في زمن السيسي، الراعي الأول للفساد، وأكبر متلقٍ للرشاوى في المنطقة، وفي ظل اتهامات دولية كبيرة لشركة "إريكسون" السويدية، وثبوت ضلوعها بالفساد وتقديم رشاوى مالية لمسئولين مصريين، نظير تسهيل عقود حكومية، وهو الأمر الذي أثبته القضاء الأمريكي مؤخرا، وفرض غرامة مالية ضخمة على الشركة التي اعترفت بذنبها، إلا أن حكومة السيسي كرمت الشركة مرتين، بعدما منحتها مكتبا إقليميا، بالقرية الذكية بجوار مكتب وزير الاتصالات، الذي أصر أكثر من مرة على لقاء مسئولي الشركة داخل مصر وخارجها، محتفيا بها وبخدماتها في مصر.
وهو الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة نظام السيسي العائم على برك من الفساد والرشاوى التي يبدو أنها توزع على كبار المسئولين، وعلى رأسها "الرز الخليجي" الذي تجاوز 92 مليار دولار لا يعرف أحد على وجه التحديد فيم تم إنفاقها.
وكشفت تحقيقات أمريكية مع شركة "إريكسون" العالمية، بشأن اتهامات بالفساد، عن تلقي مسؤولين مصريين وعرب رشاوى على مدار سنوات، مقابل تمرير عقود مع شركة الاتصالات في دولهم، ما أفضى إلى فرض غرامة مالية عليها بقيمة 206 ملايين دولار.
اعتراف بالجريمة
وأقرت الشركة بالذنب في اعتراف موثق سجلته وزارة العدل الأمريكية عبر تحقيق موسع أجرته خلال العامين الأخيرين، وأفصحت عن تفاصيله في الثاني من مارس الجاري، حيث اعترفت إريكسون متعددة الجنسيات، ومقرها الرئيسي في العاصمة السويدية إستوكهولم، بتقديمها رشى لمسؤولين مصريين خلال الفترة بين عامي 2000 و2016.
وتتولى إريكسون إنشاء معظم مراكز الاتصالات الحكومية الرئيسية منذ دخلت مصر قبل 100 عام، وهي شريك فني لشركات اتصالات عدة في مصر لتنفيذ مشروعات تقدر بمليارات الدولارات سنويا، لتأهيل الشبكات السلكية واللاسلكية، وتمكين وزارة الاتصالات من إدارة شبكات الإنترنت والجيل الخامس 5G.
ووفق وزارة العدل الأمريكية "اعترفت إريكسون بالسلوك الإجرامي، وأنها أذنبت على مدى سنوات في انتهاك قانون الممارسات الفاسدة الأجنبية (FCPA) بدفع رشاوى وتزوير الدفاتر والسجلات وعدم الضبط المحاسبي الداخلي في عدة دول حول العالم، من بينها مصر والكويت وجيبوتي والعراق والصين وفيتنام وإندونيسيا".
عقود وهمية
وأشارت وثائق المحاكم الأمريكية التي تداولت القضية بطلب من وزارة العدل، بعد تقديم شركات أمريكية منافسة للشركة السويدية على مناقصات أجريت في الدول التي شهدت وقائع فساد مالي، إلى سداد إريكسون مدفوعات الرشى عبر كتابة عقود للمسؤولين الحكوميين في تلك الدول، وإدارة الأموال خارج الدفاتر الرسمية، لتسهيل خروج الأموال عبر طرف ثالث، لمسؤولين مدعية في عقود زائفة أنهم يعملون وكلاء لشركة الاتصالات السويدية.
جرائم الشركة بمصر
وبينت وثائق وزارة العدل الأمريكية، أن شركة "إريكسون مصر المحدودة" مذنبة في معلومات جنائية تتعلق بالتآمر بانتهاك أحكام مكافحة الرشوة وفقا لقانون حماية بيئة الأعمال، وعدم تمكين أجهزة التحقيق من ملاحقة الأفراد المتهمين.
