قبل أيام، وفي ساعات معدودة جرى توفير الدولار لاستيراد ملايين الأطنان من الفراخ البرازيلي المجمدة لصالح الجهة السيادية، بدعوى مقاومة الارتفاعات الكبيرة في أسعار الدواجن واللحوم بمصر، منذ أسابيع سابقة، والتي تباع في منافذ الجيش وشركاته، للمواطنين بأسعار تفوق تكلفة استيرادها بمبالغ كبيرة ، لصالح مجموعة اللواءات والقيادات العسكرية، دون دفع ضرائب ولا رسوم ولا جمارك، فيما يطنطن إعلام البغال وآلة التطبيل أحمد موسى لتلك الخطوة التي اعتبروها تساعد على حل أزمة ارتفاع الدواجن، وهو ما نفاه المربون واتحادات المنتجين الذين طالبوا بتسريع دخول آلاف الأطنان من الأعلاف إلى السوق المحلي بعد أن تكدست في الموانئ إثر أزمة الدولار، دون مجيب من أحد، وهو ما أسفر عن تدمير صناعة الإنتاج الداجني بمصر، وتشريد نحو 2 مليون عامل يعملون في تلك المهنة، تحت سمع وبصر الحكومة ، ومع ذلك لم تنخفض أسعار الدواجن، بل سارت شركات الجيش مع موجة الغلاء ورفعت بدورها أسعار الدواجن المجمدة المستوردة من البرازيل، والتي عزف عنها كثير من المواطنين بعدما أثبتت تقارير فسادها وعدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.
الحديد
ومع استمرار انهيار الجنيه بسبب سياسات السيسي الفاشلة، ارتفعت أسعار الحديد بصورة جنونية داخل مصر ، حتى وصلت إلى أكثر من 40 ألف جنيه، فبدت مطالبات باستيراد كميات من الحديد من خارج مصر، لضبط السوق المحلي ، الذي يعاني من ارتفاعات قياسية بكل شيء إثر انهيار الجنيه، إلا أن الحكومة والنظام عادا ليؤكدا عدم توافر الدولار، لاستيراد كميات الحديد المطلوبة لموازنة الأسعار بمصر، وهو ما يضع كثير من علامات الاستفهام حول مستقبل الأسعار والعقارات بمصر وأيضا لماذا غابت إرادة النظام عن توفير الدولار؟ وهل يريد استمرار ارتفاع الأسعار كي يزيد من مكاسبه ببيع وحداته التي بناها بأسعار مرتفعة؟ أم ماذا؟.
42 ألفا للطن المصري مقابل 24 للمستورد
يشار إلى أن أسعار حديد التسليح المصري قد تخطت حاجز 42 ألف جنيه للطن في أسواق التجزئة كأعلى سعر عالمي، في الوقت الذي لا يتعدى فيه متوسط سعر طن الحديد عالميًا 24 ألف جنيه، وهو ما جعل بعض المعنيين بصناعة وتجارة الحديد في مصر يتساءلون عن تأخر ظهور الحديد المستورد في الأسواق المصرية حتى الآن، لإحداث توازن في الأسعار بعد أن وصلت ربحية بعض الشركات 10 آلاف جنيه في كل طن.
قيود حكومية
ويرجع المسئولون أسباب ازمة تأخر دخول حديد التسليح المستورد إلى مصر، إلى سياسات الحكومة في فرض قيود على الاستيراد، كالرسوم المفروضة على الحديد الوارد من أوكرانيا وتركيا والصين فقط، بحانب أزمة توفير الموارد الدولارية، بالإضافة إلى أن الدول الثلاث المعنية بالقرار في حاجة لإنتاجها من حديد التسليح في الوقت الحالي، وخاصة تركيا والتي سيتوجه الكثير من إنتاجها للسوق المحلي لإعادة إعمار المناطق التي دمرتها الزلازل.
ووفق تقارير اتحاد الغرف التجارية، فإنه بالرغم من ارتفاع أسعار الحديد في مصر بمعدلات تفوق الأسعار العالمية، وهو ما قد يسمح بدخول الحديد المستورد، إلا أن هناك عقبات أمام المستوردين تحول دون ذلك، منها رسوم الإغراق المفروضة على الحديد المستورد منذ نحو 5 سنوات، وكذلك صعوبة تدبير الحصيلة الدولارية، بخلاف الخوف من النزول بسعر الحديد المحلي من قبل كبار المنتجين بعد وصول المستورد، كما حدث مع الحديد التركي في مرات سابقة.
ووفق اتحاد الصناعات المعدنية، فإنه بيد الحكومة -إن إرادت- الكثير من آليات ضبط الأسواق، ومنها إلغاء قرار فرض رسوم إغراق على الحديد المستورد، لخلق نوع من التوازن، بالإضافة لتفعيل قرار وزاري سابق بإلزام كل شركة إبلاغ وزارة الصناعة في الخميس الثالث من كل شهر بالكميات المنتجة والأسعار، بما في ذلك أسعار الوكلاء، مع دور مباحث التموين في المرور على مخازن الوكلاء لمنع السياسات الاحتكارية.
وكشفت بيانات البنك المركزي المصري ارتفاع إنتاج مصر من حديد التسليح، إلى نحو 7831 ألف طن خلال أول 11 شهرا من عام 2022 مقابل 6759 ألف طن خلال نفس الفترة من 2021، فيما بلغ حجم المبيعات 7378 ألف طن، مقابل 6670 ألف طن خلال الفترة نفسها من العام السابق.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية حوالي 15 مليون طن، فيما يبلغ الاستهلاك الفعلي 7.5 مليون طن، فيما سجلت قيمة صادرات الحديد بنهاية عام 2022، نحو 1.41 مليار دولار، مقابل 1.78 مليار بنهاية 2021، بتراجع 6%، وفقًا لتقرير المجلس التصديري لمواد البناء والحراريات والصناعات المعدنية.
ومع استمرار انفلات الأسواق التي يبدو أنها تحقق مصالح للكبار والنظام يبقى المواطن المصري هو الأكثر تضررا من ارتفاعات الأسعار، والتي يدفع ثمنها مرتين، عند شراء الحديد وعند شراء الشقق أو المساكن، فيما الدوائر الحكومية متقاعسة عن ضبط الأسواق، سواء لفشلها أو لرغبة عليا من النظام في استمرار معاناة المواطنين لإلهائهم عن حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.