ليس هناك مجالٌ الآن وإلا وله فرعُ إدارة؛ وقد صار كلُّ فرعٍ من هذه الفروع يُدرَّس فى معاهد وكليات هذا العلم أو ذاك؛ فهناك فن إدارة المؤسسات الصحفية، وفن إدارة المنشآت الطبية، وفن إدارة المؤسسات التعليمية إلخ.
ولا يشذُّ عن ذلك إلا مجال العمل الدعوى، وفى داخله الجمعيات والجماعات الدعوية، رغم أنه الأوَلى من غيره من المجالات باحتضان فن الإدارة؛ لأقدميته من ناحية، ولأن النشاط فيه قائمٌ بالأساس على روح الفريق والمشاركة من ناحية أخرى.
أما أسباب ذلك القصور فهو ناشئ فى جزء منه –فى اعتقادى- من حالة التضييق والمعاناة التى يعيشها العاملون فى هذا المجال على المستوى الشعبى، وحالة التهميش والإبعاد على المستوى الرسمى، أما جزء القصور الأكبر فبسبب تراخى القائمين على أمر هذه الفرق والجماعات.
جلُّ ما ظهر من دراسات فى هذا المجال -وهى بعيدة كل البعد عن البحث الأكاديمى- كان تجارب شخصية غير وافية، أو مقالات غير منهجية، اعتمدت على الجانب العاطفى فى وصف آفات المجال ومشكلاته، فلم تتحدث من ثَمَّ عن حلول علمية يمكن التعاطى معها فى بيئات وأزمنة متباينة، ولم يُتحْ لقارئها بالتالى الاستفادة منها بقدر الانكفاء على حالة أو حالات بعينها واجترار ماضيها.
لقد أدى هذا القصور إلى نشوء الأزمات الحادّة وخروجها خارج محيط الجماعة أو الفريق الدعوى؛ ما أوجد حالة من التشرذم والشللية أو (المجموعاتية)، ولو أن هناك نماذج لمعالجة مثل هذه الأزمات بطريقة علمية منهجية ما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه فى بعض الحالات التى باتت مشاهدها المؤلمة تصدمنا فى غدونا ورواحنا.
لمّا غلبتْ العاطفة على العقل لجأ البعض إلى دغدغة المشاعر فى المستويات الدنيا من الفرق الدعوية؛ ما خلق حالة من عدم التمييز، والانسياق وراء مقولات أو سلوكات هى فى الحقيقة اجتهادات ليس لها عمق شرعى، كما ليس لها أساس من فنيّات الإدارة المعاصرة، حتى وصف أحدهم الناخب فى مثل هذه التجمُّعات بأنه كذا وكذا. يقصد عدم إدراكه الصالح من الطالح، وعدم تمييزه بين الطيب والخبيث.
وربما كان هناك استبداد بالسلطة وتشبث بالمنصب من جانب من لم يُلزموا باللوائح التى يمكن أن يضعها فن الإدارة فى هذا المجال؛ فمع غياب أبجديات علم الإدارة وغياب سلطة الجمعيات العمومية فى الحسم يكون التحزُّب، ويكون تطويع الآخرين لرغبات أشخاص بعينهم، وما يجرّه ذلك -فيما بعد- من عدم الشفافية، واعتماد الارتجالية بديلًا عن التخطيط والإستراتيجية.
وعليه؛ يجب إعادة النظر فى لوائح وقوانين هذه المؤسسات، وتخيُّر نمط إدارى معاصر يتوافق مع هذا المجال، وتربية جيل مؤمن بهذا العلم، يستطيع كسر النمطية، ووضع ضوابط للعمل وكيفية إدارته، وهو ما يستدعى تفعيل طرق ووسائل التقويم والمراجعة والتطوير؛ كى يكون لمن يتصدون لإدارة هذه الفرق أو الجماعات القدرة على قيادة الأحداث لا أن تقودهم الأحداث.
Facebook Comments