بدلا من التفكير في بيع مشاريع العاصمة الإدارية الجديدة أو البرج الأيقوني ومنتجعات وأبراج العلمين الجديدة، لتقليص الفجوات التمويلية ومواجهة الأزمة المالية التي تضرب مصر شمالا وجنوبا، إثر تراجع قيمة الجنيه وتعثر الإمدادت المالية، وبلا خشية من الغضب والحنق الشعبي المتصاعد، اتجه السيسي نحو فرض المزيد من التقشف على المواطنين المصريين وخاصة الغلابة منهم، والمستفيدين من الفتات الذي تلقيه الحكومة إليهم.
حيث بدأت الحكومة اليوم الإثنين، بحث تطبيق قرارات جديدة تقشفية في البلاد، على إثر الأزمة الاقتصادية المتردية، تأتي بعد إعلان مفاجئ من السلطات إلغاء منتدى شباب العالم إلى جانب قرارات متعلقة بخفض التكاليف الحكومية.
من أبرز الإجراءات الجديدة التي تبحثها الحكومة، ما كشفت عنه مصادر حكومية لوسائل إعلام عربية، بشأن تخفيض إنارة الكهرباء في الشوارع، وتقليل النفقات المتعلقة بالفعاليات الرسمية، مشيرة إلى تجميد أعمال مشروع حياة كريمة، ووقف مشاريع متعلقة بدعم المناطق الأكثر احتياجا.
فيما كشف مصدر مطلع في وزارة الكهرباء، أن هناك مباحثات تدور في أروقة الحكومة لتخفيض مزيد من تكاليف إنارة الكهرباء في الشوارع والتي تكلفها سنويا 10 مليارات جنيه.
تطال القرارات الإنارة الخارجية للمباني والميادين العامة، وتخفيض إنارة الشوارع والمحاور الرئيسية، في حين أشار المصدر إلى أن هناك جدية في تطبيقها ضمن إجراءات تقشفية عدة.
كشف المصدر كذلك عن أن مشروعات صيانة الإنارة التي كان من المقرر أن تصل إلى الطرق القديمة ضمن مشروع حياة كريمة جرى تأجيلها أيضا لتخفيض مزيد من تكاليف إنارة الكهرباء في الشوارع، التي تكلفها سنويا 10 مليارات جنيه.
تأجيل مشروع حياة كريمة
ووفق مصادر حكومية، فقد جرى تجميد وتأجيل المرحلة الثانية لمشروع حياة كريمة، إلى أجل غير مسمى، دون وضع السلطات جدولا زمنيا لذلك.
"حياة كريمة" تعد مشروعا حكوميا تقول السلطات إنه "يهدف إلى التخفيف عن كاهل المواطنين بالمجتمعات الأكثر احتياجا، في الريف والمناطق العشوائية في الحضر، وكان من المقرر إطلاق مرحلته الثانية مع بداية العام الجاري 2023، في 52 قرية جديدة، إلا أن جرى وقفها بالكامل".
إذ إن الحكومة واجهت صعوبات تكبدتها موازنة الدولة في المرحلة الأولى للمشروع، التي ما زال العمل جاريا عليها حتى هذه اللحظة.
بل إن التقشف بدأ بالفعل يطال المشروع، الذي كان من المفترض أن يشمل في جميع مراحله 1670 قرية.
ومشروع حياة كريمة في مصر لا يزال بمرحلته الأولى وقامت السلطات بتجميد مراحله التالية لأسباب مالية.
وبلغت تكلفة المرحلة الأولى 300 مليار جنيه، وهو مبلغ سيتضاعف الآن مع تراجع قيمة الجنيه، في حين أن المخصصات المقدرة للمرحلة الثانية للمشروع لم تتحدد بعد، وستتأثر بخطط التقشف الحكومية.
كما أن الحكومة تتجه أيضا نحو تقليص عدد القرى التي تصل إليها مشروعات الصرف والمياه ذات التكاليف الباهظة.
وككذلك، فإن هناك مشاكل في صرف الإعانة التي توجه للمواطنين تحت خط الفقر الذين يشملهم مشروع تكافل وكرامة التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، وقد كان يصرف لهم 500 جنيه كإعانة شهرية، إلا أنه تم إيقافها تحت حجج مختلفة، ومبررات عديدة، منذ 4 أشهر لعدد كبير من المواطنين.
ومن ضمن قرارات التقشف الحكومية، خفض تكاليف المكالمات الحكومية التي تصل إلى 300 مليون جنيه، إلى جانب توقف الإنفاق على إقامة المؤتمرات الضخمة، وسفر الوفود إلى خارج البلاد، كذلك خفض الإنفاق على المهرجانات والمناسبات العامة.
