انتهى تحليل أعده الباحث السياسي ماجد مندور إلى أن هيئة قناة السويس لطالما كانت خاضعة لسلطة المؤسسة العسكرية، حيث يتسلّم ضباط سابقون في البحرية رئاسة الهيئة من دون انقطاع منذ عام 1964، ويؤكد أن الجيش يتقاضى عمولة غير رسمية على جميع المراكب التي تعبر القناة. وبالتالي فمشروع قانون صندوق هيئة قناة السويس الذي أقره البرلمان مؤخرا يستهدف الحفاظ على هذا التقليد؛ حيث أعلن السيسي أن الصندوق سيكون تحت إشراف "كيان سيادي"، وهو مصطلح مخفَّف تُقصَد به أجهزة الاستخبارات أو المؤسسة العسكرية. أدلى السيسي بهذا الكلام على الرغم من أن التعديل ينصّ على أن سلطة التعيينات في مجلس إدارة الصندوق منوطة بمجلس الوزراء الذي هو – نظريًا – هيئة مدنية. سوف يتيح ذلك، بصورة أساسية، للجيش الوصول إلى الصندوق غير الخاضع للإشراف، حيث يمكنه سحب مبالغ طائلة من عائدات القناة من دون أي رقابة مدنية.
ويضيف التحليل، المنشور على موقع "صدى" التابع لمركز مالكوم كير ـ كارنيجي، أنه عند التدقيق في دوافع قرار نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي لإنشاء صندوق خاص لهيئة قانون السويس، يتّضح أن القرار الذي اتّخذه النظام بإنشاء الصندوق هو مؤشرٌ على غياب الإرادة السياسية لإصلاح الصيغة العسكرية لرأسمالية الدولة. على النقيض، يبدو أن النظام يتمسّك أكثر بسياسته». ويرى أن نأ الهدف من مشروع قانون صندوق هيئة قناة السويس ــ حسب تصريحات الجنرال عبدالفتاح السيسي ــ هو السماح لهيئة القناة بتكوين احتياطياتها النقدية الخاصة لتمويل المشاريع الإنمائية الضرورية في القناة من دون أن تُضطر إلى العودة إلى وزارة المالية للحصول على الأموال اللازمة. وحسب مندور فإن تعديلات مشروع القانون ستجعل هيئة قناة السويس مفتوحةً أمام الجهات الاستثمارية الخاصة، في حال اختار الصندوق المقترح بيع بعض أصوله، أو إنشاء شركة مع جهة منتمية إلى القطاع الخاص. ولكن اللافت هو أن التعديل المقترح لم يأتِ على ذكر أي إشراف تشريعي على عمليات الصندوق.
وفي 19 ديسمبر (22م)، أبدى مجلس نواب الانقلاب موافقته المبدئية على تعديل القانون رقم 30 الصادر في عام 1975، المتعلق بتنظيم عمليات هيئة قناة السويس. ينص التعديل على إنشاء "صندوق قناة السويس" حيث يُستثمَر فائض الإيرادات التي يحققها تشغيل القناة. ويجوز للصندوق أيضًا تأجير الأصول وبيعها وشراؤها، وإنشاء الشركات، والاستثمار في الأدوات المالية. وتَقرّر أن يكون للصندوق مجلس إدارة يعيّنه مجلس الوزراء ويقوده رئيس هيئة قناة السويس.
يأتي هذا القرار في خضم أزمة اقتصادية متفاقمة يتسبب بها النقص الحاد في العملات الصعبة، ما أدّى إلى تدهور قيمة الجنيه المصري إلى أدنى مستوياتها التاريخية مقابل الدولار الأميركي بعد ثلاث محطات شهدت انخفاضًا لقيمة العملة المحلية في أقل من عام. وبما أنه سيُعاد توجيه جزء من عائدات القناة على الأقل إلى الصندوق المقترح، سوف يؤدّي إنشاؤه إلى حرمان إضافي للدولة من مصدر مهم للعملات الصعبة شكّل نسبة 7.4 في المئة من إيرادات الحساب الجاري في الربع الأول من عام 2021. وتزداد الأوضاع تأزّمًا بسبب النقص في السلع الأساسية، وبلوغ التضخم أعلى مستوياته منذ خمس سنوات، مع تسجيله نسبة 18 في المئة في نوفمبر الماضي.
تبعًا لذلك، يبدو أن لإنشاء الصندوق هدفَين أساسيَّين: الهدف الأول هو تعزيز الدعم للنظام داخل المؤسسة العسكرية في خضم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادّة. والهدف الثاني هو التوصّل إلى حل وسط من خلال السماح للمستثمرين الخاصين بالمشاركة في عمليات القناة من دون فقدان السيطرة العسكرية.
وحسب مندور فإن الخطة تهيّئ الساحة لخصخصة القناة من دون أي تغييرات في قواعد حوكمتها، ومن دون تعزيز الشفافية في ما يتعلق باستخدام عائداتها. فيما يدلّ ذلك على أن النظام يحاول الحصول على قالب الحلوى والتهامه معًا، يُظهر أيضًا أنه، وعلى الرغم من الانهيار المدوّي لنموذج التنمية الاقتصادية الذي تنتهجه الدولة، يصرّ النظام على المضي قدمًا في مساره المشوب بالخلل. وهذا يعني أن الأزمة الاقتصادية ستتفاقم مع ما يترتب عن ذلك من تبعات كارثية على المصريين.
Facebook Comments