الصحوة المصرية التي تفور بين الحين والآخر، من قبل مسئولي نظام السيسي، تبدو هزلية ومثارا للسخرية في الأوساط الدولية والإقليمية، حيث تأتي ضمن استراتسجسة الإلهاء التي يتبعها السيسي، من حين لآخر، بهدف إثارة مخاوف الداخل من أزمة المياه الوجودية، التي بالفعل تهدد مصر، ولكن نظام السيسي نفسه العاجز عن حماية أمن مصر المائي، رغم أساطيل الأسلحة المخزنة التي يأكلها الصدأ، نسي أن الخطوات التي تتبعها حتى الآن ، متفق عليها، وتم التوقيع عليها من قبل السيسي في 20155 ومن قبل مسئولي نظام الانقلاب ووزير الري السابق محمد عبد العاطي في مفاوضات واشنطن التي رعاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2020.
تلك الإجراءات والاتفاقات التي يسعى السيسي للتنصل منها الآن، بعد أن بلغت الأزمة مداها، وهو ما يؤكد خيانة السيسي ونظامه للشعب المصري.
ومع تصاعد حدة التصريحات الرسمية بين مصر وإثيوبيا، في الأيام القليلة الماضية، بشأن قضية سد النهضة، واحتوت كلمة وزير الخارجية سامح شكري، في الجامعة العربية، على تحذيرات من مخاطر جمة على مصر والسودان نتيجة السد، ومطالبته الدول العربية بدعم القاهرة والخرطوم في القضية.
وبالفعل، صدر قرار عربي عن المجلس الوزاري للجامعة يدعم مصر والسودان، وفي المقابل، ردت الخارجية الإثيوبية وطالبت مصر بالالتزام برعاية الاتحاد الأفريقي وحده للمفاوضات، وجاء ذلك في ظل حديث عن تفكير مصر في التوجه إلى مجلس الأمن الدولي للمرة الثالثة، فيما توضح الصور المتاحة من موقع السد مدى تقدم الجانب الإثيوبي في صب خرسانة بمعدلات كبيرة بجميع أجزاء سد النهضة، سواء الكتلة الشرقية أو الغربية، اللتين وصلتا اليوم إلى قرابة منسوب 625 مترا فوق سطح البحر.
وفق الاتفاق مع ترامب
وهو ما يعني ضمنيا قدرة إثيوبيا على تخزين قرابة 27 مليار متر مكعب، بحيث يصل إجمالي التخزين إلى قرابة 49 مليار متر مكعب، وهذا هو ما تم الاتفاق عليه خلال اجتماع الدول الثلاث مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في فبراير 2020، حيث وقع وزير الري المصري محمد عبد العاطي، بشكل منفرد، على جدول ملء سد النهضة، والذي سمح فيه لإثيوبيا بالوصول إلى مخزون يعادل 49.3 مليار متر مكعب مع نهاية الملء الرابع".
جدول الملء بالتوافق بين مصر وإثيوبيا
وعلى الرغم من رفض إثيوبيا التوقيع على هذا الجدول، ومغادرة جلسة المفاوضات بالبيت الأبيض، إلا أنها من حيث المبدأ تلتزم بالكميات المذكورة في الجدول، وسوف تصل بمخزون بحيرة سد النهضة خلال الملء الرابع إلى قرابة 49 مليار متر مكعب، وعليه، فإن ادعاء الدولة المصرية بأن إثيوبيا تنفذ الملء الرابع من دون إذن مسبق ادعاء غير صحيح، والدليل على ذلك توقيع وزير الري السابق على جدول الملء أمام الرئيس الأميركي السابق".
ووفق الجدول الموقع، ستقوم إثيوبيا خلال صيف 2023 بتخزين 27 مليار متر مكعب، تضاف إليها قرابة 3 مليارات متر مكعب تهدر في فواقد البحيرة، وعليه يمكن القول بكل ثقة، إنه "في حالة ما إذا كان فيضان عام 2023 فيضانا متوسطا، ففي هذه الحالة لن يصل إلى بحيرة ناصر خلال أشهر الصيف نقطة مياه واحدة، ولكن سيصل إليها فيما بعد، في سبتمبر المقبل، قرابة 14 مليار متر مكعب من النيل الأزرق، وفق تقديرات الخبراء".
وتدحض تلك التوافقات جدوى لجوء مصر إلى مجلس الأمن الدولي مجددا، إذ إنه في المرة الماضية عندما طلبت مصر انعقاد الجلسة، أيّدت كل الدول دائمة العضوية إثيوبيا، وهو ما مثل موقفا محرجا للحكومة المصرية، فإذا لم يكن لدى مصر الجديد الذي تطرحه على مجلس الأمن، فلن يجتمع المجلس أصلا، وبالتالي ستكون هزيمة دبلوماسية كاملة لمصر.
إذ إن مجلس الأمن لن يبحث الأمر مرة أخرى لأن الدول الكبرى في مجلس الأمن وضحت عدم اختصاص المجلس بمثل هذه القضايا، وأحالت القضية إلى المنظمات الإقليمية المتمثلة في الاتحاد الأفريقي، الذي بدوره لم ينجز أي شيء على مدى الرئاستين السابقتين، ولم يستطع إقناع إثيوبيا بتغيير موقفها، كما أن أقصى ما يمكن أن يفعله مجلس الأمن هو أن يصدر توصيات للدول وليس قرارات ملزمة.
اتفاقية إعلان المبادئ
ومن جهتها ، أعلنت الحكومة الإثيوبية، التزامها بمواصلة ملء وتشغيل سد النهضة وفقا لاتفاقية إعلان المبادئ في مارس 2015، الموقعة بين إثيوبيا ومصر والسودان، مع احترامها الكامل لمبدأ الاستخدام العادل والمعقول للمياه العابرة للحدود.
وبذلك تؤكد التفاعلات الجارية إلى أي مدى ضيّع السيسي مصر وحقوقها المائية، ثم يأتي اليوم، ليحاول استمالة أثيوبيا أو يطلب دعم مجلس الأمن تارة ودعم الجامعة العربية تارة أخرى، وهو من أضاع حقوق مصر منذ توقيعه على اتفاقية المبادئ في مارس 2015.