واصلت معدلات التضخم ارتفاعها رغم حالة الركود التي تعاني منها الأسواق بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وعجزهم عن شراء احتياجاتهم الضرورية في ظل ارتفاع معدلات الفقر بصورة غير مسبوقة، حيث يعيش أكثر من 70 مليون مصري تحت خط الفقر وفق بيانات البنك الدولي.
كان معدل التضخم قد سجل قفزة غير متوقعة خلال شهر يناير 2023، مرتفعا بأسرع معدل في أكثر من خمس سنوات، ويعد هو الأعلى منذ ديسمبر 2017 بعد عام من تراجع حاد في قيمة العملة وكشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن تضخم أسعار المستهلك في السوق قفز إلى 26.5 بالمئة على أساس سنوي، خلال يناير الماضي، صعودا من 21.9 بالمئة في الشهر السابق له.
يأتي الارتفاع في أعقاب سلسلة من تخفيضات قيمة العملة منذ مارس 2022 ونقص كبير في العملات الأجنبية واحتجاز شحنات الواردات في المواني والجمارك.
مكافآت الموظفين
وكشفت دراسة أجرتها شركة “بوبا إيجيبت” (Bupa Egypt) للتأمين في مصر أن ارتفاع معدلات التضخم يدفع عددا من المديرين التنفيذيين للشركات في البلاد إلى خفض تكاليف البحث والتطوير ووقف مكافآت الموظفين، وذلك في ظل ما يتسبب فيه التضخم المرتفع من ضغط على الأرباح.
وأظهرت الدراسة أنه من باب السعي لخفض النفقات، فان 11% من المديرين التنفيذيين الذين تم استطلاع آرائهم، أكدوا أنهم يلجأون إلى وقف مكافآت الموظفين، في حين يلجأ 9% منهم إلى خفض تكاليف البحث والتطوير.
وأشارت إلى أن معدلات التضخم المرتفعة تؤثر على النظرة المستقبلية للمديرين التنفيذيين حيال أوضاعهم المادية، مؤكدة أن ارتفاع معدل التضخم كان على رأس مخاوف المديرين التنفيذيين على مستوى العالم في 2022، ويتضح هذا في مصر، إذ إن حوالي 30% من الفئة المستهدفة من الاستبيان قلقون بشأن استقرارهم المادي، وارتفاع تكلفة المعيشة وزيادة معدل التضخم.
أرقام وهمية
وقال “ستيف هانكي” الخبير المالي المختص في الاقتصاد التطبيقي بجامعة “جون هوبكنز” إن “معدل التضخم الحقيقي في مصر خلال شهر يناير الماضي وصل إلى 107%، ما يجعلها ضمن أسوأ 5 دول عالميا من حيث مستويات التضخم”.
وأضاف “ستيف هانكي” في تقرير نشره عبر حسابه في تويتر أن دولة زيمبابوي احتلت صدارة الدول الأسوأ من حيث ارتفاع معدلات التضخم بنسبة 480%، تلتها فنزويلا بنسبة 395%، ثم لبنان بنسبة 321%، وفي المركز الرابع جاءت سوريا بنسبة 118% ثم مصر في المركز الخامس بنسبة 107%.
وحول ما أعلنه البنك المركزي المصري بأن مؤشر تضخم أسعار المستهلك في السوق المصرية قفز إلى 26.5% على أساس سنوي، خلال يناير الماضي، صعودا من 21.9% في ديسمبر السابق له، قال إنه “أجري قياسا دقيقا لمعدلات التضخم، أكد في نهاية يناير الماضي أن الرقم الرسمي أعلى قرابة 5 أضعاف، مما تنشره دولة العسكر مؤكدا أن البنك المركزي المصري ينشر أرقاما وهمية”.
تضخم وانكماش
وأكد أنور النقيب أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات أن ارتفاع معدلات التضخم في ظل الإجراءات الأخيرة بزيادة أسعار الوقود حتمي لا محالة، مشيرا إلى أنه على أقل التقديرات سوف ترتفع الأسعار بمعدلات قد تصل إلى 50%، حيث أن تكلفة النقل تمثل 30% من تكلفة غالبية السلع والخدمات.
