حذر وزير سوداني سابق من مغبة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني لاسيما في مجال الزراعة، بعدما أعلنت شركة داشان الإسرائيلية لصناعة الأسمدة والكيماويات الزراعية استعدادها لتمويل كامل واستثمار بنسبة 100% لإنشاء مصنع للأسمدة بالخرطوم ليكون أول مصنع إسرائيلي يقام بدولة عربية أو إسلامية.
وتداول ناشطون تحذيرات أطلقها عبدالله محمد عثمان، المهندس الزراعي والوزير السوداني السابق من أن أول الملفات التي تفتحها إسرائيل في التطبيع هي الملف الزراعي وتحديدا الأسمدة.
القطن المصري
وعن شواهد خطورة التطبيع الزراعي مع إسرائيل أشار عبدالله عثمان إلى التجربتين المصرية والأردنية الماثلتين، لافتا إلى بحث قدمه الباحث المصري الدكتور حسام رضا، في العام 2006 من خلال كتاب "إسرائيل في الزراعة المصرية، اختراق أم تطبيع" والذي تناول الاختراق الصهيوني باشتراطات أمريكا لتقديم معوناتها مشاركة إسرائيل، وكنتيجة لذلك وقعت العديد من مشروعات البحث العلمي التي انتهت بكوارث جسيمة منها تنفيذ برنامج لإنتاج سلالات جديدة من الأقطان المصرية تمكنت عبرها إسرائيل من استنباط سلالة من صنف (ميت عفيفي) المصري غزت بها الأسواق التاريخية لمصر، كما تم أيضا استغلال هذه الاتفاقيات الثلاثية في تنفيذ مشروع (النارب) الذي تم من خلاله الإستيلاء على سلالة القطن (بيما) بمعرفة خبراء يهود أمريكان وتم محو السلالات المصرية الشبيهة وراثيا تماما.
شرق العوينات
وأضاف أنه بموجب هذه الاتفاقيات المشبوهة أيضا زرعت إسرائيل حوالي 200 فدان في منطقة شرق العوينات قرب الحدود السودانية، بأصناف قمح معدلة وراثيا بغرض إكثارها وتوزيعها على الفلاحين المصريين لتقوم هذه التقاوي عبر طبيعة التلقيح في الأصناف المصرية بخلطها ومحوها تدريجيا ونهائيا، هذا العمل تم تحت إشراف معهد شيمون بيرز للسلام.
المبيدات والأسمدة
واستشهد الوزير السوداني بالمهندس المصري محمد هاشم عضو الجمعية العربية لمناهضة التطبيع، فقد كتب عن أن تسهيل دخول وتسجيل الشركات الإسرائيلية مكن شركات مثل ( حريزا) و( أفريدوم) من إدخال وتوزيع مبيدات مسرطنة عالية الأثر مثل الكارديل والتتراكلوروفينوس وفلاتريسين.
وأضاف أن شركات مصرية وكيلة لهذه الشركات الإسرائيلية سهلت دخول مدخلات إنتاج إسرائيلية ملوثة لمزارع النوبارية والفيوم والإسماعلية وبني سويف وسيناء، حيث تسبب مرض العفن البني المنقول بتدمير صادر البطاطس وتعرض صادر الفراولة في الإسماعيلية لضربات موجعة بسبب استيراد شتول مصابة من إسرائيل فضلا عن زيادة مستوي المبيدات فيها عن الحد المأمون.
وأشار إلى توصل هاشم إلى إدخال تمور إسرائيلية ليساهم في انتشار سوسة النخيل في التمور المصرية في الفيوم وتدمير سلالات الخوخ السيناوي بسبب استيراد شتول إسرائيلية ملوثة.
مياه الصرف
وعن سياسة دس السم في الدسم، لفت عبدالله عثمان إلى إدخال برنامج بحثي إسرائيلي مشترك مشروع ري الصحراء والغابات الخشبية بمياه الصرف الصحي ثم تسريب المنتجات دون احترازات للسوق المصري ولتقوم إسرائيل عبر وكلائها في السوق الأوربي المستورد لهذه المنتجات بتسريب هذه المعلومات، فتم ضرب الصادرات المصرية منها ضربات طويلة المدي والأثر.
ولفت أيضا إلى أنه عبر برنامج التعاون الفني مع إسرائيل شرعت شركة فيروسوفت الإسرائيلية بتركيب شبكة معلومات زراعية تربط كل إدارات وزارة الزراعة المصرية ومراكز البحوث وهو مشروع تداركت الأجهزة الأمنية خطورته فأوقفته بعد أن قطع شوطا مقدرا.
