الفساد والسرقة والاختلاس وإهدار المال العام تحولت إلى وقائع يومية؛ حيث تعمل عصابة العسكر على نهب كل ما تصل إليه أيديهم ، ولم تتوقف هذه الجرائم حتى بعد تصفية الشركات مثل الشركة القومية للأسمنت أو شركة الحديد والصلب بحلوان ، بل تتسابق العصابة على الاستيلاء على أصول هذه الشركات وبيع معداتها وآلاتها وحتى الخردة بـ"تراب الفلوس".
في هذا السياق كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، بشأن فحص القوائم المالية لشركة الحديد والصلب المصرية، عن مخطط أسود لبيع أصول الشركة في أسواق الخردة بعد صدور قرارات بتصفية الشركة وبيع منقولاتها وعقاراتها عبر مزادات علنية وأوامر مباشرة.
وقال التقرير إن "إجمالي الأصول والالتزامات بالشركة بلغت نحو 4 مليارات جنيه، وأن مديونيات الشركة لصالح شركات الكهرباء والغاز وصلت إلى 5.3 مليار جنيه، بخلاف إجمالي الخسائر التي وصلت لنحو 8.2 مليار جنيه".
كانت الجمعية العمومية العادية وغير العادية للشركة، قد قررت تصفية نشاطها بعد فصل نشاط المناجم والمحاجر في شركة مستقلة مملوكة لنفس المساهمين وتم إدراج أسهم شركة الحديد والصلب للمناجم والمحاجر في البورصة المصرية، برأسمال مصدر 195.3 مليون جنيه موزعا على 976.8 مليون سهم بقيمة اسمية قدرها 0.2 جنيه للسهم".
وقرر مجلس إدارة شركة الحديد والصلب إغلاق أبواب الشركة ووقف حضور العمال تمهيدا لعملية التصفية، وأصدر محمد السعدواي مصطفى، العضو المنتدب التنفيذي للشركة القابضة للصناعات المعدنية، قرارا بتكليف اللواء هشام نظمي سليمان فهمي بأعمال تصفية الشركة بدلا من المحاسب مصطفى حسن محمود عمر.
حقوق الشركة
وبررت الجمعية العمومية لشركة الحديد والصلب تصفية الشركة بتدني كافة المؤشرات المالية والإنتاجية والاقتصادية للشركة وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه الغير ، وأهمها توفير أجور العاملين وتوفير مستلزمات الإنتاج والتشغيل الاقتصادي وتدهور اقتصاديات التشغيل والخلل في هيكلها المالي، مما أدى إلى تزايد خسائرها حتى وصلت لنحو 8.2 مليار جنيه والتي تمثل 547% من حقوق المساهمين.
وزعمت الجمعية العمومية غير العادية أن مهمة المصفي تكمن في تحصيل حقوق الشركة لدى الغير وبيع مال الشركة منقولا كان أو عقارا بالمزاد العلني أو بأي طرق أخرى، للوفاء بما على الشركة من ديون.
وبناء على هذا القرار فإن السيناريو الذي ينتظر الشركة هو السيناريو الأسوأ على الإطلاق لما ينتظرها من بيع أصولها ومعداتها وخطوط إنتاجها من خلال المزادات العلنية والأوامر المباشرة في أسواق الخردة، الأمر الذي يهدد بإهدار مليارات الجنيهات.
تراكم المديونيات
وأكد تقرير جهاز المحاسبات أن الشركة تعاني من عدم القدرة على سداد الالتزامات والمتطلبات المالية، وهو ما يظهر في تراكم المديونيات للموردين الرئيسيين للشركة والبالغة نحو 6 مليارات جنيه، تتمثل في مديونية لشركة الغاز بنحو 3.9 مليار جنيه، ومديونية لشركة الكهرباء بنحو 1.4 مليار جنيه، ومديونية لشركة الكوك بنحو 327 مليون جنيه، ومديونية لسكك حديد مصر بنحو 138 مليون جنيه، ومديونية لشركة القاهرة 140 مليون جنيه.
وأوضح التقرير، أنه بسبب التعثر المالي قامت الشركة بالحصول على مبلغ 302 مليون جنيه من الشركة القابضة للصناعات المعدنية، لتدبير مرتبات شهر نوفمبر وديسمبر ويناير وإبريل ومايو منحة للعاملين؛ نظرا للعجز الشديد في السيولة النقدية، ولم يتم موافاة جهاز المحاسبات بأية مستندات بخصوص سداد تلك المديونيات عن طريق نقل ملكية أراض مملوكة للشركة للدائنين.
