إفراج وليس انفراجة..تكبيل هشام جنينة بقضية جديدة لضمان الصمت

- ‎فيتقارير

 

بعد أن قضى المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، لمحكوميته 5 سنوات كاملة، بلا إفراج شرطي أو من نصف المدة أو بعفو أو لظروف صحية، تصور البعض أن هناك انفراجة سياسية من قبل نظام السيسي، الذي يحاول تبييض سجله القبيح في انتهاكات حقوق الإنسان المصري، طلبا لرضا الغرب، من أجل تسهيل إقراضه ودعمه بالمساعدات المالية، التي يحتاجها بشدة لمواجهة انهيار وإفلاس غير مسبوق بمصر، خاصة وأن توقيت موعد نهاية محكومية جنينة ترافقت مع ترتيبات عودة  المهندس ممدوح حمزة.

إلا أن الكثير من الدوائر السياسية في مصر، لم تسلم بأن هناك انفراجة سياسية، نظرا لعقيدة نظام السيسي العسكري غير المتسامح مع أحد، خاصة وأنه يتوهم لو أجرى انفراجة أو سمح ببعض الحرية للمصريين، فسيزيحونه من الحكم بانتفاضة شعبية تقترب من كرسيه، كما فعل المصريون  مع حسني مبارك.

بل عاد السيسي لممارساته المعتادة بتلفيق التهم للمحبوسين أثناء فترة حبسهم، لتستمر القبضة الأمنية عليهم بلا فكاك، كرسالة للجميع بأن النظام ماض في سياساته المجنونة التي تدمر كل شيء.

وجاء اتهام جنينة في قضية “أمن دولة عليا” جديدة، بعد انتهاء مدة سجنه خمس سنوات في قضية “عسكرية” ليثير تساؤلات عدة عن الهدف من وراء القرار.

 

وقال المحامي والحقوقي جمال عيد، في تصريحات صحفية إن “التحقيق مع المستشار هشام جنينة في نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، وبعد قضائه العقوبة كاملة، رسالة ترهيب من أجل التزام الصمت، وبلاغ واضح من الجهاز الأمني يبلغه بأنه ما زال تحت النظر”.

 

وحول إمكانية منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة بسبب العقوبة التي قضاها، أوضح عيد أنه “من المفترض أن الحكم الصادر على جنينة لا يمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية، لأن الجريمة التي عوقب على أساسها غير مخلة بالشرف، ولكن كما تعودنا فالقوانين يمكن تطويعها حسب الحاجة” وتابع في تصريحات لصحيفة العربي الجديد “كما أن إدراجه على ذمة قضية قيد التحقيقات لا يمنعه من الترشح، فمن المفترض أنه حتى المحبوس احتياطيا له حق الترشح والتصويت وممارسة الحقوق السياسية ما لم يصدر ضده حكم نهائي”.

 

وفي السياق، قال عيد إنه “حتى الآن لا توجد أي مؤشرات لانفراجة سياسية كما يدعون، وخروج المستشار جنينة كان بعد قضاء عقوبته كاملة، ورجوع المهندس ممدوح حمزة بعد 3 سنوات من الغياب عن بلده هو بمثابة الرجوع عن قرار خاطئ من البداية، كل ما في الأمر أن شخصين استعادا حريتهما، لا أكثر ولا أقل”.

 

وأثارت تصريحات المهندس ممدوح حمزة، لدى عودته إلى القاهرة، بعد سنوات قضاها بالخارج في انتظار إسقاط اسمه من قوائم ترقب الوصول، والتي رحب خلالها بما وصفها بـ”الانفراجة” انتقادات واسعة من جانب نشطاء سياسيين وحقوقيين، اعتبروا أن ترويج حمزة لحدوث انفراجة في ملف الحريات العامة أمر مضلل وغير واقعي.

 

وقال حمزة، الذي يتوقع نظر محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بإعادة إجراءات محاكمته، في 26 إبريل المقبل، في مقطع فيديو مباشر صوره من صالة كبار الزوار عقب وصوله إلى مطار القاهرة “بعد دخولي المطار لواء استقبلني وقال لي “مصر ترحب بأولادها المخلصين وفاتحة دراعاتها ليعودوا لبلدهم وتستفيد منهم” وتابع حمزة “ما حدث اليوم يجعلني متفائلا جدا، وما فهمته وأسعدني جدا أن هناك انفراجة وبالتأكيد لن تقتصر عليّ”.

 

 

نهج قمعي مستمر

 

 

ووفق تقديرات سياسية، فإن إبقاء المستشار جنينة على ذمة قضية، هو استمرار لنهج التهديد والبلطجة القانونية، واستخدام القانون والقضاء لقمع المعارضين، كما يُمكِّن الأمن من استخدام القضية مستقبلا في حال أراد التضييق عليه  أو تهديده أو إعادة اعتقاله.

 

 

 

يذكر أن جنينة قضى أعواما عديدة في القضاء المصري، ختمها بسنوات ثلاث كان فيها على قمة أكبر جهاز رقابي في مصر وهو الجهاز المركزي للمحاسبات، حتى صدر قرار جمهوري من عبد الفتاح السيسي في مارس 2016 بإعفائه من منصبه، وتعيين هشام بدوي قائما بأعمال رئيس الجهاز، ثم انتهى الأمر بمحاكمته أمام القضاء العسكري وسجنه 5 سنوات، قضاها كاملة في السجن، وقبل إخلاء سبيله، تم إدراجه كمتهم في القضية رقم 441، المعروفة بـ”الحراك الإخواني”.

 

وبدأ جنينة مسيرته العملية كضابط في وزارة الداخلية، وبعدها التحق بالنيابة العامة عام 1976، وطوال فترة عمله في سلك القضاء، كان واحدا من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في مصر، وهو ما جعل الكثيرين يقولون إن “من شابه أباه فما ظلم” فالمعروف أن المستشار هشام جنينة الذي ولد بمحافظة الدقهلية سنة 1945، هو ابن المستشار أحمد جنينة، الذي كان أحد أبرز رموز تيار استقلال القضاء في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وخلفه الرئيس أنور السادات، حيث كان رئيسا لنادي القضاة.

 

وكان جنينة قد كشف، في حوار صحفي، عن امتلاك الفريق سامي عنان مستندات وصفها بـ”بئر الأسرار”، تتضمن وثائق وأدلة “تدين الكثير من قيادات الحكم بمصر الآن، وهي متعلقة بالأحداث التي وقعت عُقب ثورة 25 يناير عام 2011 التي أزاحت الرئيس الراحل حسني مبارك عن الحكم”.

 

وبسبب تاريخه السياسي والعدلي ومواقفه في مواجهة “الفساد” إبان عهد الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك وما بعده، طُرح اسم المستشار هشام جنينة كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية، وذلك من قبل قوى سياسية، منها ما يسمى بـ”ائتلاف الديمقراطيين”.

ومن ثم فإن ضم جنينة للقضية يعد إفراجا مؤقتا مشروطا بحسن السير والصمت وعدم الحديث عن أي أخطاء للحكم الحالي، وهو نفس النهج الذي يتعامل به السيسي مع عموم المصريين متبعا نظرية “الكل متهم ما لم تثبت براءته” وذلك في ظل انهيار سياسي وفقر وتدهور اقتصادي كبير، يضع أكثر من 80 مليون مصري تحت خط الفقر، واقتراب مصر من حد الإفلاس، بعد توقف إمدادات الرز الخليجي والدعم الدولي.