يقبع عمال مصر في ظروف حالكة تحت حكم العسكر، في عيدهم الذي يوافق أول مايو من كل عام، وسط معاناة تتزايد يوما تلو الآخر، حيث تتفاقم الأزمات وتقل فرص العمل ويضيق هامش الحريات ، مع نظام متوحش رأسماليا لا يعرف للعامل حقا أو مزايا، فيما تتنزل المزايا والنعم على ثلة من اللواءات تخلوا عن العسكرية وحماية الحدود، وتفرغوا للبزنس العسكري الذي ابتلع أكثر من 60% من اقتصاد مصر وشركاتها ومشاريعها، مستبدلا العمال والموظفين بثلة من المجندين من جنود السخرة ، الذين يعملون بلا حقوق أو رواتب أو أي شيء أساسا.
ومع ذلك التفرد والسيطرة الشديدة للعسكر على مفاصل الدولة، التي سقطت في فخ الديون، ذهب النظام مسرعا نحو بيع أصول مصر والتخلي والانسحاب من الأنشطة الاقتصادية التي كان يعمل بها عمال مصر، ضمن محاولات إنقاذ اقتصاد السيسي المنهار، فوجد آلاف العمال أنفسهم بالشارع بلا مأوى أو عمل.
ويقف عمال مصر في يوم عيدهم، بمواجهة سيل من الأزمات العاتية التي تهدد أقواتهم وتهدد أسرهم في ظل حكم العسكر.
محاولات تلطيف الأزمات
على الرغم من المآسي الكبيرة التي يواجهها عمال مصر منذ الانقلاب العسكري، سعى السيسي لمحاولة تلطيف الأجواء المأزومة عبر الإعلان عن إنشاء صندوق إعانة الطوارئ للعمالة غير المنتظمة، وتفعيل عمل الصندوق فور انتهاء الإجراءات القانونية بصرف 1000 جنيه إعانة عاجلة، وإصدار وثيقة جديدة من شهادة "أمان" لتغطية التأمين على الحياة وإصابات العمل للعمالة غير المنتظمة، وأخيرا الالتزام بالنسبة المقررة قانونا 5% لتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي إجراءات لا تحل أزمات العمال في مصر، بل تسعى لإطفاء الحرائق الناجمة على سياسات القمع السلطوي التي يتبعها السيسي ضد العمال والشركات والإنتاج المتراجع، إثر غياب المنهجية الصحيحة في التعاطي الاقتصادي مع الواقع المصري، حيث تعددت جرائم السيسي بحق العمال، من اعتقالات وتشريد الآلاف وإغلاق أكثر من 10 آلاف مصنع مؤخرا بسبب الغلاء وندرة المواد الخام الداخلة في الصناعة ورفع أسعار الطاقة والوقود وزيادة تكاليف النقل وغيرها من اليات تدمير الصناعة والإنتاج بمصر، ومع ذلك، بقيت الحقوق النقابية في الاعتراض أو الاحتجاج السلمي مجمدة، مع غياب أي دور سياسي للنقابات في مصر.
عيد العمال
ويعود أصل الاحتفال بعيد العمال في العالم إلى عام 1869 عندما نجح في أميركا عمال صناعة الملابس بفيلادلفيا ومعهم بعض عمال الأحذية والأثاث وعمال المناجم ومنظمة "فرسان العمل" في تشكيل كيان نقابي يكافح من أجل تحسين الأجور وتخفيض ساعات العمل.
ومع تطور الحركة النقابية الأميركية نجحت مجموعة من القيادات النقابية في تكوين هيئة قومية للعمال عام 1886 وهي "الاتحاد الأميركي للعمل" وتبنى هذا الاتحاد الدعوة لاعتبار يوم الأول من مايو 1886 يوما للإضراب العام من أجل مطلب يوم العمل ذي الثماني ساعات في جميع الصناعات.
وجاء أول مايو 1886 ليشهد أكبر عدد من الإضرابات العمالية في يوم واحد في تاريخ أميركا، حيث وصل عدد الإضرابات التي أعلنت في هذا اليوم نحو خمسة آلاف إضراب. واشترك في المظاهرات 340 ألف عامل، وكان الشعار المطلبي المشترك لأحداث هذا اليوم هو "من اليوم ليس على أي عامل أن يعمل أكثر من 8 ساعات".
أجور ضعيفة لعمال مصر
وخلال الفترة الأخيرة، شهدت احتجاجات بسبب ضعف الرواتب والدخول والعلاوات الخاصة الممنوحة لهم، مقابل التضخم الكبير والمستمر في الأسعار ودخل عمال البنك العربي الأفريقي، في إضراب عن العمل في 12 إبريل بسبب أزمة في زيادة الرواتب، وتجاهل البنك لمطالب نحو 100 من العاملين لتوفيق أوضاعهم، وزيادة الرواتب بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية الراهنة، رغم الوعود المتكررة من إدارة البنك بتسوية الأزمة.
