قال يزيد صايغ كبير باحثي مركز كارنيجي للشرق الأوسط إن "محفظة الأصول الضخمة للجيش المصري القوي، الذي لعب دورا رئيسيا وسريا، في الاقتصاد على مدى عقود لا يزال بعيدا عن طاولة الصفقات إلى حد كبير".
وأضاف "الصايغ" لراديو فرنسا الدولي في تصريح قريب أن الشركات المملوكة للجيش، يحيطها الغموض من الناحية المالية، لدرجة لا تجعل طرحها في السوق أمرا ممكنا.
وأوضح أن اثنتين فقط من هذه الـ (32) شركة المعروضة للبيع هما شركتان عسكريتان، إحداهما هي “الوطنية للبترول” التابعة للجيش، والتي كانت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) قد فكرت في شرائها عام 2021.
وأشار يزيد الصايغ إلى أن تلك الصفقة تعثرت على ما يبدو، لأن الإدارة المالية الداخلية للشركة العسكرية كفيلة بأن تخيف أي مستثمر جاد من المخاطرة برأسماله.
التباهي هدف
وعنون راديو فرنسا (RFI) أن الضائقة المالية التي تعيشها مصر تدفعها لبيع أصولها إلى دول الخليج، وترجم المقال عادل رفيق للمعهد المصري بأسطنبول، مضيفا أن توجه حكومة السيسي الأخير من بيع الأصول المملوكة للدولة إلى دول الخليج العربي، بسبب الضائقة المالية الحادة التي تعاني منها البلاد، أن الحكومة قامت بها فقط بهدف التباهي.
وأن سبب آخر لبيع الأصول وضخ أموال البيع هو سد الفجوة التمويلية التي حذر منها صندوق النقد الدولي، والتي تُقدّر بنحو 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، بحسب الصندوق.
وأضاف أن أزمة العملة الصعبة التي تحتاج إليها في استيراد المواد الغذائية الرئيسية ومستلزمات الإنتاج؛ وكذلك في سداد الديون الخارجية المتراكمة وفوائدها الضخمة، والتي تم إنفاقها على مشاريع تفتقر إلى الجدوى الاقتصادية، فضلا عن نضوب أرصدتها الدولارية على الرغم من حصولها مؤخرا على قرض إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
وأردف أن مصر تسعى، إلى تعزيز خزينتها من خلال بيع أصول الدولة إلى دول الخليج الغنية، ونقلت عن خبراء أن تلك الصفقات يمكن أن تكون مفيدة لجميع الأطراف، لكن على عكس الهِبات الخليجية السخية من المساعدات غير المشروطة في السابق، فإنها ستتطلب إجراء إصلاحات.
وأكمل التقرير، بينما تتجه الكويت وقطر والسعودية والإمارات بشغف كبير إلى تنويع اقتصاداتها القائمة على النفط والغاز، فإنها تقوم بتمهيد طريق سريع يكفل لها اقتناص الأصول والأراضي والحصص في الشركات الحكومية في مصر، تلك الدولة الواقعة في شمال إفريقيا.
انهيار الجنيه عنصر جذب
ونقل راديو فرنسا الدولي في تقريره عن جيمس سوانستون خبير الأسواق الناشئة في مؤسسة كابيتال إيكونوميكس في لندن أن، التخفيض الحاد لقيمة العملة المصرية والحوافز التي قدّمها لهم عبد الفتاح السيسي جذب انتباه دول الخليج إلى أهمية الاستثمار في مصر.
واستدرك أن حلفاء السيسي الخليجيين – الذين اعتمد على دعمهم بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في عام 2013 – توقفوا عن تحرير شيكات على بياض له، ويطالبونه الآن بإجراء إصلاحات اقتصادية وبمزيد من الشفافية.
