مع الأوضاع الاقتصادية المنهارة التي تعيشها مصر في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي انهارت الطبقة الوسطى وانضمت إلى معسكر الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر، وهكذا تحول المجتمع إلى فئة غنية غنى فاحش تضم عصابة العسكر والمطبلاتية وهذه لا تتجاوز نسبتها 1% من الشعب المصري، أما الغالبية فتعيش في فقر مدقع ولم يعد هؤلاء قادرين على تلبية احتياجاتهم اليومية الضرورية ويواجهون الجوع ويعانون معاناة نفسية من أجل الحصول على لقمة العيش التي ضيق نظام الانقلاب منافذها وأصبحت محصورة بين زبانيته .
هذه الحقيقة المريرة كشفت عنها دراسة حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مؤكدة أن 65.8% من الأسر المصرية تأثر نمط إنفاقها على السلع الغذائية وغير الغذائية نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر بسبب الانهيار الاقتصادي الذي تفاقم عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وانخفاض استهلاك نحو 74% من الأسر من السلع الغذائية.
وأكدت الدراسة أن حوالي 90% من الأسر انخفض استهلاكها من البروتينات “لحوم وطيور وأسماك” عما كان قبل سنوات.
وأظهرت أن 85% من الأسر تغير نمط شرائها من السلع فأصبحت تقوم بشراء ما تحتاجه لمدة أسبوع فقط مقارنة بنمط استهلاكها من قبل .
يشار إلى أن جهاز التعبئة العامة والإحصاء يحدد نسبة الفقراء بناء على تعريفه للفقر المادي، المتمثل في عدم القدرة على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للفرد أو الأسرة، مثل الطعام والمسكن والملابس وخدمات التعليم والصحة والمواصلات كما يحدد نسبة الفقر من خلال تكلفة الحصول على السلع والخدمات الأساسية للفرد أو الأسرة، أو ما يسمى بـ «خط الفقر القومي»، ووفقا لهذه المؤشرات يعتبر الجهاز أن الفقراء هم الذين يقل استهلاكهم الكلي عن تكلفة خط الفقر القومي.
ظواهر سلبية
و قال الدكتور علي الإدريسى، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، إن “الرهان الأساسي لتحديد وضع الطبقة الوسطى في المجتمع هو معدل التضخم، مؤكدا أنه مع ارتفاع معدلات التضخم والتعداد السكاني تأثر مستوى معيشة هذه الطبقة بشكل كبير خلال السنوات الماضية”.
وأضاف الإدريسي في تصريحات صحفية، في نوفمبر 2016 عقب قرار حكومة الانقلاب بالتعويم الأول وصل معدل التضخم إلى مستويات عالية جدا وسجل في يوليو 2017 نحو 33%، ثم تراجع إلى 4% مع مرور الوقت، لكن عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية وما تلاها وصلنا الآن إلى أعلى معدل خلال السنوات الست الماضية وتجاوزنا 31%، لافتا إلى أن هذه الأوضاع فرضت ضغوطا كثيرة على الطبقة الوسطى وجعلها تميل إلى الطبقات الأدنى مثل محدودي الدخل، ما يؤثر في النهاية على مستوى المعيشة والطلب على السلع الكمالية والترفيهية، ويتحول بشكل أكبر للسلع الأساسية والغذائية .
وأوضح أن تلاشي تلك الطبقة غير مقبول اقتصاديا لأنها تصنع توازنا بين كافة الطبقات، بمعنى أن طبقة محدودي الدخل يكون أملهم الارتقاء إلى الطبقة المتوسطة، وأصحاب الطبقة المتوسطة أملهم هو الارتقاء إلى الطبقة الأعلى، وعندما تتلاشى هذه الطبقة يكون هناك فجوة كبيرة بين محدودي الدخل وطبقة مرتفعي الدخل، وهو ما يؤثر على هيكل الدخل بالنسب للأسر في المجتمع بشكل عام.
وحذر الإدريسي من أنه عندما يكون هيكل السكان معظمه من محدودي الدخل فإن ذلك يؤثر بشكل سلبي على المجتمع أيضا وليس الاقتصاد فقط، من خلال ظهور ظواهر اجتماعية سلبية على رأسها الجريمة، مشددا على ضرورة وجود برامج حماية اجتماعية أكثر كفاءة وعدالة والعمل من أجل زيادة الدخول لمحدودي الدخل، وتوفير الدعم اللازم مع فرض الضرائب التصاعدية على أصحاب الدخول المرتفعة حتى نستطيع توجيه هذا الدعم للطبقات الفقيرة .
