لعل أخطر ما ينتظر مصر والمصريين خلال الأيام المقبلة إعلان الإفلاس، وهو ما يجر على مصر كوارث اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، تفاقم الأزمات المعيشية المتراكمة حاليا على المواطنين.
فعلى الرغم من مرور أقل من 3 شهور على اتفاق مصر وصندوق النقد الدولي على قرض جديد بقيمة 3 مليارات دولار، للمرة الرابعة منذ عام 2016، خفضت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" التصنيف الائتماني لمصر لتصبح في خانة المخاطرة بخصوص الجدارة الائتمانية ولا يفصلها عن التعثر سوى درجتين.
والثلاثاء الماضي، أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، للمرة الأولى منذ 2013 تخفيض تصنيف مصر السيادي درجة واحدة بالعملتين الأجنبية والمحلية إلى "B3" بدلا من "B2"، وهي درجة منخفضة للغاية على سلم التصنيف الائتماني للدول، وعدلت النظرة المستقبلية إلى مستقرة بدلا من سلبية.
وفي السياق، خفضت الوكالة أيضا سقف العملة المحلية لمصر إلى Ba3 من Ba2، وسقف العملة الأجنبية إلى "B2" بدلا من "B3"، بما يعكس ضعف السيولة بالعملة الأجنبية في النظام النقدي.
وأرجعت وكالة "موديز" تخفيض تصنيف مصر السيادي إلى تراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي وقدرتها على امتصاص الصدمات الخارجية، وتراجع الدعم الخارجي، واستمرار النقص في النقد الأجنبي رغم النظام المرن لأسعار الصرف.
يشار إلى أن "موديز" خفضت في مايو الماضي نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني لمصر من مستقرة إلى سلبية مع إبقائها للتصنيف الائتماني عند "B 2"؛ بسبب تزايد مخاطر الاتجاه الهبوطي لقدرة الدولة السيادية على امتصاص الصدمات الخارجية في ضوء التقلص الكبير في احتياطي النقد الأجنبي لتلبية مدفوعات خدمة الدين الخارجي المقبلة.
وكانت مصر تسعى بقوة للحصول على قرض الصندوق، بعد مفاوضات شاقة وطويلة، يمنحها شهادة ثقة في اقتصادها وجدارتها الائتمانية ويفتح لها أسواق الدين الخارجية التي ابتعدت عنها بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض، وهروب الأموال الساخنة.
ومع تراجع التصنيف الائتماني لمصر، ستنعكس التأيرات السلبية على قدرتها على التفاوض مع الشركاء الإقليميين في المرحلة الجديدة من أجل بيع أصول الدولة لتوفير السيولة اللازمة لسداد التزاماتها الخارجية في ظل التوجه نحو شراء الأصول المصرية بدلا من إقراض النظام مجددا.
والغريب أن التصنيف المزري لمصر وفق وكالة موديز، أنه يأتي عقب شهادة ثقة منحها صندوق النقد الدولي، بإقراضها 3 مليارات دولار، وهو ما يراه خبراء أن السياسة تدخلت لإقراض مصر ، لا على أسس اقتصادية، بل لوساطات وضغوط سيادية سواء من دول الخليج أو أمريكا، وبضمانات خليجية، وهو ما يضع مصر تحت سلطة خارجية على المستوى الاقتصادي، إذ تراقب دول الخليج وأمريكا الاتفاق الاقتصادي للحكومة المصرية، وهو ما كشف عنه في تصريحات المسئولون الخليجيون، عند طرح الأصول المصرية للبيع، وأيضا خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لمصر والإعلان عن إقامة لجنة اقتصادية مشتركة.
وبحسب الخبير الاقتصادي الدكتور أشرف دوابة، فإن "مصر وصلت إلى مرحلة حرجة من نقص السيولة الأجنبية، والأمر متعلق بمدى قدرتها على سداد الديون".
مضيفا في تصريحات إعلامية، أن اتفاق صندوق النقد الدولي الممتد لـ46 شهرا يتضمن العديد من الإجراءات التي يجب الالتزام بها ، مثل التعويم الكامل للجنيه أمام العملات الأجنبية، وسوف نشهد انخفاضات مستمرة لقيمة الجنيه.
متوقعا أن تشهد مصر مزيدا من الضغوط الخارجية بالفترة المقبلة، وانصراف الدائنين عن إقراض مصر، لتضعضع قدرتها على السداد، وسوف يقلل ذلك من جاذبية السوق المصري للمستثمرين للاستثمار في أدوات الدين، يشار إلى أنه عقب تصنيف موديز، تراجعت مؤشرات البورصة المصرية مباشرة، وتراجعت خلال تعاملات، الأربعاء، للمرة الأولى خلال الأسبوع، كما تراجعت السندات الحكومية المصرية المقومة بالدولار بشكل متفاوت بحسب موعد الاستحقاق.
وفقا لبيانات البنك المركزي المصري، تراجع سعر صرف الدولار عند مستويات 30.42 جنيها للدولار للبيع، مقابل 30:30 جنيها للدولار قبل التخفيض الجديد وسط توقعات باستمرار خفض قيمة الجنيه إلى مستويات أخرى.
ووفق تقديرات اقتصادية، فإن مصر الآن على بعد خطوات من أسوأ تصنيف لها في تاريخها، وحتى تستعيد بعض درجاتها الائتمانية يجب أن يخرج الجيش من الاقتصاد الذي يهيمن على مفاصله ويعيق تقدمه، وحتى يحدث ذلك سوف يظل التصنيف سيئا، ولا يزال هذا التصنيف بحسب الخبير الاقتصادي د.مصطفى يوسف مجاملة لمصر التي تعاني أوضاعا اقتصادية أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
ولعل الأسوأ هو ما يجابهه المواطن المصري من أزمات معيشية وارتفاع التضخم الشهري لنحو 48% للمرة الأولى خلال يناير الماضي، وهو يدفع ملايين المصريين نحو الفقر والجوع والعوز الاقتصادي، ومن الانفجار المجتمعي والاحتراب الأهلي.