هذا التوجه طال مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في دورته الـ12 واختتمت فعالياته منذ أيام، إذ انتشرت حالة من الاستياء الشديد بين القائمين عليه.
إذ جرى خفض عدد المدعوين، وتم الاستغناء بشكل كلي عن الإعلاميين والصحفيين، والاكتفاء بنشرات وبيانات صحفية للترويج للمهرجان، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الخدمات، مثل الطيران والإقامة والتنقل والدعاية.
فيما تم خفض ميزانية المهرجان إلى أكثر من النصف مقارنة بالعام الماضي، ما اضطر الإدارة لقصر الدعوات على طواقم العمل الفني المشارك بالمهرجان، وبعض النقاد والمبدعين من الأفارقة.
كما أن الخفض لن يتوقف عند مهرجان الأقصر، لكنه سيطول المهرجانات السينمائية المصرية، سواء كانت دولية أو إقليمية أو محلية.
وجرى تعميم تعليمات على إدارات المهرجانات، بأن وزارة الثقافة لن تتحمل، ولن تدعم قيمة تذاكر طيران الضيوف الأجانب أو تصرف بدلا لهم، وأن على من يرغب بالمشاركة تحمل نفقاته شخصيا.
وجاء قرار الوزارة ليتماشى مع حزمة القرارات التي أعلنها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي منتصف يناير 2023، لكي يرشد الإنفاق العام في الموازنة العامة للدولة.
وكانت المهرجانات حتى عام 2020 تحصل على دعم حكومي عن طريق وزارة الثقافة، يغطي في بعض الأحيان نصف التكلفة، لكن الدعم انخفض للنصف تقريبا خلال العامين الماضيين، ومع انخفاض قيمة الجنيه أصبح الدعم لا يتجاوز أكثر من 10% من الميزانية.
حكومة أطول برج
ووفق خبراء، فإن الإجراءات الحكومية التي تتخذ حاليا تمس الكثير من المواطنين، بينما تبقى الكثير من الشاريع الفنكوشية عالية التكلفة، التي يمكن أن تحدث فارقا وتوفيرا في الموازنة العامة للدولة ، يشعر به الجميع، كالعاصمة الإدارية والأبراج التي تبنيها الحكومة والمدن الجديدة التي تتوسع فيها الحكومة.
حيث حرصت الحكومة طوال السنوات الماضية على أن تُظهر قدراتها على بناء أكبر مسجد، وأكبر كنيسة، وأكبر عاصمة جديدة، وأطول أبراج في القارة السمراء، بجانب شراء طائرات رئاسية فخمة لا يرتادها سوى رؤساء الدول الأغنى بالعالم، كأمريكا وقطر والسعودية.
ويفسر بعض المراقبين حالة التقشف الإجباري التي تلجأ لها الحكومة حاليا، إلى حجم الضغوطات التي يمارسها صندوق النقد الدولي، في التعرف على أوجه الإنفاق الحكومي والرقابة عليها، مع مطالباته المستمرة بتخلي القوات المسلحة عن أنشطتها الاقتصادية.
وسيُطلب من جميع المؤسسات المملوكة للدولة تقديم حسابات مالية نصف سنوية إلى وزارة المالية، ستُنشر إلى جانب بيانات حول أي إعانات تتلقاها، كما أن الحكومة المصرية وافقت في سبيل رغبتها في الحصول على القرض، على نشر عقود المشتريات العامة كافة، التي تتجاوز 20 مليون جنيه.
سبب الكارثة الاقتصادية
ووفق تقارير دولي فإن سبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة، يرجع إلى أن الحكومة المصرية انتهت من تخصيص أموال لمشروعات ضخمة وغير ضرورية، كان لها الأثر المباشر في الأزمة الراهنة، بينها تحديد 2 مليار جنيه إسترليني لبناء أطول برج في إفريقيا بالعاصمة الإدارية، ويصل ارتفاعه إلى 385 مترا، إلى جانب إنشاء 5 أبراج مطلة على البحر المتوسط في مدينة العلمين، الجديدة بتكلفة تصل إلى 38 مليار جنيه.
ومن ثم فإن مطالبة الخبراء والكثير من القوة الوطنية خفض الإنفاق الحكومي فيما يخص المشاريع البذخية، يبدو منطقيا وذا جدوى اقتصادية حقيقية، بدلا من تقليص إنارة الشوارع أو خفض إنفاق ومخصصات مشاريع حياة كريمة وغيرها.