وعن التأثير السياسي للقروض قال الخبير البريطاني إن "استثمارات الدول الخليجية في مصر ساعدت على تخفيف بعض المخاوف التمويلية الفورية التي واجهتها مصر، قبل قيام القاهرة بتأمين مزيد من الأموال من صندوق النقد الدولي، وفي الوقت نفسه، سمحت تلك الاستثمارات لدول الخليج بالاستمرار في ترسيخ دائرة نفوذ لها في المنطقة".
وأوضح التقرير أنه في أقل من عام، كان الجنيه المصري قد خسر نصف قيمته، مما دفع التضخم السنوي في الدولة التي تعتمد على الاستيراد من الخارج للوصول إلى 26.5% في شهر يناير.
وأشار إلى حوالي 28 مليار دولار من أصل 34.2 مليار دولار بمثابة ودائع من دول الخليج الغنية الحليفة للنظام في مجمل احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد، وذلك بانخفاض قدره 20% عما كانت عليه في شهر فبراير 2022 منبها إلى أن الدين الخارجي على مصر قد ارتفع بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال عقد من الزمن ليصل إلى 155 مليار دولار.
ولفت التقرير إلى تصريح السيسي في القمة العالمية للحكومات في دبي، "دولة مثل مصر تحتاج لميزانية تصل إلى تريليون دولار كل عام، هل لدينا هذه الأموال؟ لا. هل لدينا نصفها؟ لا. هل لدينا ربعها؟ لا" واعتبرها إشارة لأهمية تلقي المساعدة من الأصدقاء، الإمارات والسعودية والكويت.
المنح السعودية
واصطدم التقرير هنا بتصريح وزير المالية السعودي محمد الجدعان الذي حذر من أن أيام المساعدات غير المشروطة قد ولت إلى غير رجعة.
وأشار إلى أن "الجدعان" في مؤتمر دافوس في يناير الماضي قال "اعتدنا في السابق تقديم منح وودائع مباشرة دون قيود، ولكننا الآن نقوم بتغيير ذلك، وأن المملكة ستطالب بضرورة مشاهدة الإصلاحات".
وبحسب إحصائية أعلنتها نشرة أخبار الأعمال المصرية “إنتربرايز” في شهر ديسمبر من العام الماضي، فإنه قد تم الانتهاء من 66 عملية اندماج واستحواذ في مصر في عام 2022، أي أكثر من ضعف الصفقات التي تمت في عام 2021، لصالح الشركات الإماراتية والسعودية صاحبتا الجزء الأكبر من الصفقات، في ظل وجود حصص لها في 40 صفقة.
أما نشرة إنتربرايز في ديسمبر فلفتت إلى أن صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي، إيه دي كيو، وصندوق الاستثمار العام السعودي، أنفقا نحو 3.1 مليار دولار للاستحواذ على حصص أقلية هامة في بعض أقوى الشركات في مصر.
واستحوذوا على حصص رئيسية في شركات من أكبر منتجي الأسمدة في مصر – 41.5% في شركة أبو قير للأسمدة، و 45% في شركة مصر لإنتاج الأسمدة موبكو.
ويعد صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي أيضا هو أكبر مساهم خاص في البنك التجاري الدولي المصري (سي آي بي) حيث اشترى حصة 17.5% منه مقابل 911.5 مليون دولار.
وبدوره يمتلك الصندوق السعودي الآن 25% من شركة المدفوعات الرقمية “إي فاينانس” التي كانت قد أسستها الدولة، ويتفاوض على شراء “المصرف المتحد – مصر”.
ولتشجيع المزيد من الصفقات، قامت القاهرة بخفض الإجراءات الروتينية سيئة السمعة، وأعلن رئيس الوزراء في وقت سابق من هذا الشهر عن بيع حصص في 32 شركة عامة.
وكجزء من اتفاقية القرض الأخير مع صندوق النقد الدولي، تعهدت القاهرة بخصخصة الأصول الحكومية الرئيسية، بهدف زيادة حصة القطاع الخاص في الاقتصاد من 30% إلى 65% بحلول عام 2025.