ارتفع من (7 جنيهات) إلى (33 جنيها).. هل أصيب الأرز بالجنون؟

- ‎فيتقارير

تشهد أسعار الأرز في الأسواق المصرية ارتفاعا جديدا؛ حيث وصل سعر طن الأرز عريض الحبة إلى 26 ألف جنيه، ليصل سعر الكيلو للمستهلك إلى ما بين 33 إلى 35 جنيها. بينما تتجه حكومة الانقلاب نحو استيراد  أنواع أقل جودة من الخارج لصرفه على بطاقات التموين في محاولة يائسة لتحجيم الارتفاع الجنونية في أسعار الأرز. وارتفع سعر الأرز المحلي السائب من 26-27 جنيهاً إلى متوسط 28 جنيهاً للكيلوجرام في أسواق العاصمة القاهرة، فيما قررت شركات شهيرة مثل "الضحى" و"ريحانة" و"السوهاجي" و"الزمردة" و"زمزم" رفع أسعار منتجاتها من الأرز الأبيض المعبأ من 28-30 جنيهاً إلى متوسط 32 جنيهاً للكيلوجرام في متاجر التجزئة، اعتباراً من يوم السبت 25 مارس 2023م.

ويقول نائب رئيس شعبة البقالة في غرفة القاهرة التجارية، أحمد فوزي، إن أقل سعر للأرز الأبيض في الأسواق هو 27 جنيهاً للكيلوجرام من الأصناف الأقل جودة، مشيراً إلى ارتفاع سعر الأصناف الأكثر جودة إلى 33 جنيهاً للكيلوجرام مع بداية شهر رمضان، والتي لا تزيد نسبة الكسر فيها عن 3 بالمائة.

وقرر مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب في 19 فبراير 2023إلغاء قراره رقم 94 لسنة 2022 بشأن تحديد سعر إجباري لبيع الأرز الأبيض، استجابة لطلبات شركات تعبئة وتغليف المواد الغذائية، التي توقفت عن طرح الأرز المعبأ في الأسواق خلال فترة تطبيق القرار، اعتراضاً منها على التسعير المحدد من الحكومة، في ظل ارتفاع سعر الطن من الأرز العريض لدى المضارب. واضطرت هيئة السلع التموينية التابعة لوزارة التموين إلى الإعلان عن مناقصة لاستيراد الأرز من الهند، بعد رفض المزارعين توريد الأرز للوزارة بمعدل طن عن كل فدان، حيث وصل ما تم توريده إلى 430 ألف طن من الأرز الشعير، من أصل 1.5 مليون طن مستهدف، نتيجة وجود فرق حوالي 5 آلاف جنيه في كل طن بين سعر الوزارة والسوق الحر.

وتعتبر أزمة الأرز مثالا كاشفا لمدى تفشي الممارسات الاحتكارية في مصر خلال فترة حكم الجنرال عبدالفتاح السيسي؛ فمصر تحقق الاكتفاء الذاتي من الأرز ورغم ذلك فقد ارتفعت أسعاره من 7 جنيهات  يناير 2022 إلى نحو 33 جنيها في مارس 2023م؛ ويتوقع أن يبلغ حجم الإنتاج هذا الموسم حوالي 7 ملايين طن من الأرز الشعير، من زراعة 1.8 ملايين فدان، بزيادة 550 ألف فدان عن الموسم الماضي، تعطي 3.6 ملايين طن من الأرز الأبيض، فيما يبلغ حجم الاستهلاك السنوي 3 ملايين طن تقريباً.

وكان سعر طن الأرز ارتفع من 15 ألف جنيها للطن في فبراير2023م إلى 25 الف جنيها في مارس، أي خلال شهر واحد فقط؛ وحسب خبراء ومراقبين فإن السبب الرئيس وراء ارتفاع سعر  الأرز هو نقص المعروض في الأسواق، ما تسبب في توقف عمل الكثير من المضارب خلال الأسابيع الأخيرة، بحسب تصريحات عضو شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، مُصطفى السلطيسي. لكن هذا يطرح تساؤلات منطقية وكاشفة: إذا كيف ينقص المعروض ومصر على الدوام خلال العقود الماضية كانت تحقق اكتفاء ذاتيا من الأرز؟!