تدمير كلي المصريين
أما عن نتائج هذه الملوثات على صحة المصريين، استند عثمان إلى تصريحات للدكتور محمد غنيم الأستاذ الأشهر لأمراض الكلى والمسالك البولية في الجامعات المصرية الذي قال إن "التطبيع مع إسرائيل في مجال الزراعة كان عبارة عن انفجار قنبلة بيولوجية كيميائية ضربت البيئة والأوضاع الصحية في مصر في مقتل، حيث تسببت في رفع نسبة أمراض الكلى والكبد في مصر بنسب تفوق مثيلاتها في أي دولة بنسبة 600 %واحتلت مصر المرتبة الأولي في أمراض السرطان على مستوى دول الأقليم.
وأشار إلى دراسة بجامعة المنصورة قالت إن 100 ألف مصري يصابون بالسرطان سنويا بسبب تلوث الغذاء والمياه وأكثر من 35 ألف يصابون سنويا بالفشل الكلوي، وفي الوقت الذي تقدر فيه نسبة المصابين بأمراض الكبد ب 30% من شرائح الشعب المصري، بينما قدر مؤتمر سلامة الغذاء الذي انعقد في أكتوبر 2019 عدد المصريين المصابين بالأمراض المزمنة بسبب التلوث الزراعي ب 30 مليون مواطن.
اعترافات صهيونية
واستند الوزير السوداني إلى افتخار وزراء الصهاينة بهذا الفتك وقال "كان للمؤامرة الإسرائيلية القدح المعلى في هذه المأساة باعتراف الجنرال عاموس يادين رئيس الاستخبارات الإسرائيلية الذي تفاخر عند تقاعده في آواخر أكتوبر 2010 عندما قال في مؤتمر صحفي "مصر كانت الملعب الأكبر لنشاطاتنا، فقد أحدثنا فيها اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية وعسكرية في أكثر من موقع ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والمجتمعي داخلها، كما أحدثنا أثر مدمرا على طبيعة النشاط الزراعي وقدرات ناشطية والمستفيدين من منتجاته صحيا واقتصاديا وعلى كافة الأصعدة".
الصراع مع السودان
ورأى الباحث الزراعي السوداني أنه "مخطئ من يظن أن إسرائيل كدولة دينية تجهل أن السواد الأعظم من الشعوب العربية والإسلامية، تؤمن بأن الصراع معها هو صراع عقدي مرتبط بوجدان حي شديد الرسوخ لا يقبل أي تعايش أو تطبيع، وبالتالي فمن تمام الغفلة أن يظن ظان بأن إسرائيل معنية بمصالح الشعوب وصداقتها".
وقال عثمان إن "إمكانات السودان الموردية الهائلة، نجحت الإستراتيجية الصهيونية في تحويلها للعنة على هذا الشعب، تارة بفصل جنوبه عندما تدفق النفط وتارة بالحصار وإشعال الأطراف والصراعات العبثية".
وأضاف أن "المتابع البسيط لعملية التطبيع القسري مع إسرائيل الأيام الماضية، لم تفت عليه السرعة التي حدد بها نتنياهو أولوياته لمجالات التطبيع عندما وضع الزراعة في مقدمتها، كما لم يفت على المراقبين أيضا سرعة ترديد معظم المسؤولين السودانيين لكلام نتانياهو وأولوياته بصورة بدت وكأنها صدى صوته".
وومتعجبا قال "مضطرون لإفساد فرحة مؤيدي التطبيع اليوم حتى لا نقاسمهم دموع الأسف غدا، فلابد من التنبيه والتذكير بجملة من الحقائق لا أحسبها تغيب عن ذي عقل، أول هذه الحقائق أن هذا التطبيع فُرض على الحكومة فرضا وفي زمن وجيز نسبيا وقبلته الحكومة لانعدام أي خيارات أخرى، وبالتالي فهي لم تكن في وضع يمكنها من وضع إستراتيجيتها لما بعد القبول".
وتساءل موضحا الدوافع التي تجعل أمريكا – التي ظلت تضايقنا منذ عهد النميري عليه الرحمة – تتدفق رحمة ومحبة علينا هكذا فجاة، ثم تكرهما على إقامة علاقة مع ربيبتها إسرائيل .
استراتيجية الاحتلال
وأوضح أن إسرائيل كما هو معلوم لديها إستراتجية شاملة لإدارة صراعها مع محيطها من الفلسطينيين والدول العربية ومن يؤازرهم من المسلمين في الدول الأخرى.
