في حال ظن المصريون -وبعض الظن إثم- أن كارثة الدولار المتعلقة بالانهيار الاقتصادي في مصر، وتبني مشاريع ضخمة لا طائل من ورائها مثل زراعة غابات الكباري في كل شبر، وبناء العاصمة الإدارية الجديدة في قلب الصحراء، وبيع الشركات الناجحة والأراضي العامرة، فضلا عن شهية الاستدانة من صندوق النقد الدولي وغيره، كان ذلك الخراب كله لا ناقة للسيسي فيه ولا جمل، هنا تأتي الروشتة التركية في محلها، أما اذا كان الأمر غير ذلك وهو الأقرب للمنطق، فإن السيسي سيضرب بتلك الروشتة عرض الحائط لا محالة.
وفي خضم ما يعيشه المصريون من ضنك اقتصادي وانهيار تاريخي غير مسبوق في عملتهم المحلية "الجنيه" قدم المستثمرون الأتراك حلا لأزمة الدولار في مصر، عبر تطبيق التبادل التجاري بين البلدين بالعملات المحلية، وسيطرح العرض خلال زيارة مرتقبة لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إلى القاهرة.
من جانبه أكد نهاد أكينجي، رئيس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين الأتراك على هامش حفل إفطار الجمعية، أمس الأول، بمناسبة مرور 20 عاما على تأسيسها، أن أعضاء الجمعية طلبوا من أوغلو، دراسة طلب التبادل التجاري بين البلدين بالعملات المحلية، من خلال وزارة المالية في أنقرة.
وأضاف أن "أوغلو أبدى اهتماما كبيرا بهذه المسألة، خاصة أننا نسعى لتطبيقها على مستوى التبادل التجاري بين شركات القطاع الخاص، وليست المعاملات الحكومية لتخفيف ضغط قلة توفر الدولار، والذي يؤثر سلبا على الاستثمارات".
وأوضح "إذا فتحنا التجارة بين البلدين بالعملات المحلية، بحيث تستورد مصر من تركيا وتدفع بالجنيه، وتستورد تركيا من مصر وتدفع بالليرة، سنقضي على صعوبة كبيرة في طريق الاستثمار حاليا".
وقال "بلّغنا وزيري الخارجية والمالية التركيين قبل أسبوعين، ومن المنتظر أن يعرضا الأمر على مصر خلال زيارة للقاهرة قريبا، هذا الأمر مهم جدا، وسيسهم في زيادة الاستثمارات التركية في مصر".
وحال موافقة عصابة الانقلاب – إن سمح رعاتهم الأمريكان- على الطلب التركي، توقع أكينجي أن يقفز التبادل التجاري بين البلدين إلى الضعف ليبلغ 20 مليار دولار خلال 15 عاما، والاستثمارات التركية إلى ما بين 4 و5 مليارات دولار، مقابل ملياري دولار حاليا.
وتمثل عودة العلاقات المصرية التركية إلى طبيعتها، دعما كبيرا للنشاط الاستثماري لأنقرة في القاهرة، ومساندة (تومياد) وفق أكينجي، الذي أكد أن هناك رغبة كبيرة من رجال الأعمال الأتراك للاستثمار في مصر، ونعرف ذلك من خلال تلقي استفسارات كثيرة مؤخرا منهم، سواء في الجمعية أو لدى المستشار التجاري لسفارة أنقرة في القاهرة، تزامنا مع بدء عودة العلاقات".
التقارب المصري التركي الأخير نتيجة لضغوط كبيرة تمارس على كلا من مصر وتركيا، أجبرت كلا الطرفين على النظر إلى مصالحهما، فبدأت بالمصالحة الليبية وظهرت جلية في مسألة شرق المتوسط.
ولتفسير ما يجري بين أنقرة وعصابة الانقلاب في القاهرة، يقول الكاتب الصحفي شمس محمود "مصر اليوم تجد نفسها منبوذة وتستغل حتى من أقرب حلفائها، مثلما فعلت إسرائيل واليونان في اتفاقية استثنيت القاهرة منها؛ كذلك ما فعلته كلا من السعودية والإمارات مع مصر في الأشهر الأخيرة، وكذا الأزمات الأخيرة مثل أزمة سد النهضة التي تمثل خطرا حقيقيا على النظام المصري، لأن الشعب على وشك الانفجار فلا ينقصه عطش جديد، يضاف إلى ذلك العطش الاقتصادي والسياسي والسيادي الذي يعيشون فيه منذ صعود نجوم الانقلاب العسكري الجديد، واستكمال خيبات أصحاب الإنقلاب القديم حتى يثوروا ولو بالعصي والحجارة".
مضيفا أن "رغبة تركيا في تجديد دمائها الاقتصادية تلك التي تساعدها في دعم قراراتها العسكرية والمشاريع التنموية ودعم الإقتصاد وطمأنة الناخب التركي، تجبرها على تخفيف لهجتها الخارجية إقليميا ودوليا، ومحاولة التوصل إلى اتفاقات جديدة إقليمية ودولية تكون لتركيا فيها امتيازات وصوت مسموع بعدما أثبتت لحلفائها وأعدائها أنها عدو قوي لمن يعاديها، وحليف قوي أمين للذين وثقوا في حلفها وشراكتها" .
وختم بالقول "التباين الكبير بين الموقف التركي والموقف المصري، ورغبة النظام المصري في الإنتقام من أنقرة ورغبة أنقرة في تأديب النظام المصري تجعل العلاقة متوترة على الدوام ومرهونة بالداعم الخارجي لمصر والوضع الاقتصادي لتركيا؛ وتجعل ما يحدث الآن هو مجرد تقارب مصلحي وليست مصالحة؛ أو مصالحة على طريقة المصالحة الخليجية ، تلك التي لا يأمن فيها أي طرف الطرف الآخر، خصوصا بعد تلك الموجات العدائية التي كادت أن تتمم بغزو عسكري لقطر وانقلاب عسكري ضد الطيب أردوغان وحزبه".