في توجه إجرائي، غير إعلامي، قال وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح، في تصريح جديد إن “بلاده تعتزم مراجعة الطريقة التي تنتهجها في تقديم المساعدات للدول العربية والنامية عبر الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية”.
وأضاف الوزير الكويتي في فيديو مصور وزعته وزارة الخارجية “هناك تطورات على المستوى الدولي تتطلب منا أن نعيد النظر في آليات عمل الصندوق وتجيير (تسخير) عمل الصندوق للمحافظة على مصالحنا الوطنية”.
وقال مقربون من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الحكومي، إن “الكويت أعادت النظر في سياسة منح القروض والمنح، تمهيدا لإقرار سياسة جديدة تقوم على تحقيق مصالح الكويت في المقام الأول، وأن يكون القرض الممنوح لأي دولة ذا مردود إيجابي للبلاد”.
وأوضحوا أنه ستتم إعادة النظر في إعطاء القروض بلا مقابل، فضلا عن مراجعة الأعمال الإنسانية البحتة التي لا تحتوي على أي أجندة.
وعن أولوية وجود مردود للقروض قالوا إن “القروض التي سيعطيها الصندوق يجب أن تتماشى مع السياسة الخارجية للكويت، خصوصا فيما يتعلق بالدعم السياسي نحو قضايا معينة، وأن تكون ذات مردود إيجابي، مثل تعزيز الأمن الغذائي للبلاد، إضافة إلى التصويت في مجلس الأمن بشأن القضايا التي تهم الكويت”.
ويبدو أن الكويت تسعى لاتخاذ الإجراءات القانونية بشأن التأخر في سداد مستحقات الصندوق لدى بعض الدول، وأن هناك بعض الحكومات متعثرة، ولا تستطيع السداد بسبب الحروب مثل سوريا، ولا يمكن استرداد الأموال منها.
وبلغت قيمة المتأخرات على بعض الدول 163.5 مليون دينار 535 مليون دولار، منها 146 مليون دينار 477.8 مليون دولار مستحقة على الدول العربية، و17 مليون دينار 55.63 مليار دولار على بقية الدول المقترضة من الكويت.
الصندوق الكويتي للتنمية وفق ميثاقه التأسيسي، يدعو لمساعدة الدول العربية والدول النامية الأخرى، في تطوير اقتصاداتها عبر القروض الميسرة والضمانات والمنح وتوفير المعونات الفنية، ولا يقدم مساعدات مالية لدعم ميزانيات الدول.
وينتقد برلمانيون وناشطون كويتيون مساعدة الصندوق الدول الأخرى في وقت تتزايد الحاجة فيه إلى مساعدة المواطنين الكويتيين في ظل زيادة نسب التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات.
الموقف السعودي
ولم تتزحزح السعودية عن موقفها رغم اعتذار السيسي، وتعتبر مواقف الكويت ظلا للسعودية في مواقفها وشعرة معاوية التي تطلقها أحيانا مثل تعامل الكويت مع قطر إبان حصار قطر قبل عام ونصف العام.
وقدم عبدالفتاح السيسي اعتذارا ضمنيا للمملكة العربية السعودية، الخميس، 9 فبراير عن إساءات أوردتها وسائل إعلام موالية، واصفا التقارير بشأن أزمة في العلاقات بين البلدين بأنها “فرضية غير موجودة”.
وقال السيسي، خلال افتتاح المرحلة الثانية من مدينة الصناعات الغذائية “سايلو فودز” بالقاهرة، إن “مصر تقدر علاقاتها الطيبة مع جميع الدول ولا تقبل الإساءة للأشقاء في المملكة العربية السعودية أو الانسياق وراء الفتن”.
وأضاف، أن علاقة بلاده رشيدة ومتزنة مع الجميع، خاصة الأشقاء في السعودية، ولا تنسى موقف المملكة الداعم لها”، مؤكدا أن سياسة مصر تتسم بالانضباط الشديد.
ونصح السيسي مدعيا عدم التجاوز والانسياق وراء أمور لا أساس لها من الصحة، أو الانجرار وراء مواقع وصفحات مغرضة تهدف للإساءة والوقيعة بين الدول.
