عادت عجلات الانتحار تفتك بالمصريين مرة أخرى بعد توقف لم يدم كثيرا، حيث أقدم مواطن مصري على التخلص من حياته، بإلقاء نفسه أسفل عجلات مترو الأنفاق بمحطة حدائق حلوان، ونقل جثمانه إلى المشرحة تحت تصرف النيابة.
الثالث في إسبوع
الحادث لم يكن الأول، إذ شهدت محطة قطارات السكة الحديد برمسيس، حادثا مأساويا بإقدام شخص على التخلص من حياته تحت عجلات القطار.
وأعلنت منصة حقهم الحقوقية ،عن انتحار والدة أحد الفتية المحكوم عليهم بالسجن 15 عاما بتهمة التظاهر، في القضية رقم 1530 لسنة 2019 حصر أمن الدولة العليا، المعروفة إعلاميا في مصر بقضية الجوكر.
وتشمل هذه القضية 48 فتى بعدما أُلقي القبض عليهم على خلفية تسجيل فيديو نُشر في أواخر عام 2019 من قبل أربعة فتية فقط، وقد تضمن أمر إحالة القضية إلى المحاكمة 28 فتى.
ضغوط اقتصادية وانعدام أمل
أرجع الباحث عمار علي حسن، تلك المؤشرات المرتفعة إلى أن قسما كبيرا من المجتمع المصري أصبح غير قادر على الاستمرار في الحياة؛ نتيجة الضغوط الاقتصادية الهائلة وانعدام الأمل في المستقبل، كما أن هناك انتحارات لأسباب عاطفية أو خلافات أسرية، بالإضافة إلى أسباب تتعلق بالاضطرابات النفسية أو ما يسمى بالاكتئاب العميق أو الاكتئاب الانتحاري.
يوافقه الرأي الباحث محمد الصاوي، حيث قال إن “حالات الانتحار مؤشر لقادم أسود للبلاد من حيث البيئة الخصبة للحالة التي يعيشها المصريون”.
وأشار إلى أن دولا مثل السويد ينتحر بها الفرد لعدم شعوره بالحياة برغم العيش الرغد الموجود فيه، لكن حالة المصريين تختلف جذريا فهم لا يجدون الحياة من الأساس كي يعيشوا، وهذا سبب كاف لإطلاق أنفسهم لحالات الانتحار في الميادين والشوارع وأسفل عجلات المترو.
أرقام كارثية
وأصدرت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، تقريرا عن حالات الانتحار في مصر خلال الأشهر الستة الماضية من العام الماضي، وذلك تحت عنوان حالات الانتحار في مصر الإحباط الاجتماعي وغياب الدولة.
وقالت إن “عدد حالات الانتحار بلغ خلال فترة التقرير 186 حالة، وجاءت محافظة القاهرة في الترتيب الأول بـ48 حالة بنسبة 25.8%، تليها محافظة الجيزة في المركز الثاني بـ34 حالة بنسبة 18.27% ثم محافظة القليوبية بـ14 حالة 7.52% ومحافظة الشرقية بـ12 حالة بنسبة 6.45%، تليها محافظتا المنوفية وسوهاج بـ11 حالة لكل منهما بنسبة 5.91%”.
كما جاءت محافظات القاهرة الكبرى الثلاث القاهرة والجيزة والقليوبية في الصدارة، بما يزيد على ضعف حالات الانتحار المسجلة في باقي المحافظات بمعدل 96 حالة بنسبة 51.61% تليها محافظات الدلتا مضافا إليها محافظة الإسكندرية بـ52 حالة بنسبة 27.95% وفي المركز الثالث جاءت محافظات الوجه القبلي بمعدل 30 حالة بنسبة 16.12% تليها محافظات القناة في الترتيب الأخير بـ4 حالات بنسبة 21.5%.
وأشار التقرير إلى أن عدد الذكور كان الأعلى في معدل حالات الانتحار، حيث بلغ 123 حالة، وهو ما يقترب من ضعف عدد الإناث تقريبا بنسبة 66.12% بينما وصل عدد الإناث إلى 63 حالة بنسبة 33.87%.
وتابعت، جاء الانتحار شنقا في المرتبة الأولى بـ73 حالة بنسبة 39.24%، يليه تناول قرص غلة سام أو كيماوي أو مبيد حشري أو أقراص دوائية زائدة في المرتبة الثانية بـ46 حالة بنسبة 24.73%، يليه في الترتيب الثالث الانتحار بالقفز من طابق عال بمنازل المنتحرين أو من مبان تابعة بأماكن عامة بـ31 حالة بنسبة 16.6%.
أين ذهبت وزيرة السعادة
الغريب أن عصابة العسكر وبعد الصدمات التي تلقاها غالبية المصريين لدرجة وصول أعداد كبيرة من الاكتئاب في مصر، قررت تدشين هيئة لخلق الطاقة الإيجابية على غرار وزارة السعادة في دولة الإمارات، أو التي تنفذها دولة السويد في أوروبا وهما أصحاب الدخول المرتفعة لمواطنيها، فماذا عن المصريين؟
الغريب أن طرح الانقلاب عبر الدكتورة نيرفانا فاضل، أنها كادت أن تنتحر بعد مرورها بفترة عصيبة في حياتها.
