فصل (32) موظفا بالقضاء العالي لميولهم السياسية.. قراءة هامشية

- ‎فيتقارير
A view of the High Court of Justice in Cairo November 1, 2011. The words read, " High Court of Justice." Egypt's judiciary has emerged from the uprising that toppled Hosni Mubarak as one of the few institutions retaining some credibility, but the weight of public expectations may have forced it to take on too much, far too fast. Picture taken November 1, 2011. To match Analysis EGYPT-JUDICIARY REUTERS/Mohamed Abd El-Ghany (EGYPT - Tags: POLITICS CRIME LAW)

القرار الذي أصدره  رئيس محكمة استئناف القاهرة محمد حسين عبدالتواب في منتصف إبريل 2023م، بفصل 32 موظفا وموظفة من العاملين بالمحكمة بدار القضاء العالي يحمل كثيرا من الرسائل والدلالات؛ أبرزها أن نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي قد فرض وصايته الكاملة على السلطة القضائية والتي باتت كما هي على الدوام  أداة من أدوات السلطة التنفيذية، لكنها في عصر السيسي باتت أكثر خنوعا وخضوعا لإرادة السلطة عما كانت عليه في العهود السابقة. كما يؤكد على أن نظام السيسي  يصر على المضي في طريق الظلم والطغيان حتى منتهاه دون  مراجعة لمواقفه المشينة مهما بلغت من شذوذ وانحراف.

وتراوحت  أسباب القرار ــ حسب صحيفة العربي الجديد ـ  بين ثلاثة أمور:

أولها وجود ميول دينية وسياسية لبعضهم  وتعاطفا مع جماعة الإخوان المسلمين وبعض الجماعات الأخرى المصنفة كتنظيمات إرهابية من جانب الدولة. ويقضي القانون بعزل أي عضو ينتمي إلى هذه التنظيمات والجماعات من العمل ضمن الهيكل الحكومي للدولة.  وتنقل الصحيفة العربية التي تصدر من العاصمة الإنجليزية "لندن"، عن أحد الموظفين الذين تم عزلهم بدعوى "ميوله السياسية"، ،هأنه تقدم بتظلم على قرار فصله من العمل مطالبا بعودته واستمرار راتبه ودرجته المالية وترقياته بشكل طبيعي منذ قرار الفصل عن العمل. موضحا أنه إذا لم يتم قبول التظلم فسيقيم دعوى قضائية ضد رئيس المحكمة يطالب فيها بأمرين: أولا: عودته إلى العمل، وثانيا: بتعويض مالي جراء الفصل التعسفي الذي لم يستند إلى أي شيء. وأضاف أن قرارات الفصل بدعوى الميول السياسية باطلة فلا يجوز أن تصدر إلا بحكم قضائي وبناء على تحريات تقول إن الموظف منتم إلى تنظيم أو جماعة إرهابية، وهو ما لم يحدث معه. كما أشار إلى أن جميع المفصولين بدعوى الميول السياسية لا توجد لهم أي تحريات أمنية تفيد ذلك، ولم يسبق اتهامهم في قضايا بهذا الشأن

ثانيا، السبب الثاني حسب القرار  هو تغيب عدد من الموظفين عن العمل دون الحصول على إجازات ودون تقديم ما يفيد أسباب انقطاعهم عن العمل، ومن ثم أصبحوا في حكم المنقطعين عن العمل دون عذر أو أسباب حددها القانون، وذلك لمدة تجاوزت الفترة المسموح بها، ومن ثم وجب عزلهم من درجتهم الوظيفية والمالية بحكم القانون. والعجيب هنا أن الجهة القضائية نفسها لم تستعلم عن أحوال هؤلاء الموظفين المنقطعين عن أعمالهم؛ وقد يكونون مخطوفين أو مخفيين قسرا من جانب الأمن الوطني وأجهزة الدولة الأمنية؛ لكن المحكمة لم ترغب في الاستعلام لأنه لاتريد الدخول في صدام مع السلطة؛ فإهدار العدالة أهون من الصدام مع السلطة مع ما يترتب على ذلك من تداعيات لا يرضى بها السادة القضاء الحريصون على مكانتهم ونفوذهم والتودد إلى السلطة من أجل الترقي لأعلى المناصب في الدولة.

ثالثا: السبب الثالث حسب القرار القضائي لفصل هؤلاء، هو استنفاد عدد من الموظفين فترة الإجازات القانونية المسموح بها، وتوقيع جزاءات تأديبية بالخصم من مرتباتهم، وذلك لفترات وصلت إلى الحد الأقصى المسموح به قانونا مما أوجب فصلهم.

 

الفصل للجميع

وقبل خمسة أشهر (في نوفمبر 2022م)، أقدمت الشركة المصرية للاتصالات (الحكومية) على فصل 1218 عاملا من المتعاقدين معها عن طريق شركة (IBS) لتوريد العمالة؛ وهو الإجراء الذي يتناقض مع مزاعم رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي  الذي يردد باستمرار أنه يوجه الحكومة نحو التوسع في إجراءات الحماية الاجتماعية للعمال، وتخفيف حدة الوضع الاقتصادي من خلال تحسين أوضاعهم المعيشية. فصل هذا العدد الكبير من عمال الشركة في ظل هذه الأوضاع المعيشية القاسية دفع عضو مجلس النواب هشام الجاهل إلى تقديم بيان عاجل الأحد 13 نوفمبر 2022م إلى رئيس حكومة الانقلاب أوضح فيه أن "المصرية للاتصالات" تورطت أخيراً في فصل أكثر من ألف عامل بشكل تعسفي، بحجة ترشيد نفقات الشركة، ما يعد تسريحاً جماعياً للعمال في ظل ظروف معيشية صعبة بسبب الأزمة الاقتصادية، علماً بأن المادة 13 من الدستور ألزمت الدولة بـ"الحفاظ على حقوق العمال، وحمايتهم من مخاطر العمل، وحظر فصلهم تعسفياً على النحو الذي ينظمه القانون".

