قررت جهات التحقيق المختصة، اليوم الأربعاء بسلطة الانقلاب ، إخلاء سبيل المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركز للمحاسبات السابق، بضمان محل إقامته على ذمة القضية 441 لسنة 2018 والمتهم فيها بمزاعم الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.
وأفادت مصادر مطلعة، بأن «جنينة»، أنهى فترة عقوبته بالسجن 5 سنوات، بقضية الإساءة لمؤسسات الدولة، وإذاعة أخبار القضية المعروفة إعلاميا بالإساءة إلى مؤسسات الدولة وإذاعة أخبار كاذبة، وكان ما زال مطلوبا على ذمة قضية أخرى تتعلق بالانضمام لجماعة إرهابية.
يأتي ذلك بعد أن قامت أجهزة الدكتاتورالمنقلب عبدالفتاح السيسي الأمنية بعرقلة الإفراج عنه رغم انتهاء محكوميته الإثنين 13 فبراير2023م وعدم طلبه على ذمة قضايا أخرى.
وقضى جنينة خمس سنوات سجنا بناء على حكم صادر من محكمة عسكرية بتهمة إذاعة أخبار وبيانات كاذبة، من شأنها تكدير الأمن العام، وإلقاء الرعب بين الناس، وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
مماطلة أمنية
رجّح مصدر قانوني أن يكون الإفراج عن رئيس جهاز المحاسبات المصري السابق المستشار هشام جنينة، مرتبطا بنوع من الإجراءات الاحترازية المطلوبة منه عقب خروجه.
وأوضح أن من ضمن الإجراءات الاحترازية المطلوبة احتمال التزامه إقامة جبرية في منزله، ومنعه من مغادرته لعدة أيام في الأسبوع، على غرار ما جرى مع وزير العدل المصري الأسبق أحمد سليمان، الذي مُنع من مغادرة منزله ليومين في الأسبوع، مع فرض نوع من الرقابة الناعمة عليه في منزله الواقع في منطقة المنيا الجديدة".
وتأخر الإفراج عن جنينة ليومين عقب انقضاء مدته، المرتبط، وفق المصدر ذاته، بالسعي لانتزاع تعهدات منه بعدم الاشتباك مع أي من القضايا العامة أو الإدلاء بأي تصريحات لوسائل الإعلام أو إقامة أي اتصالات مع أي من القوى السياسية، سواء في الداخل أو في الخارج، ورجّح أن يكون موقف جنينة هو الحاكم في مسألة الإفراج عنه من عدمه، مشيرا إلى أنه في حال قبوله بالاشتراطات سيُخلى سبيله بشكل فوري، فيما تبدو هناك عدة سيناريوهات أخرى، حال تحفظه على المطلوب مقابل خروجه".
ونفت المصادر احتمال وجود رابط ما بين الإفراج عن جنينة وعودة السياسي المعروف ممدوح حمزة من بيروت خلال الساعات الماضية، مشيرة إلى أنه لا علاقة بين الإفراج عن جنينة الذي أنهى مدة محكوميته، وعودة حمزة المرتبة التي تجري في إطار لمّ شمل معسكر 30 يونيو في مصر، في ظل المشكلات السياسية والاقتصادية التي تواجه النظام المصري، والرغبة في إنجاح الحوار الوطني الجاري حاليا.
جنينة وفساد السيسي
وكان المستشار أحمد مكي، وزير العدل بحكومة الدكتور هشام قنديل، قد أكد في حواره مع صحيفة "عربي 21" المنشور بتاريخ 30 مايو 2022، أن مافيا الفساد أكبر مما نتصور، وأن الفساد يعشش في كل ركن بمصر تحت رعاية النظام العسكري وحمايته، وبرهن مكي على ذلك بكثير من الحقائق أبرزها ما جرى مع المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي تم تفصيل قانون خصيصا لعزله ثم التنكيل به والزج به في السجن بتهم كيدية، بعدما كشف بالوثائق والمستندات أن حجم الفساد في مصر سنة 2015م بلغ 600 مليار جنيه، كما يبرهن على ذلك بأنه واجه سابقا حربا شرسة، حينما دعا وسعى إلى تطبيق قانون تداول المعلومات الذي جرى إجهاضه ومنعه بشكل متعمد، حتى يتم التستر على الكثير من وقائع الفساد والانتهاكات، في حين أن هذا القانون مهم للغاية لمعرفة الكثير من الأمور الغائبة عن الجميع، وكيف يمكن مناقشة السياسات الراهنة للحكومة، بينما نحن لا نعلم التفاصيل والمعلومات في ضوء انعدام الشفافية المطلوبة". ويوضح مكي أنهم اكتشفوا لاحقا أنه "تكاد تكون كل الأجهزة في الدولة مُلوثة وكلها مستفيدة من الفساد، وأكاد أشك أنه لا يوجد أحد تولى موقع مسؤولية في الدولة المصرية، إلا وقد حصل على أموال لنفسه" منوها إلى أنه لا أحد يمكنه التصدي لملف الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، لأنه كان بتواطؤ ورعاية رسمية بصورة أو بأخرى" ينتهي مكي في حواره إلى التأكيد على أن هناك "لوبي فساد متوحشا داخل الدولة العميقة، يحول دون استرداد الأموال المنهوبة، وربما يكون هذا اللوبي أقوى من الدولة نفسها، والسلطة المصرية نهيبة حرامية بالمعنى الحرفي للكلمة" متابعا "لو بحثنا في بنوك سويسرا أو بريطانيا، وغيرهما، فسنجد أسماء لم نكن نتخيل مطلقا أن يكون لها أموال في هذه البنوك، سواء منذ أيام مبارك أو بعده".