واعتبر المسؤولون الأمريكيون أن انخراط إريكسون في الفساد، وعدم الإبلاغ الطوعي عن وقائعه لوزارة العدل، جعلاها تواجه ثمنا باهظا للأخطاء المستمرة التي ارتكبتها، وموافقتها بموجب شروط اتفاق الإقرار بالذنب على التهم الأصلية المؤجل الحكم فيها منذ عام 2019، على دفع الغرامة للمحكمة، والتي تتعلق بارتكاب تهمة التآمر بانتهاك أحكام مكافحة الرشوة خارج الحدود، والتآمر بانتهاك الضوابط الداخلية ومقررات وأحكام السجلات الخاصة بجرام الرشوة.
وتدير إريكسون السويدية مشروعاتها عبر مكاتب فاخرة مجاورة لمكتب وزير الاتصالات وشركات الاتصالات والإنترنت الحكومية، في القرية الذكية بمدينة السادس من أكتوبر، وتتولى تدريب قادة قطاع الاتصالات الحكوميين على إدارة خدمات الاتصالات والبرامج السحابية وتقنيات الجيل الخامس وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي والحوسبة المتطورة، وفقا للموقع الرسمي للشركة العالمية باللغة العربية.
تكريم الشركة رغم فسادها
ويعتبر فرع القاهرة مكتبا إقليميا لإريكسون في الشرق الأوسط، بعد تعيين هاكان سارفيل، في سبتمبر الماضي، نائبا لرئيس إريكسون في مصر والسعودية، بعد شغله عدة مناصب على مدار 19 عاما في الشركة في كل من كوريا الجنوبية وماليزيا والصين واليابان وتايوان وهونج كونج.
ورغم فساد الشركة البائن، تحظى إريكسون برعاية حكومية كبيرة، دفعت وزارة الاتصالات إلى تكريم مسؤوليها عدة مرات، ومنحها وزير الاتصالات عمرو طلعت جائزتين على مدار العامين الماضيين، وحرص على لقاء فادي فرعون، النائب الأول لرئيس إريكسون ورئيسها في الشرق الأوسط وأفريقيا، وعدد من قيادات الشركة، خلال مشاركة الوزير في المعرض والمؤتمر الدولي للهواتف المحمولة 2023، الذي نظمته الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول GSMA في مدينة برشلونة في 28 فبراير الماضي.
وهذا ما يتماشى مع إستراتيجية السيسي، التي كشف عنها في وقت سابق ، بقوله "كل ما لا يرضي الله إحنا معاه وبندعمه ونساعده ونسانده".
والغريب أن حكومة الانقلاب ومجلس نواب العسكر والمؤسسات الرقابية المصرية التي تم تدجينها، غائبة تماما عن القضية وعن الفساد الكبير بقطاع الاتصالات، إذ إن السيسي سبق وحصن جميع العقود الحكومية التي أصبحت بعيدة عن المراقبة أو الطعن أو المحاسبة، إلا من طرفي العقد فقط، وهو ما يضمن الفساد ويحصنه ويجعله بعيدا تماما عن أي مراقبة.
الفساد يقوض المنافسة
والغريب أن إريكسون، في البيان التعريفي للشركة عبر موقعها الإلكتروني، تؤكد انحيازها للقيم الأخلاقية ومحاربة الفساد باعتباره عقبة كبيرة أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء العالم، ومعوق للتنمية المستدامة، ما يؤثر على المجتمعات الأكثر فقرا.
وتعتبر إريكسون أن الفساد يقوض المنافسة العادلة ويعيق الابتكار ويرفع التكاليف ويشكل عواقب قانونية وسمعة خطيرة، بما يدفعها إلى الالتزام بكسب الأعمال التجارية على أساس الجدارة والقدرة والإنصاف والعمل بقوة لتصحيح أية مخالفات تواجهها.
وهو ما يكشف حجم كبير من الخداع وفساد متجذر بالشركة والصفقات الحكومية في مصر، بعيدا عن أعين أي رقابة، ماتت منذ حبس المستشار هشام جنينة، عندما كشف الفساد المالي الكبير في بعض الأجهزة السيادية للدولة المصرية بالعام 201، والبالغ 600 مليار جنيه في عام واحد.