وحسب وكيل معهد المحاصيل بوزارة الزراعة، الدكتور مجاهد عمار، فإن أزمة الأر  ليست مرتبطة بإنتاجه لأن مصر تنتج سنويا نحو 5 ملايين طن شعير، يتم استخراج نحو 3.5 ملايين طن أرز أبيض منها بعد التبييض، وهي الكمية التي تغطي جميع استهلاك السكان واحتياجات البلد. ويعزو وكيل معهد المحاصيل الزراعية الأزمة إلى وجود ممارسات احتكارية يستهدف بها المحتكرون تحقيق أعلى الأرباح على حساب المواطنين. لكن مجاهد عمار يتجاهل دور الحكومة في الأزمة من ناحيتين: الأولى عدم قدرتها على مواجهة هذه الممارسات الاحتكارية. الثانية، عدم تقييم سعر توريد الأرز بشكل جيد يغطي تكاليف زراعته ويحقق ربحا معقولا للفلاحين. فقد كان سعر طن الأرز في موسم حصاد 2021 نحو "3500 جنيها وهو ما تسبب في خسائر كبيرة للفلاحين لأن السعر لم يغط تكاليف الإنتاج.

ويصل عدد المضارب في القطاع الخاص بمصر إلى 352 مضربًا للأرز 50% متعاقد مع الحكومة على توريد الأرز الذي يتميز بوجود العديد من الدرجات، أولها الشعبي الذي تكون نسبة الكسر فيه 10% والتمويني بنسبة كسر 12%، كما توجد درجات أعلى تتداول في السوق مثل الأرز العادي بنسبة كسر 7% في المحال التقليدية، والأرز “السياحي” بنسبة كسر 5% وأرز “التصدير أو الفاخر” بنسبة كسر 3%.

وتعود أزمة الأرز إلى نحو عامين ماضيين، حين حددت وزارة التموين في بداية موسم 2021 سعرًا استرشاديًا للأرز بلغ ثلاثة آلاف و700جنيه للطن، وهو ما رفضه المزارعون، مطالبين بزيادته إلى أربعة آلاف جنيه للطن. وبينما اشترت مضارب اﻷرز (الخاصة وقطاع اﻷعمال) من الفلاحين كميات بأسعار تراوحت ما بين أربعة آلاف و500 جنيه للطن، رفضت الحكومة شراء اﻷرز من المضارب بأزيد من سعرها الاسترشادي. ومع إصرار الوزارة على عدم رفع سعر اﻷرز في حينه، دعا وزير التموين، على المصيلحي، في أكتوبر 2021، العاملين في مضارب الأرز، لوقف المزايدة على سعر الأرز، لأن الحكومة لن تسمح بتصديره. وأكد في الوقت نفسه على وجود وفرة في المخزون تكفي حتى ثلاثة أشهر، مضيفًا: «وبالتالي اللي عايز يقعد رزُه عنده، يخليه عنده ويتصور جنبه».

استمرت المشكلة في (2022)، ورفض الفلاحون تسليم الأرز لمضارب «التموين» رغم رفع الحكومة لسعر التوريد، ما دفع وزارة التموين لإصدار قرار يلزم المزارعين، للمرة الأولى، بتسليمها طن أرز عن كل فدان (حوالي 25% من إنتاج الفدان)  بسعر 6850 جنيها للطن، مع توقيع عقوبات على الممتنعين عن التسليم.  ورغم التهديدات السابقة، لم تجمع الحكومة سوى 400 ألف طن من أصل مليون ونصف طن كانت تستهدفهم، ما رفع أسعار الأرز في الأسواق بشكل غير مسبوق.

ويتهم خبراء ومحللون الحكومة بالتسبب في المشكلة؛ مؤكدين أنها لم تتعامل بشيء من المسئولية مع الفلاحين؛ ففي الوقت الذي تراجعت فيه قيمة الجنيه أمام الدولار بنحو 97%  وانخفضت قيمته بنحو 50% فإن الحكومة  في أغسطس 2022م أصدرت مجموعة قرارات متتالية بهدف «السيطرة على أسعار محصول الأرز ومنع احتكاره» لكنها فشلت ولم يتم توريد سوى ربع الكمية فقط. وهددت الحكومة الفلاحين بالحبس والجرامة حال تخزين المحصول دفعهم إلى التخلص من مخزونهم من الأرز إما من خلال تحويله لخامة علفية، أو بيعه بسعر رخيص للتجار الذين بدأوا في تخزينه. فاختفى من الأسواق وتضاعف سعره!