عيدية السيسي للعمال .. التموين ترفع أسعار 29 سلعة على بطاقات التموين!

- ‎فيتقارير

لم يسبق لفئة العمال طوال تاريخها في مصر أن واجهت أوضاعا مأساوية كالتي تعاني منها اليوم في مصر  تحت حكم الجنرال عبدالفتاح السيسي الذي اغتصب السلطة بانقلاب عسكري في يوليو 2013م بعدما نسف المسار الديمقراطي الذي كان ثمرة لثورة يناير 2011م.

وبينما كان العمال ينتظرون كل سنة عيدية السلطة لهم في عيدهم غرة مايو من كل عام حين يقاطع أحدهم خطاب الرئيس بالعبارة الشهيرة (المنحة يا ريس). لكن الجنرال مختلف؛ فهو لا يكترث أصلا بشيء اسمه الشعب، فهل يهتم بالعمال؟ الأولوية عند الجنرال للجنرالات أمثاله الذين ينهبون خيرات البلد ويتركون عشرات الملايين حولهم جوعى يئنون كل يوم بلا مجيب. لكن نظام السيسي أقدم على خطوة بالغة الاستفزاز؛ إذا قرر هذه السنة منح العمال عيدية قيمة في عيدهم؛ حين قررت وزارة التموين بحكومة الانقلاب رفع أسعار 29 سلعة على بطاقات التموين من أصل 32 سلعة.

وحسب قرار الوزارة الإثنين غرة مايو 23م، يرتفع سعر الأرز والسكر المعبأ بنسبة 20%، من 10.5 جنيهات إلى 12.6 جنيهاً للكيلوجرام، وزيت الطعام (خليط) بنسبة 20%، من 25 جنيهاً إلى 30 جنيهاً للعبوة (0.8 لتر)، والمعكرونة بنسبة 24%، من 10.5 جنيهات إلى 13 جنيهاً للعبوة (800 جرام)، ومن 5.25 جنيهات إلى 6.5 جنيهات (400 جرام). وزاد سعر العدس بنسبة 75%، من 12 جنيهاً إلى 21 جنيهاً (500 جرام)، والفول بنسبة 20%، من 7.5 جنيهات إلى 9 جنيهات (500 جرام)، والدقيق المعبأ بنسبة 64%، من 11 جنيهاً إلى 18 جنيهاً للكيلوجرام، والسمن الصناعي بنسبة 20%، من 30 جنيهاً إلى 36 جنيهاً (800 جرام)، والشاي بنسبة 42%، من 3.5 جنيهات إلى 5 جنيهات (40 جراما). كما زاد سعر صلصة الطعام من 6 جنيهات إلى 8 جنيهات (300 جرام)، والتونة المفتتة من 12 جنيهاً إلى 18 جنيهاً (140 جراما)، والمربى من 14 جنيهاً إلى 16 جنيهاً (350 جراما)، ومسحوق الغسيل من 20 جنيهاً إلى 25 جنيهاً للعبوة، واللبن الجاف من 20 جنيهاً إلى 25.5 جنيهاً (125 جراما). وبذلك، تكون أسعار بيع السلع الأساسية على بطاقات التموين المدعومة قد تضاعفت تقريباً، مقارنة بمتوسط أسعارها بداية عام 2022، مع ثبات مبلغ الدعم بقيمة 50 جنيهاً (نحو 1.6 دولار) لأول 4 أفراد مقيدين على البطاقة، و25 جنيهاً للفرد الخامس، على أثر فرض أكثر من زيادة على أسعار بيع السلع الهامة مثل الأرز والسكر وزيت الطعام.

 

انتهاكات ضد العمال

ويتعرض العمال في مصر لانتهاكات جسيمة على مدار العقود الماضية حين اغتضب الجنرالات حكم مصر بانقلاب عسكري في يوليو 1952م، ثم انقلاب يوليو 2013م. وخلال الشهور الماضية نظم آلاف العمال في عدد من الشركات احتجاجات موسعة بسبب تآكل قيمة الأجور والمرتبات في ظل انخفاض قيمة الجنيه للنصف منذ مارس 2022م.

وفي رمضان الماضي (مارس إبريل 2023)، امتنع نحو ثمانية آلاف من عمال شركة غزل المحلة عن تقاضي "منحة رمضان، احتجاجًا على قلة قيمتها باحتسابها على الراتب الأساسي للعمال، الذي تغير على مدار السنوات. وطالبوا بصرف زيادة في الأجر بقيمة ألف جنيه كان قد أقرها السيسي لجميع العاملين في الحكومة. لكن الشركة تحايلت على تنفيذ القرار، بادعاء أنه "لا ينطبق على العاملين بالقطاعين العام والأعمال العام"، ما أثار غضب العمال ودفعهم الاحتجاج والامتناع عن صرف المنحة.