وأعرب النقيب في تصريحات صحفية عن تخوفه من أن تؤثر الإجراءات الأخيرة، وما ستؤدي إليه من ارتفاع معدلات التضخم، على مستوى الطلب المحلي، حيث يمثل الاستهلاك نحو 80% من الناتج المحلي، وبالتالي فإن أي تأثير سلبي في الاستهلاك المحلي نتيجة ارتفاع الأسعار، من شأنه أن يؤثر سلبا على معدلات النمو الاقتصادي.
وحول استدعاء حكومة الانقلاب لتجربة الإصلاح الاقتصادي في بداية التسعينيات، حيث زادت معدلات الركود كنتيجة لمجموعة من الإجراءات الاقتصادية المماثلة، أشار إلى أن واقع التسعينيات مختلف عما نحن بصدده الآن، ففي التسعينيات كان لدى الحكومة مجالات استثمارية أمام الأجانب، وبرنامج للخصخصة تم في إطاره بيع جزء من شركات قطاع الأعمال العام، ودعم خليجي أميركي لكن الآن لا تتوفر مثل هذه الظروف لحكومة الانقلاب.
السلع المخفضة
وانتقد الخبير الاقتصادي محمد حسن ما أعلنت عنه حكومة الانقلاب من فتح منافذ لبيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة، أو تسيير حافلات الجيش في الشوارع لبيع السلع، مؤكدا أن هذه الإجراءات ضد حركة السوق، فمن الطبيعي في حركة السوق أن ترتفع أسعار السلع والخدمات، في حالة ارتفاع أسعار الوقود.
وأكد حسن في تصريحات صحفية أن الإجراءات التي أعلنتها حكومة الانقلاب من خلال المنافذ أو حافلات الجيش، محدودة الأثر، فهي لا تغطي كافة أنحاء الجمهورية، كما أنها لا تستمر طوال الوقت، وسيكون المواطن أمام آليات السوق الطبيعية ليواجه ارتفاع الأسعار.
وتساءل من يتحمل تكلفة السلع المخفضة التي تقدمها وزارة تموين الانقلاب أو الجيش؟ هل هذه التخفيضات خصما من أرباحهم؟ أم خسائر تتحملها تلك المؤسسات؟ مؤكدا أنه في كل الأحوال، فإن التكلفة ستعود على دولة العسكر التي أرادت أن تخفض عجز الموازنة، لتحمله لمؤسسات أخرى.
وعن تأثير الإجراءات الأخيرة على مستوى معيشة المواطن، حذر حسن من أن الفقر سوف يزداد خلال الفترة القادمة، وأن الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة ستكون معرضة بشكل كبير للانضمام لشريحة الفقراء.
عجز ومديونية
وقال الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ للعلوم السياسية بجامعة القاهرإن المخرج من الأزمة الاقتصادية سيكون شديد الصعوبة، لأن هناك عجزا كبيرا في الموازنة وميزان المدفوعات، ومديونية خارجية وداخلية هائلة، وارتفاع معدل الفقر الذي وصل في التقارير الرسمية، إلى ثلث السكان أكثر من 35 مليون مصري.
وأضاف السيد في تصريحات صحفية أن المخرج والحل يتمثل في العمل على التنمية الاقتصادية الحقيقية، ومعدلات نمو اقتصادي سريعة، وهذا أمر يقتضي قدرا كبيرا من التضحيات، من جانب المواطنين وحكومة الانقلاب، وعلى حكومة الانقلاب العدول عن الأسباب التي أدت إلى وقوع هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وتقديم سياسات اقتصادية رشيدة.
وألمح إلى أن مصر تمر بأزمة اقتصادية كبيرة، يعبر عنها عجز الموازنة، وركود اقتصادي، مصاحب لانهيار قيمة الجنيه وسط أوضاع سياسية محتقنة.
وتوقع السيد أن يكون العام المقبل 2024 سنة فارقة في تاريخ مصر، وستحدد بشكل كبير، مصير عبد الفتاح السيسي، رغم أنه دعا لحوار وطني مشترطا للمشاركة فيه، ونجاحه، الإفراج عن عدد معتبر من سجناء الرأي من مختلف التيارات والاتجاهات.
وعن الشأن المحلي انتقد استمرار الجيش في علاقته مع الاقتصاد والاستثمار والتجارة، معتبرا أن الأفضل للجيش أن يبتعد عن العمل في البيزنس.