واستشهد بالموقف من إثيوبيا رغم وجود أزمة في العلاقات معها بسبب سد النهضة، قائلا “لم تصدر كلمة واحدة تُسيء للإثيوبيين”.
وزعم السيسي أن سياسة مصر تتسم بالتوازن الشديد في الداخل والخارج، وأكد أنه يتابع جميع مواقع التواصل الاجتماعي، داعيا للحرص على العلاقات مع الدول الشقيقة.
مطالب الرياض
ورجح الصحفي عبدالحميد قطب في تغريدة عبر حسابه على تويتر أن السعودية تطالب بإقالة جميع الإعلاميين المصريين الذين أساءوا إليها، سابقا ولاحقا، وعلى رأسهم أحمد موسى وعبدالرازق توفيق، على غرار إقالتها فورا أمين عام منظمة التعاون الإسلامي إياد مدني عام 2016 بعد تعليقه على ثلاجة السيسي في مؤتمر وزاري في تونس بحضور الرئيس السابق السبسي.
وكان مدني قال في افتتاح المؤتمر مخاطبا الرئيس التونسي آنذاك “السيد الرئيس الباجي قايد السيسي… السبسي، آسف هذا خطأ فاحش، أنا متأكد أن ثلاجتكم فيها أكثر من الماء فخامة الرئيس”، وبعدها أقيل فورا من منصبه.
وكانت جريدة “الجمهورية” قد نشرت مقالا لرئيس تحريرها عبدالرازق توفيق، اعتبره كثيرون هجوما وإساءة للسعوديين، لكنه لم يذكر أي دولة في ذلك المقال، قبل أن تقوم الجريدة بحذفه، وجاء المقال تحت عنوان “الأشجار المثمرة وحجارة اللئام والأندال” تحدث فيه عن هجوم من أسماهم بالأشقاء على الدولة المصرية، في إشارة إلى السعوديين.
وعلى ما يبدو، أخرت مصر تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو السبب المُرجح لحالة الغضب التي تنتاب السعوديين، لا سيما أن السياحة في الجزيرتين تعول عليها المملكة كثيرا لدعم اقتصادها في الفترة المقبلة كجزء من رؤية 2030.
مقال عبدالرزاق
وقالت “مدى مصر” بحسب مصدر حكومي مصري إن “رسالة تحذير من البعثة الدبلوماسية المصرية في السعودية، وراء صدور تعليمات مباشرة من مستويات تنفيذية رفيعة بكتابة رئيس تحرير جريدة الجمهورية الحكومية مقالا يعتذر فيه عن مقال سابق، شن فيه هجوما غير مسبوق على المملكة؛ ردا على انتقادات كتاب سعوديين لسيطرة الجيش المصري على اقتصاد بلاده”.
وأوضح المصدر أن البعثة المصرية بالرياض حذرت من “تبعات محتملة في إطار العلاقات الثنائية”، وتحدثت عن أجواء استياء شديدة داخل البلاط الملكي السعودي من لغة المقال الهجومية.
وأشار المصدر إلى “أسباب متعددة ومتراكمة” وراء التوتر بين القاهرة والرياض خلال الفترة الماضية، قائلا إن “هناك عتبا مصريا لتخلي السعودية عن تقديم الدعم الاقتصادي لمصر في وقت أزمة، رغم ما اقترحته على المملكة في أن يكون هذا الدعم عبر صفقات استثمارية كانت الرياض أصلا قد وعدت بها”.
موقف ثابت
ويرى مراقبون أن الخطوة الكويتية كانت منتظرة، لاسيما في ظل الضغوط النيابية الرافضة لاستمرار ضخ المزيد من الأموال لدول تعاني أزمات اقتصادية لا تنتهي مثل مصر، في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الكويتي حالة من التذبذب وعدم الاستقرار، ويحتاج فيه إلى تحسين إدارة الموارد المالية للدولة لإطلاق حزمة من الإصلاحات الهيكلية في مقدمتها تنويع مصادر الدخل.
وقال مراقبون إن “الكويتيين سئموا تقديم الأموال بلا مقابل، وهم يريدون اليوم ومن أعلى هرم في الدولة وضع حد لهذا التمشي العبثي، والاقتداء في ذلك بمحيطهم الخليجي”.