وأضاف أن قضية إسرائيل هي قضية وجود فهذه الاستراتيجية تستهدف على الدوام وجود الآخرين في شتى صوره وأشكاله، ولمن أراد التفصيل فمحاضرات وزير الإستخبارات الإسرائيلي السابق آفي ديختر متاحة ومنشورة، مبينا أن هناك لهفة إسرائيلية على ابتدار تطبيعها مع السودان بالزراعة.
وأردف، محاولات إسرائيل للتسلل للسودان عبر النشاط الزراعي لم تنقطع يوما، فمئات الوفود الاستثمارية التي ظلت تتوافد على السودان بغرض البحث عن فرص الاستثمار كانت تضم وجودا مقدرا لعناصر المخابرات والموساد الإسرائيلي، وبعض ممثلي الشركات الإسرائيلية.
خلايجة موساد
ولفت الوزير السابق إلى أن الوفود الصهيونية امتدت حتى لوفود بعض الدول الخلجية، حيث استطاعت أجهزة الأمن السودانية رصد بعض عملاء الموساد فيها، كما كان من اللافت أيضا تمكن أجهزة الأمن من كشف بعض هذه العناصر حتى ضمن وفود المنظمات الدولية والإقليمية.
واستحضر قصة حدثت معه شخصيا عند إخطاره لمقابلة مستثمر كندي في مجال إنتاج القمح والدقيق، وبمقابلته وجدت رجلا بملامح وبشرة لا تشبه الكنديين فقد كان أقرب للشرق أوسطيين، حدثنى الرجل عن أن لديه أصنافا من القمح تزرع طوال السنة وهو يطلب تخصيص منطقة معزولة ودون إشراف حكومي لاختبار درجة موائمة هذه الأصناف لجو السودان بإشراف خبراء أوربيين، وبعد جرجرة قصيرة غادر المستثمر المشبوه ليتم إبلاغي بأن من قابلت هو الرئيس السابق للقسم الخارجي للموساد وهو يهودي من أصل إيراني.
وأوضح أن مثل هذه الحالات كثيرة ومتعددة، مستدركا أنها تدل على أهمية خاصة للسودان وموارده الطبيعية ودورها المستقبلي في التأثير على معادلات الصراع العربي الإسرائيلي.
تطبيع مؤكد
واستدرك الوزير مجددا ليعلن أنه بعيدا عن الجدل حول شرعية التطبيع من عدمه، وبعيدا عن المبررات والظروف التي سبقته، فالمؤكد أنه صار أمرا واقعا وسيشهد القريب العاجل توقيع اتفاقات وبروتوكولات.
ورأى أن الأفضل بدلا من هدر الزمن فيما لا يفيد أن نرتب أوضاعنا وأن نتعرف على إستراتيجيات ونوايا الصديق الثقيل الذي سيحل بين ظهرانينا، كيف يفكر ؟ وماذا يريد؟ ماهي أهدافه الخفية والمعلنة ؟ وماهي آلياته واستراتيجيته في تحقيقها وفي كيفية إدراته لملف التطبيع في هذا المجال الحيوي؟
جملة أهداف
واستعرض "عبدالله محمد عثمان" ملامح من هذه الاستراتيجية الصهيونية، وأن الهدف النهائي من عمليات الاختراق عبر التطبيع في مجال الزراعة هو التدمير الممرحل للموارد الطبيعية الزراعية وتخريب البيئة الطبيعية والصحية والاجتماعية وانهاك القوي البشرية المتعاملة في المجال بدوامة الأمراض العضال وتحييدها عن الإسهام في الفعل الاقتصادي الموجب وإيقاف عجلة التنمية في هذه البلدان بما يجعلها في النهاية عاجزة تماما ليس عن دعم دول المواجهة بل حتى عن إعالة شعوبها فلا يكون أمامها إلا دخول مصيدة الشيطان والدوران في فلك منظمات العون المشبوهة والإعانات المشروطة وحالات الاهتراء المجتمعي والمسغبة والاضطراب الدائم.
وأشار إلى أن إستراتيجية التطبيع تنتهج سياسة النفس الطويل وتعتمد وسائل وسيناريوهات متعددة ومعقدة غير أن أكثرها إستخداما يتلخص في الآتي: "توقيع اتفاقيات معدة سلفا وبعناية فائقة تربط أي عون أمريكي أو أممي أو غربي للمطبع بوجود فني أو شراكة مع إسرائيل ، مثلا إذا تبرعت أمريكا لتأهيل شبكات الري في الجزيرة، فالسودان ملزم بالاستعانة ببيت خبرة إسرائيلي أو شركات منفذة إسرائيلية، وهكذا".