ويكشف مكي أن "المستشار جنينة طلب الاطلاع على حسابات الشرطة، واتضح له حصول الكثير من المخالفات الخطيرة، التي من بينها حصول ضباط الشرطة على أموال بملايين الجنيهات، دون أن تكون هناك أي إيصالات أو مستندات رسمية بذلك، بالإضافة إلى حصول بعضهم على آلاف الأفدنة في أراضي الحزام الأخضر حول مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، بينما لم تحدث أي تحقيقات جادة فيها حتى ماتت هذه القضية وغيرها" مضيفا أن "المستشار جنينة كان قد بدأ يدقق في حسابات الوزارات المختلفة، وتحديدا في تصرفات جهاز بيع الأراضي، وبدأ يشير إلى أن هناك ملايين كثيرة تم إهدارها، وحديثه عن حجم الفساد هو الذي أدى في النهاية إلى عزله من منصبه ثم سجنه لاحقا".
وكان الدكتاتور عبدالفتاح السيسي قد أقال المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات يوم الإثنين 28 مارس 2016م، وتكليف نائبه المستشار هشام بدوي، رئيس نيابات أمن الدولة العليا خلفا له، ويعد الجهاز المركزي للمحاسبات هو الجهاز الرقابي الأبرز في مصر، حيث يختص بالرقابة على مجمل الأموال العامة وأموال الشخصيات العامة، وتعد واقعة إعفاء المستشار هشام جنينة من منصبه هي الأولى من نوعها منذ تأسيس الجهاز المركزي للمحاسبات في عام 1964. ويتبع الجهاز المركزي للمحاسبات -الذي يراقب مالية المؤسسات والهيئات الحكومية- رئاسة الجمهورية مباشرة، رغم أنه من المفترض أن يراقب الأوضاع المالية لمؤسسة الرئاسة نفسها.
في أعقاب إقالة المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات، على خلفية تصريحاته بأن حجم الفساد في مصر بلغ "600" مليار جنيه، الأمر الذي استفز الدكتاتور عبدالفتاح السيسي؛ لكنه بدلا من ملاحقة الفاسدين، راح ينكل برئيس الجهاز المركزي للمحاسبات حتى أقاله ثم زج به في السجن لاحقا، وقتها علق الكاتب الكبير فهمي هويدي على ذلك بقوله «رئيس جهاز المحاسبات حين قام بواجبه وكشف عن الفساد في أجهزة الدولة المصرية، فإن اللوم وجه إليه وليس إلى المفسدين، ومن ثم أصبح هو المتهم والمدان وليس غيره، ولذلك فإنه أحيل إلى التحقيق وتحمل التنديد والتشهير، أما الذين نسبت إليهم وقائع الفساد فلم نعرف أن أحدا منهم مسه سوء».
وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على المستشار هشام جنينة في 13 فبراير2018، على خلفية تصريحات أدلى بها تفيد بأن رئيس أركان الجيش السابق سامي عنان لديه وثائق تدين نظام السيسي، وأكد أن هذه الوثائق والأدلة تتضمن إدانة العديد من قيادات الحكم بمصر الآن، وهي متعلقة بالأحداث التي وقعت عقب ثورة 25 يناير في مصر. وخلال هذه التصريحات، عبّر جنينة عن قلقه على حياة الفريق عنان داخل السجن، ومن الممكن أن يتعرض لمحاولة اغتيال وتصفية، كما حدث مع المشير عبد الحكيم عامر، محذرا في الوقت ذاته من أنه في حال المساس به ستظهر الوثائق الخطيرة التي يمتلكها عنان، إذ قام عنان بحفظها مع أشخاص خارج مصر، على حد تعبيره، وكان الفريق سامي عنان قد حُبس عقب إعلانه الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2018، دون حصوله على موافقة القوات المسلحة، أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنهاء استدعائها له، بحسب بيان للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتعرّض هشام جنينة للاعتداء في أثناء توجهه لتقديم طعن ضد الحكم على الفريق سامي عنان.
وتولى جنينة في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو أعلى جهة رقابية على أموال الدولة والشخصيات العامة، غير أن رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي أقاله من منصبه، فتقدم بطعن لإلغاء القرار، وقضت محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى المطالبة بوقف تنفيذ القرار رقم 132 لسنة 2016، المتضمن إعفاء رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، من منصبه، بدءا من 28 مارس 2016، لزوال شرط المصلحة.