ومع ضغوط لصندوق النقد الدولي بمطالبة الدول الخليجية بضخ 14 مليار دولار إلى القاهرة، ويمثل هذا المبلغ جزءا من إستراتيجية تمويل البرنامج الذي أجازه الصندوق لمصر في ديسمبر الماضي، قال نائب أمين سر مجلس الأمة “أسامة الشاهين” خلال جلسة برلمانية الشهر الماضي “قبل الحديث عن 14 مليارا جديدة، علينا معرفة مصير المليارات الثلاثة من المنح والقروض، والمليارات الأربعة المودعة ومستحقة السداد”.
وتوجه “الشاهين” بسؤال إلى وزير المالية، قال فيه “ما إجمالي وتفصيل الودائع الكويتية الحكومية في مصر؟، وما تواريخ استحقاقها؟، وما هي العوائد التي تم تحصيلها فعليا وتحويلها إلى خارج مصر من هذه العوائد طوال سنوات الإيداع؟ وما هي توجهات وزارة المالية بشأن التصرف بهذه الودائع المليارية؟”.
وأودعت الكويت وديعتين لدى المصرف المركزي المصري بقيمة إجمالية تبلغ 4 مليارات دولار، وكانت الأولى والبالغة قيمتها ملياري دولار تستحق في سبتمبر/أيلول الماضي، والثانية بنفس القيمة أيضا ويحل موعد استحقاقها في أبريل/نيسان المقبل.
وبذلك تحتل الكويت المركز الثالث في قائمة الدول الخليجية المودعة لدى مصر، مقارنة بالإمارات (10.6 مليارات دولار)، ثم السعودية (10.3 مليارات دولار).
كما أودعت قطر في البنك المركزي المصري 3 مليارات دولار خلال العام الماضي.
وقالت بلومبرج في أغسطس الماضي، إن “مصر تسعى لجمع 41 مليار دولار لسداد عجز الحساب الجاري والديون المستحقة بنهاية 2023”.
الموقف السعودي
وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان، خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي بسويسرا في 18 يناير قال إننا “اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة من دون شروط، ونحن نغير ذلك، نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا في حاجة إلى رؤية إصلاحات”.
وأضاف الوزير السعودي “نفرض ضرائب على شعبنا، ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه، وأن يبذلوا جهدا، نريد المساعدة، لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم”.
وهذا الموقف الذي يأتي متسقا مع سياسات جديدة كشفت عنها دول خليجية أخرى كالإمارات وقطر، التي بدأت بالتلويح إلى أن “عصر الودائع المصرفية غير المشروطة قد ولى”، مفضلة الاستثمار بدلا من تقديم المساعدات المالية المباشرة.
وقبل أسابيع، أفادت مصادر صحفية بوجود “أزمة” تعتري العلاقات بين القاهرة والرياض على خلفية توجه الاستثمارات السعودية المرتقب ضخها في السوق المصرية، حيث ترغب الرياض في الاستثمار بشكل أكبر في القطاع الخاص، بينما ترغب القاهرة في الحصول على استثمارات مباشرة في الشركات الحكومية، وهو ما ترفضه المملكة لأنها ترى هذه الشركات غير مربحة، حسب مصادر.
إلى أبوظبي
وتوجه عبد الفتاح السيسي، الأحد، 12 فبراير إلى أبوظبي للقاء شيطان العرب محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات، بإطار معلن هو “المشاركة في القمة العالمية للحكومات التي تبدأ فعالياتها ١٣ فبراير: 15”.
ونبه بيان عن مكتب الرئاسة في مصر أن اللقاء شهد كذلك تأكيد خصوصية العلاقات المصرية الإماراتية الوثيقة، والتي تنعكس على التنسيق المستمر بين البلدين الشقيقين، بما يساعد على دعم استقرار المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط.
وقال مراقبون إن “الإمارات ليست بمعزل عن هذه التوترات، إذ تحدثت تقارير عن أن الرياض غاضبة من سيطرة أبو ظبي بشكل أكبر على شراء الأصول المصرية، وهنا تجدر الإشارة إلى غياب السعودية عن قمة أبو ظبي الأخيرة التي كان عبدالفتاح السيسي أحد أطرافها رفقة قادة عرب وخليجيين، فيما كان لافتا غياب السعودية”.