المبادرة وهي عبارة عن ثلاث مراحل من الدورات المكثفة، أولها مرحلة بعنوان اعرف نفسك، وثانيها تحديد المسار، أما الثالثة بداية الطريق.
وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، فإن مصر في مرتبة متقدمة بنسبة 3 حالات لكل 100 ألف شخص، رغم تصدر مصر قائمة أعداد المنتحرين سنويا في المنطقة العربية، نظرا لضخامة تعدادها السكاني.
انتحار ..اكتئاب ..طلاق
وطوال السنوات التسع الماضية، يكاد يموت المصري بين القتل جوعا أو انتحارا أو فقرا، واعتبر الدكتور محمد عبد الفتاح المهدي، الخبير النفسي المصري وأستاذ الطب النفسي وعضو الجمعية الإسلامية العالمية للطب النفسي، أن حالات ومحاولات الانتحار، التي وقعت في مصر خلال السنوات الأخيرة، هي أقرب إلى كونها مظاهر اعتراض ورسائل غضب موجّـهة إلى الحكومة والنظام الحاكم، مشيرا إلى أن “الفقر والبطالة والعنوسة، أشهر دوافع الانتحار وأن انعدام الأمل وقلة الحيلة، أبرز عوامل الانتحار وأن الشباب المصري قد افتقد العمل والأمل، فأقدم على الانتحار”.
المهدي قال “هناك عوامل كثيرة تجعل الإنسان عرضة للانتحار، وكل مجتمع له عوامله الخاصة، وكل شخص له دوافعه الخاصة، ورغم أن الإيمان حاجز قوي ضدّ الانتحار، لكن حينما يختلّ التوازن بين الرّغبة في الحياة والرغبة في الموت، يتلاشى هذا الحاجز، ويظهر ذلك في حالات الإكتئاب الشديد، كما أن هناك عوامل خطيرة مثل المرض النفسي، وخاصة الإكتئاب الحاد والانفصام والإدمان، وتتراوح نسب الانتحار فيها بين 15 – 18%، فضلا عن ضعف شبكة الأمان الاجتماعي، إضافة إلى أن هناك أمرين على درجة عالية من الخطورة، هما قلة الحيلة وانعدام الأمل اليأس.
وأشار، شهدت مصر في السنوات الأخيرة تزايدا ملحوظا في معدلات الانتحار، حتى أصبحت ظاهرة لافتة تستحـق التوقف والدراسة، حيث أقدم 114 ألف مصري على الانتحار، نفـذ 5 آلاف منهم ما أقدموا عليه، وهذه النسبة تمثل 5 أضعاف ما كانت عليه في عام 2005.
وأكد المهدي، لا شك أن جزءا من معاناة الناس في العالم العربي، هي من نظم الحُـكم الجاثمة على صدورهم لسنوات طويلة، والمشكلة أن الشعوب العربية تفتحَّـت أعينها على العالم من حولها من خلال ثورة الإتصالات وعبـر شبكة الإنترنت، فرأت وقرأت عن شعوب غربية تعيش في أجواء من الديمقراطية الحقيقية وتمارس كافة حقوقها التي كفلتها لها القوانين والدساتير، وعندما أرادت أن تقارن بين ما تعيشه وما تسمع عنه وتراه، وجدت أنها أقرب إلى الموت منه إلى الحياة.
في ذيل مؤشر السعادة
وخرج المركز المصري للدراسات الاقتصادية بإصدار له يشير إلى الترتيب الدولي لمصر في كافة القطاعات الاقتصادية والسياحية والثقافية وغير ذلك، كان من بينها مؤشر السعادة في مصر والذي وضع مصر في ترتيب متأخر، حيث احتلت مصر الترتيب 132 في مؤشر السعادة ضمن 149 دولة.
وهذا المؤشر تقف خلفه العديد من الأسباب والأبعاد النفسية والاجتماعية المختلفة التي تشابكت، فيما بينها لتخرج إلينا بهذه النتيجة، وهي أن مصر لم تعد سعيدة ، وفي هذا الشأن تحدث علماء نفس وخبراء اجتماعيون عن الأسباب التي جعلت مصر تحتل هذا المركز المتأخر في مؤشر السعادة، وكيف ضاعت البوصلة التي كان يهتدي بها الإنسان المصري قبل 50 سنة نحو سعادته وتحقيق البهجة بأقل الإمكانات.
الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، أكدت على أن حالة السعادة التي يعيشها أي شخص ما هي إلا حالة نفسية من المفترض أن تسود في كل مجتمع، ولكنها لا ترتبط بالأوضاع المادية الخاصة به، ولكنها ترتبط بشعور الناس بالأمل في المستقبل، وقد أسندت أستاذ علم الاجتماع خلال حديثها هذا الأمر إلى مقولة لرفاعة الطهطاوي قالها قبل 200 عام، وهي “كانت مصر دائما مهيأة للسعادة بحكمة حاكمها وجهد أهلها، فإذا كان أي مجتمع يعلم أفراده جيدا إلى أين سيذهبون وأين يقف مستقبلهم مع حكمة الحاكم تسود السعادة به، مشيرة إلى أن مصر مرت بفترة صعبة منذ 50 عاما حتى الآن”.