استقرار المجتمع
وقال السفير فوزي العشماوي مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن “الطبقة الوسطى هي عماد المجتمع وصمام أمانه وقوته الدافعة ومخزن قيمه وفضائله”.
وأضاف «العشماوي» في تصريحات صحفية، أن هذه الطبقة تتشكل عبر عشرات بل مئات السنين، وتحرص كل دول العالم وأنظمتها السياسية عليها، من خلال الاهتمام بالتعليم والوعي الجمعي والتدريب والتشغيل والدخل، بحيث لا تنزلق وتتآكل فتهدد أمن واستقرار الدولة والمجتمع، أو تشهد الدولة اختلالات جسيمة بين طبقاتها، محذرا من أن هذه الطبقة تشهد حاليا تآكلا وضغوطا غير مسبوقة.
وأوضح أن الطبقة الوسطى تواجه ضغوطا اقتصادية ومعيشية ناتجة عن الأزمة الاقتصادية، وعدم تماهي الدخول مع النفقات، وضغوطا ثقافية وقيمية نتيجة هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي وتراجع دور الإعلام الحر المستنير فضلا عن قضية الاستقطاب المجتمعي، ولذلك يلجأ عدد كبير من أبناء هذه الطبقة إلى مواجهة الأوضاع بالبحث عن وظائف أخرى إضافية أو تغيير مهنتهم الأساسية.
وشدد «العشماوي» على أن تعدد المهن والوظائف أصبح أمرا شبه حتمي للعديد من أبناء هذه الطبقة لمواجهة متطلبات المعيشة والنفقات المتزايدة باضطراد، وهو ما أفرز نتائج عديدة بعضها إيجابي مثل اكتساب مهارات جديدة وإعلاء قيمة العمل، ولكن الكثير منها سلبي مثل العزوف عن الزواج أو ارتفاع معدلات الطلاق فضلا عن تفكك الأسر نتيجة فرط انشغال الوالدين.
العدالة الاجتماعية
وقال الدكتور حسن الخولي، أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس، إن “أي مجتمع لابد أن يكون به طبقة عليا ووسطى ودنيا، وكلما كانت الطبقة الوسطى أكبر كان ذلك مؤشرا على العدالة الاجتماعية، وعكس ذلك هو الاستقطاب الطبقي أي أن الأغنياء يتمتعون بغنى فاحش والفقراء يعانون من فقر مدقع وهنا تكون السلبية”.
وأوضح الخولي في تصريحات صحفية أن وجود طبقة وسطى يشير إلى استقرار المجتمع وحيويته وعلامة على أن المجتمع متوازن وبه عدالة اجتماعية، أما وجود النقيضين فهذا يدل على الخلل الاجتماعي، مشيرا إلى أن غالبية المثقفين والمتعلمين تعليما جيدا من أبناء الطبقة المتوسطة، وفي الأصل لم يكونوا أغنياء لكنهم تعلموا بشكل جيد وهذا التعليم ساهم في تحصيلهم للأموال.
وأضاف، أبناء الطبقة الوسطى يخدمون المجتمع بشكل أكبر، بسبب شعورهم بالمسئولية تجاه مجتمعهم وتعبيرهم عن همومه، ولهذا فإن وجودهم مهم لأي مجتمع، لأنه كلما تآكلت هذه الطبقة كانت أوضاع هؤلاء المواطنين أسوأ ويضيق عليهم الخناق ولهذا تأثير سلبي على المجتمع»
وأكد الخولي أن أبناء الطبقة المتوسطة هم لسان حال المجتمع والمعبرين عنه، ولذلك إذا كانوا في ضيق وحرمان اقتصادي يبدأون في التعبير عن مشاكلهم، مشيرا إلى أن غيابهم علامة على وجود أمراض المجتمع ووقتها تبدأ معدلات الانتحار في الزيادة مع ارتفاع حالات التوتر النفسي والاجتماعي والجريمة بأشكالها المختلفة.
وطالب بضرورة إصلاح الأمور الاقتصادية وإتاحة فرص العمل، وأن يجد الناس قوت يومهم ومستوى لائقا من الحياة الكريمة سواء في الطبقة المتوسطة أو غيرها من الطبقات.