وقبلها، امتنع نحو ثمانية آلاف من عمال شركة غزل المحلة عن تقاضي منحة رمضان، احتجاجا على قلة قيمتها باحتسابها على الراتب الأساسي للعمال، الذي تغير على مدار السنوات.
وفي واقع الأمر، هذه الاحتجاجات العمالية، على قلتها خشية القبضة الأمنية الحديدية في مصر منذ صيف 2013 فإنها تعبر بصدق عن أغلب قطاعات العمال والعاملين والموظفين في مصر.
انخفاض قيمة الجنيه
وزادت معاناة العمال المصريين مع تأزم الأوضاع الاقتصادية وانهيار قيمة الجنيه إثر التعويم لثلاث مرات متلاحقة.
فمع انخفاض قيمة الجنيه المصري ارتفعت معدلات التضخم على نحو غير مسبوق، ما أدت لتزايد الأعباء على العمال الذين تأتي احتفالات عيدهم اليوم وقد تضاعفت أزماتهم.
ومع تزايد التضخم، أصبح العامل الذي حصل على علاوة سنوية قيمتها 7%، فقط انخفض أجره فعليا بنسبة 24.2% أي حوالي الربع.
بل أصبحت العلاوات السنوية نسبة لا تتوافق مع الارتفاعات الجنونية للأسعار.
10 آلاف انتهاك عمالي
ورغم اشتداد القبضة الأمنية عاما تلو الآخر، فقد تصدى العمال في مصر لأكثر من عشرة آلاف انتهاكا خلال عام 2022، طبقا لرصد دار الخدمات النقابية والعمالية، الذي وثق 10634 انتهاكا بحق العمال، فصلها في 900 انتهاك متمثل في تصفية العمالة، و6762 انتهاكا متمثلا في تأخر صرف الرواتب، و94 انتهاكا متمثلا في الفصل التعسفي، و76 انتهاكا متمثلا في قرارات وقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، وغيرها من الانتهاكات.
وأجج انتحار أحد عمال شركة يونيفرسال بمدينة السادس من أكتوبر يوم 22 فبراير 2022، الغضب العمالي الذي تجسد في تظاهرات احتجاجية قامت القوات الأمنية بتفريقها بالقنابل المسيلة للدموع والقبض على العمال.
وأرجعت الدار في تقريرها، أزمة العمال في مصر، إلى تعسف أصحاب العمل الذين يضربون بمعايير العمل الأساسية عرض الحائط، بل وبقانون العمل المصري ذاته، بينما تتراخى الأجهزة الحكومية وربما تتواطأ على مخالفة القانون وإهدار حقوق العمال.
هذه الأزمات العمالية المكتومة، ترجع أيضا إلى عدم السماح للعمال بتكوين لجانهم النقابية التي تعبر عنهم داخل الشركات والمصانع، ومن ثم تنظيم أنفسهم في نقابات وكيانات عمالية تدافع عنهم
بيع الأصول والمصانع
وتحت وطأة الديون المتراكمة التي وصلت لأكثر من 162 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الجاري ، وفوائدها المتراكمة التي تنهش عوائد مصر ، ومع تزايد الفجوة التمويلية التي تجاوزن 42 مليار دولار حتى يونيو المقبل ، وتوقف المساعدات والقروش الدولية الواردة للسيسي ، لجأ النظام لجذب الأموال من الخارج عبر بيع الأصول الناجحة والتي تدر أرباحا فعلية لمصر، ضمن خطة الحكومة للتخلي عن أصول الدولة الاقتصادية، وهو ما تضمنته وثيقة ملكية الدولة المصرية، والتي بدأت تطبيقها بطرح 32 شركة رابحة للبيع والطرح للأجانب ، وهو ما يشمل قطاعات استراتيجية كالأسمدة والموانئ والشحن البحري والزراعة والنسيج والأدوية والخدمات المالية وغيرها.
وهو ما يعني التخلي عن الآلاف العمال والموظفين، وهو ما يرفع نسب البطالة بين المصريين لأكثر من 30% وفق الإحصاءات الرسمية.
أما العمالة غير المنتظمة في مصر، التي تضم بين 10 و12 مليون عامل، بات الكثير منهم من دون عمل أو دخل أو تعويض، وفق وزارة القوى العاملة.
وفي وقت سابق، رصدت العديد من المنظمات الحقوقية ، بينها مركز الشهاب لحقوق الإنسان – SHR ، مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان– JHR ، السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان -SPH – وقف العديد من العمال عن العمل وخاصة عمال اليومية، كما قللت المصانع أعداد العاملين لديها وتم إيقاف صرف رواتب هؤلاء العاملين.
وهكذا تسير مصر وعمالها إلى مجهول كبير ملئ بالأزمات والإشكالات.