وفي 28 فبراير2023م رصدت دار الخدمات النقابية في تقرير لها غطى العمل الرسمي فقط، وقالت إنها تمكنت من إحصاء عشرة آلاف و634 انتهاكًا خلال العام الماضي (2022)، تركزت الغالبية العظمى منها في القطاع الخاص بما يعادل تسعة آلاف و722 انتهاكًا، يليه قطاع الأعمال العام بحوالي 900 انتهاكًا، ثم القطاع الحكومي 12 انتهاكًا. وجاء تأخر الرواتب على رأس الانتهاكات، ثم خصم الراتب، وتخفيض منحة العيد وإلغاء منحة الغلاء، ثم تصفية العمالة والفصل التعسفي. وتركزت الانتهاكات وفقًا للتقرير في النشاط الصناعي بشكل أساسي، وخاصة الصناعات المعدنية، حيث بلغ عدد الانتهاكات بها نحو 4843 انتهاكًا، وتلاها في الترتيب صناعات الغزل والنسيج والمفروشات والملابس بـ2649 انتهاكًا، ثم 2500 انتهاك في صناعات الأجهزة الكهربائية، و100 انتهاك في مجال الصيد، ثم 12 انتهاكًا في مجال الخدمات الصحية، وأخيرًا عشرة انتهاكات في مجال صناعة الطوب. وأضافت أن الانتخابات النقابية التي جرت العام الماضي (2022) شهدت استبعاد 1500 عامل من الترشح، وفقًا لإحصاء استند إلى عدد الشكاوى المقدمة لوزارة القوى العاملة، وتمكنت الدار من الوصول إليها. وتباينت أسباب الاستبعاد كما جاء في التقرير بين أسباب أمنية غير مفهومة أو مبررة في معظم الأحوال، واعتبارات لصالح أفراد بالاتحاد العام لنقابات عمال مصر الموالي للحكومة، ومجالس إدارة اللجان النقابية التابعة للاتحاد نفسه، وأحيانًا لاعتبارات شخصية أو انتقامية، حسب التقرير.

وبتحليل نسبة التضخم السنوي الذي يصل إلى نحو 32% وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ونحو 40% حسب البنك المركزي، فإن العمال فقدوا فعليا نصف دخولهم على  الأقل بسبب نسبة الغلاء الفاحش الذي طال جميع السلع والخدمات بنسب تصل إلى نحو 100%، وسط شكوك واسعة في المعدل الحقيقي للتضخم في ظل انعدام الثقة في الأرقام الرسمية التي تعلنها الحكومة والجهات التابعة لها.

الأنين المكتوم

ويحذر تحالف أمانات عمال الأحزاب المصرية، عبر في بيان رسمي له، من تداعيات الأوضاع المأزومة، معبرا عن أنين العمال المكتوم، برفض نسبة العلاوة التي وصفها بـ"الزهيدة"، ودان مخالفة المجلس القومي للأجور، لقانون العمل، بينما هو الجهة المنوط بها "وضع الحد الأدنى للعلاوات السنوية الدورية بما لا يقل عن 7% من الأجر الأساسي الذي تحسب على أساسه اشتراكات التأمينات الاجتماعية"، بينما تم الإعلان عن صرف 3% فقط من الحد الأدنى لقيمة الاشتراك التأميني. وحذر التحالف، في بيانه من أنّ "ما حدث من بعض الاحتجاجات العمالية خلال الفترة الماضية، والتي واكبت الحالة الجنونية التي لحقت بسوق الأسعار في مصر، ما هي إلا بداية؛ نظراً لما تعانيه الأسر المصرية جراء ضيق تدني قدرتهم على الوفاء بالاحتياجات الأساسية"، معلناً رفضه "النسبة التي أقرها المجلس القومي للأجور للعلاوة السنوية، كذلك الحد الأدنى المقدر بـ 2700 جنيه للقطاع الخاص و3000 للعاملين بالدولة، حيث إنها أصبحت نسبة لا تتوافق مع الارتفاعات الجنونية للأسعار".

كان انتحار أحد عمال شركة يونيفرسال بمدينة السادس من أكتوبر في 22 فبراير2022م، قد أجج الغضب العمالي الذي تجسد في تظاهرات احتجاجية قامت القوات الأمنية بتفريقها بالقنابل المسيلة للدموع، مع القبض على ثلاثة عمال قبل إطلاق سراحهم ليلاً. وأرجعت الدار في تقريرها، أزمة العمال في مصر، إلى "تعسف أصحاب العمل الذين يضربون بمعايير العمل الأساسية عرض الحائط، بل وبقانون العمل المصري ذاته، بينما تتراخى الأجهزة الحكومية وربما تتواطأ على مخالفة القانون وإهدار حقوق العمال". هذه الأزمات العمالية المكتومة، ترجع أيضًا إلى عدم السماح للعمال بتكوين لجانهم النقابية التي تعبر عنهم داخل الشركات والمصانع، ومن ثم تنظيم أنفسهم في نقابات وكيانات عمالية تدافع عنهم. فعلى سبيل المثال؛ عمد عمال شركة يونيفرسال إلى تأسيس منظمة نقابية، واستكملوا جميع إجراءاتها لدى مديرية القوى العاملة منذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، غير أن المديرية استنكفت عن إيداع الأوراق وتسجيل منظمتهم النقابية إلى ما بعد واقعة الانتحار والإضراب في أبريل/نيسان من العام الماضي. وهو ما حدث أيضًا عمال مع شركة النيل للمواد العازلة بالإسكندرية (بيتونيل) التي شرع عمالها في تأسيس لجنتهم النقابية، إلى مديرية القوى العاملة بالإسكندرية في سبتمبر/أيلول 2021، وحصلوا منها على ما يفيد تسلمها الأوراق، غير أنها أيضاً عطلت تسجيل منظمتهم النقابية واكتسابها شخصيتها الاعتبارية.