مصر البطالة، وأزمات الاقتصاد والسياسة ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة التي لا تنتمي لأي نموذج، ملكيا كان أم جمهوريا، فما الذي حدث لمصر الثرية بثرواتها وإمكانياتها، والتي كانت تقرض المال وتساعد المحتاج، وها هي اليوم أسيرة صندوق النقد الدولي، مشرئبة العنق لكل مساعدة من هنا أو هناك، وهي أرض اللبن والعسل؟”.
إن ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والمجازر في سيناء ورابعة والنهضة ومناطق كثيرة من محافظات مصر، كانت سببا رئيسيا في زرع الكراهية في قلوب الشعب تجاه قواته المسلحة، وهي نتيجة طبيعية جدا، وإن أرشيف صحف المعارضة والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية في كل حقبة حُكم العسكر التي استمرت 71 عاما، كانت تنشر الأخبار التي تتحدث عن مقتل مصريين على يد العسكر والشرطة والأجهزة الأمنية. 
حدث ذلك في ذات الوقت الذي باعت فيه عصابة الانقلاب ثروات البلاد من النفط والغاز ومناجم المعادن وعلى رأسها الذهب، والجزر والشركات والموانئ والشواطئ، ولم يعد يرى المصريين للجيش أي أدوار بطولية كما كان في السابق، الأمر الذي دل على أن في هذه الحقبة الجيش قد انفرط عقده وسادت فيه شراهة للقروض والديون والتسلط على ثروات الشعب، أليس هذا كافيا بأن يخلق كراهية مقيتة في نفوس الناس تجاه جيشهم؟
إن وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الإعلامية الحديثة وفرت كل ما يدين الجيش في سنوات الانقلاب، حتى إنه وبعد أكثر من عشرة أعوام على فض اعتصام رابعة ما زالت تتضارب الأرقام التي تحاول إحصاء عدد من سقطوا في الفض نفسه، أو من سقطوا في الأحداث التابعة له.

نكأ الجراح
الكتابة التي تحاول الانتصار للجيش دون النظر للضحايا المدنيين تثير الشفقة وتنكأ الجراح، وفي حسبة بسيطة إذا نظرنا إلى عدد سكان المناطق التي تأذت بطائرات الجيش والرصاص والقصف المدفعي في مناطق سيناء يتجاوز عددهم 10 آلاف مواطن مصري، راحوا ضحايا الهجمات بالآليات العسكرية المختلفة، هؤلاء الضحايا هم بشر ولهم أهل وطموحات ومستقبل كان بانتظارهم، وأن أسرهم كانت تعول عليهم كثيرا في الارتقاء بمستقبلهم، وهؤلاء الضحايا بينهم نساء وأطفال وكبار السن، وفي موقع اليوتيوب مئات المواد المصورة التي تعكس حجم المآسي التي حدثت للأهالي في تلك المناطق، هذا فضلا عن المجازر التاريخية في فض اعتصام رابعة والنهضة وما بعدهم.

من جهته، قال السياسي المصري، الدكتور عمرو عادل “لكي نفهم كيف تتصرف المؤسسة العسكرية تجاه أي موقف فإن من الضروري الاتفاق على عدة ثوابت، أولا لا تتصرف طبقا للمشاعر الإنسانية، فهي ترى ما يحقق لها التفوق الدائم على الشعب، ثانيا قيمة البشر أي بشر لا تساوي شيئا عند المؤسسة، ثالثا قيمة الأفراد داخل الجيش معدومة باستثناء عدد محدود من القيادات”.

ويعتقد عادل الذي عمل ضابطا سابقا بالجيش المصري أن عصابة الانقلاب استغلت العمليات العسكرية وضحايا سابقين للتغطية على الانتهاكات من جهة، وتحقيق مكاسب دولية على حساب جثامين الجنود والضباط من جهة أخرى  “فنحن لا نسمع مثلا عن ضحايا تحطم طائرة المشير  أحمد بدوي ولا نسمع عن ضحايا عملية لارنكا الفاشلة لتحرير الطائرة المصرية المختطفة وهناك مئات الأمثلة لذلك، ولكننا نسمع ملء الأرض عن أفراد في ظرف معين قتلوا أو ماتوا”.

ورأى أن “الإعلان والزخم الإعلامي من عدمه يعتمد على قراءة هذه المؤسسة للمكسب المباشر منها في تأثيرها على الجمهور، ومع التراجع الحاد في شعبية النظام الانقلابي وفي مركزه ما تسمى المؤسسة العسكرية، فذكر أي فعل معاد لهذه المؤسسة في هذه الفترة ليس في الصالح كما يرون، وأعتقد أن الداخل المصري هو المستهدف من مثل هذه الدراما المسرحية كحكاية المنسي أو الإخفاء المتعمد كالحادث الأخير، فالمجتمع الدولي يعلم ويدرك وربما يدير أحيانا”.
يأتي ذلك بينما تواجه مصر حشدا من المشكلات الاقتصادية الكبرى، تشمل انخفاضا غير مسبوق في قيمة الجنيه، وتضخما تزيد نسبته على 20%، وحاجة شديدة لدى البنك المركزي المصري إلى العملات الأجنبية، وفق ما أشار إليه موقع Africa Intelligence الفرنسي.
في الوقت نفسه، يمارس صندوق النقد الدولي ضغوطا شديدة على السفاح السيسي، فقد طالبه بخصخصة حصص كبيرة من القطاع العام، خاصة تلك التي تزدهر فيها الشركات المملوكة للجيش على حساب الشركات الخاصة.