وحسب الإحصائيات الرسمية، بلغ عدد شركات توريد العمالة في مصر 597 شركة حتى نهاية عام 2021، وتعتمد كثير من الشركات والبنوك الحكومية على العمالة الرخيصة الموردة منها، والتي تقدر بعشرات الآلاف من العمال البسطاء الذين يعملون كأفراد أمن عادة، في قطاعات أبرزها: البنوك والاتصالات والبترول والمقاولات والأغذية والمشروبات والسياحة والفنادق. وكانت دار الخدمات النقابية والعمالية في مصر، قد وثقت 8041 انتهاكاً لحقوق العمال خلال عام 2021، يتصدرها تسريح أصحاب الأعمال لجزء من العمالة بزعم تأثر شركاتهم بتداعيات أزمة جائحة كورونا، وتخفيض الأجور، والتوقف عن صرفها، فضلاً عن رصد 214 حالة إكراه على تقديم الاستقالة في المنشآت الصناعية، بواقع 14 حالة في القطاع الخاص، و200 حالة في قطاع الأعمال العام.

 

تسريح 70% من الموظفين

وتسعى حكومة الانقلاب إلى تسريح نحو 70% من العاملين بالجهاز الإداري للدولة؛ وفي 17 مايو 2022م، كرر رئيس الوزراء بحكومة الانقلاب مصطفى مدبولي إلقاء اللوم على العدد الكبير من الموظفين في القطاع الحكومي والقطاع العام، والذي يتراوح عددهم ما بين 5 إلى 6 ملايين موظف، في زيادة الأعباء على الدولة، مؤكدا أن 70% من العدد الحالي هو زائد على الحاجة. وقال مدبولي، خلال مؤتمر صحفي للإعلان عن رؤية الدولة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، إن "التحديات البيروقراطية جزء من التحديات التي تواجهها الدولة، في إطار هيكل إداري ضخم ومتضخم على مدار 50 و60 عاما". وأضاف "نعي تماما أن قوام الهيكل واحتياج الدولة كمعيار كفاءة وإدارة، أننا لا نحتاج أكثر من 30% من الهيكل الإداري الموجود".

وكان قانون تنظيم عدد الموظفين من أوائل القوانين التي حرص السيسي على إصدارها منذ اغتصابه للسلطة، ومنذ إقرار قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية عام 2014، والتعديلات التي صدرت بعد ذلك في عام 2016، لم تعلن أي وزارة بالجهاز الإداري للدولة عن وظائف إلا وفق القواعد التي نص عليها القانون. ووفقا لإستراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر 2030)، فإن الحكومة تستهدف خفض عدد الموظفين إلى 3.8 ملايين موظف عام 2030.

وفيما يتعلق بعدد العاملين في القطاع العام (غير القطاع الحكومي) فقد انخفض عددهم بنسبة 9% على أساس سنوي إلى 695.3 ألف عامل عام 2021، بحسب النشرة السنوية لإحصاء العاملين بالقطاع العام التي أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مارس 2022. وتراجع عدد العاملين بالقطاع الحكومي وقطاع الأعمال العام في مصر بصورة مستمرة على مدار الأعوام الخمسة الماضية، وهبط بأكثر من 15% منذ عام 2017، في ضوء برنامجها لما يسمى بالإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.

ووفقا للجهاز المركزي العام للتعبئة والإحصاء بمصر، انخفض عدد الموظفين إلى نحو 5 ملايين موظف في 2017، ، مقابل نحو 5.8 مليون موظف في 2016، بانخفاض قدره 13.5%. إلا أن العدد الفعلي في عام 2019 أقل بنحو نصف مليون موظف على أقل تقدير؛ بسبب خروج نحو 180 ألف موظف على المعاش سنوياً في مصر، بدون الذين خرجوا عند سن الخمسين، بعد إقرار قانون الخدمة المدنية في 2016، الذي فتح باب الخروج المبكر عند سن 50 عاماً.  معنى ذلك أن عدد الموظفين الفعلي في الحكومة حاليا (سنة 2022) يبلغ نحو  4.5 ملايين موظف على أقصى تقدير. فلماذا  تعلن الحكومة عن أرقام مبالغ فيها للغاية؟! الأمر الثاني أن الهدف الرئيس من تخفيض عدد العاملين بالجهاز الإداري للدولة هو تقليل النفقات لكن أرقام الموازنة تكشف أن مخصصات الأجور والمرتبات ترتفع بشكل جنوني رغم معاناة الغالبية العظمى من الموظفين من قلة المرتبات وتآكلها؟ فأين تذهب هذه الأموال؟

ووفقا لموازنة 2022/ 2023، فقد تم تخصيص 400 مليار جنيه لباب الأجور (نحو 19.9% من حجم المصروفات بالموازنة) بزيادة تقترب من 43 مليار جنيه عن التقديرات المحدثة لموازنة العام المالي الأسبق لتمويل حزمة تحسين دخول 4.5 ملايين موظف من العاملين بالدولة، بحسب تصريحات وزير المالية، (الدولار حينها كان يساوي 24.30 جنيها). أما في مشروع الموازنة الجديدة (2023 ـ 2024) فقد تم زيادة بند الأجور بنحو 70 مليار جنيه، بنسبة 15% بما يعادل 470 مليار جنيه (الدولار يساوي 30.95 جنيها)!