وأضاف أن توقف الإنتاج بصورة متكررة نتيجة تقادم الآلات والمعدات وعدم توافر الخامات اللازمة ، هو ما انعكس في نسبة الأعطال والتوقفات المرتفعة حتى بلغت نحو 94% مما يعني أن نسبة استغلال الزمن المتاح بلغت 6% فقط، وكذلك عدم مطابقة معظم إنتاج الأفران العالية للمواصفات، حيث بلغت نسبة غير المطابق للصلب نحو 81% من إنتاج الأفران بخلاف المخلفات.
الأصول الثابتة
وأشار التقرير، إلى أن نتائج الأعمال عن المركز المالي لم تتضمن مبلغ 424 مليون جنيه، وهو ما يمثل الأثر المالي المترتب على البروتوكول الموقع مع أحد البنوك، والذي بموجبه تلتزم الشركة بدفع مبلغ 750 مليون جنيه تتمثل في جزء من أسهم الشركة المملوكة للشركة القابضة مقابل تنازل الشركة عن قطعتي أرض للشركة القابضة بمبلغ 375 مليون جنيه، والتنازل عن أراض ملك الشركة لصالح البنك بمبلغ 375 مليون جنيه، حيث سبق للشركة تكوين مخصص بنحو 326 مليون جنيه لمواجهة القضايا المرفوعة من البنك.
وذكر أن تكلفة الأصول الثابتة بلغت نحو 3.512 مليار جنيه قيمتها الدفترية نحو 780 مليون جنيه بنسبة 22% وتتضمن نحو 2.064 مليار جنيه أصول مهلكة ، ومازالت تستخدم في الإنتاج بنسبة 58% من تكلفة الأصول، مؤكدا أن الشركة لم تقم باتخاذ الإجراءات القانونية لتسجيل نحو 790 فدانا بحوزة الشركة وضع يد بمنطقة التبين، ونحو 654 فدانا وضع يد لأرض الشركة بالواحات البحرية، كما لم تقم الشركة باتخاذ الإجراءات القانونية لتسجيل مساحة 45 فدانا مشتراة من الشركة القومية للأسمنت وهي من ضمن الأراضي المملوكة للشركة.
البيانات المساحية
وكشف المستشار القانوني للشركة أنه تم تقديم طلب للحصول على البيانات المساحية، وتم تحديد موعد للانتقال للرفع المساحي واصطحاب مهندس المساحة، لكن حتى تاريخه لم يتم موافاة الجهاز المركزي للمحاسبات بتقرير الرفع المساحي، مما يهدد بضياع 835 فدانا من أراضي الشركة .
وأشار إلى قيام الشركة بإسناد تسجيل الأرض لمكتب المحامي علي محمد محمود، وتم سداد دفعة مقدمة له بمبلغ 80 ألف جنيه، ولم يتم موافاة جهاز المحاسبات بما انتهت إليه الإجراءات، الأمر الذي يهدد بضياع أراضي الشركة حال التصفية لعدم وجود مستندات ملكية لتلك الأراضي.
وأكد التقرير أن قيمة ما أمكن حصره من المخزون الراكد من قطع غيار، والذي لم يتم الصرف أو الإضافة عليه لأكثر من 3 سنوات بلغت نحو 386 مليون جنيه، وكان يتعين حصر ودراسة جميع الرواكد بجميع مخازن الشركة، وسرعة التصرف الاقتصادي فيها في ظل عدم استخدامها طوال تلك السنوات.
المال العام
وحذر من أن هناك تلاعبا وتزويرا واختلاسا للمال العام من قبل رئيس قسم حسابات الاعتمادات المستندية ومنتدب مدير إدارة التمويل، وكاتب ثالث ومنتدب رئيس قسم الحسابات، حيث أصدروا شيكات لأقاربهم وذويهم دون وجه حق، حيث إنهم لا يمثلون موردين لأي خدمات للشركة، لافتا إلى أنهم قاموا بالاستيلاء على مبالغ مالية بلغ ما أمكن حصره منها 3.294 مليون جنيه مقابل إصدار 14 شيكا .
وأوضح التقرير أن الاختلاس كان يتم عن طريق إصدار شيكات والحصول على توقيع المفوضين بالتوقيع عليها، ويقوم المتورط في ذلك بتسليم الشيك لأقاربه أو ذويه، وبعد ذلك يقوم بكتابة أن الشيك ملغي أو تزوير الشيك أو إلغائه وإرفاقه بدفتر الكعوب، ثم يقوم بالتلاعب في حوافظ إشعارات البنك وحوافظ الشيكات، وذلك لإظهار مطابقات البنك مضبوطة .
وأكد أن الشركة لم تقم بموافاة الجهاز المركزي للمحاسبات بتلك المخالفات المالية، واكتفت بالتحقيق الداخلي الذي لم ينته حتى تاريخه، وقامت بإبلاغ الرقابة الإدارية دون إبلاغ نيابة الأموال العامة .
Facebook Comments