جولة إعادة بين أردوغان وأوغلو.. قراءة في نتائج الانتخابات التركية

- ‎فيتقارير

أعلنت هيئة الانتخابات التركية الإثنين 15 مايو 2023م، إجراء جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية يوم 28 مايو/أيار الجاري بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (المرشح عن تحالف الجمهور) ومنافسه الرئيسي كمال كليجدار أوغلو (المرشح عن تحالف الشعب). وقال رئيس هيئة الانتخابات التركية أحمد ينار إن أردوغان حصل على 49.51% من الأصوات، في حين حصل كليجدار أوغلو على 44.88%، بحسب النتائج غير النهائية. ولم يتمكن الرئيس التركي من حسم الصراع على الرئاسة من الجولة الأولى كما فعل في انتخابات عامي  2014 و2018م. ووفقا لرئيس هيئة الانتخابات، فقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات داخل البلاد 88.92%، في حين بلغت 52.69% خارج البلاد.

وحلَّ المرشح القومي المتطرف "سينان أوغان" في المركز الثالث والأخير فعليا بنسبة 5.25%، وهو مرشح تحالف "الأجداد" (ATA) الذي لم ينجح في الحصول على أكثر من 2.5% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية التي جرت بالتوازي مع الرئاسة. أما المرشح "مُحرَّم إنجه" فلم يحصل على أكثر من رُبع مليون صوت لم تتجاوز النصف في المئة، بسبب إعلانه الانسحاب من السباق الرئاسي في اللحظات الأخيرة، إذ لم يكن أمام لجنة الانتخابات فرصة لرفع اسمه من بطاقات الاقتراع قبل موعد الانتخابات. وقد صرَّح أوغان بعد خروجه المتوقع من السباق بأنه سيمنح ثقته في الإعادة للمرشح الأشد تمسُّكا بمواجهة التنظيمات الإرهابية مثل حزب العمال وحركة فتح الله كولن، ما فسَّره البعض بأنه انحياز ضمني للرئيس التركي أردوغان.

بناء على هذه النتائج شبه النهائية فإن كلا التحالفين (الجمهور والشعب) سوف يتنافسان على أصوات المرشحين الخاسرين والتي تصل إلى نسبة 6% ، كما يتنافسان على نحو 11% الذين لم يصوتوا في الجولة الأولى. ويتجه كلا المرشحين إلى الفوز بدعم المرشح القومي الخاسر سنان أوغان مرشح تحالف "الأجداد" (الذي حصل على (5.25%) من الأصوات؛ حيث يحتاج أردوغان إلى 1% فقط من هذه الأصوات، بينما يحتاج أوغلو إلى  كل هذه الأصوات للفوز بالرئاسة. وراح كثيرمن الخبراء في تحليل تصريحات أوغان بعد الخسارة لمعرفة اتجاهه في جولة الإعادة الثانية؛ حيث تحدث عن   إمكانية دعمه للمرشح الرئاسي كليجدار أوغلو في حالة الذهاب إلى جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية، وذلك إذا لم يتم تقديم أي تنازلات للطرف الكردي. وقال أوغان في تصريحات صحفية إن محاربة الإرهاب وإعادة اللاجئين هي أهم نقاطه للتفاوض لدعم أردوغان أو كليجدار أوغلو. وأضاف المرشح الرئاسي أن تحالف المعارضة الرئيسي لم يكن قادرًا على إقناع الناخبين بإمكانية حل مشكلات تركيا. لكن المؤكد أن رأي أوغان لن يكون مؤثرا بشكل صارم على توجهات الذين انتخبوه في الجولة الأولى.

من الأسباب التي أدت إلى تراجع التصويت للرئيس أردوغان التداعيات المؤلمة للأزمة الاقتصادية والتي طالت جميع دول العالم بنسب متفاوتة، وكان لها تأثير حاد على كثير من الأتراك ورغم ذلك  فإن التأييد للرئيس التركي تراجع بنحو 3% فقط عن الانتخابات الماضية.  لكنها كانت كافية لحسم الصراع من الجولة الأولى. كذلك فإن طول الفترة التي بقي فيها أردوغان على رأس السلطة وصدارة المشهد السياسي دفع أجيال جديدة عاشت في اجواء الديمقراطية التركية ولم تر العنصرية والفشل الذي كان قائما قبل فترة حكم العدالة والتنمية؛  وهي الأجيال التي قد تتأثر بعبارات التغيير ومثل هذه العبارات الرنانة. ومن العوامل المهمة التدخل الخارجي في الانتخابات التركية لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما والذين يريدون الإطاحة بالرئيس التركي والمجيء بنظام حكم ينصاع للغرب وسياساته وتوجهاته ومعروف عن حزب الشعب الجمهوري أنه على الدوام خادم للسياسات الغربية وقد نجح الأمريكان في لم شمل المعارضة التركية في تحالف قوى واحد يضم 6 أحزاب وكانوا حريصين كل الحرص على أن يضم هذا التحالف أحزابا وشخصيات محسوبة على الإسلاميين من أجل كسر حدة الصراع الإسلامي العلماني لأنهم يعرفون جيدا أن العامل الأهم في الانتخابات التركية هو العامل الإيديولوجي الديني، وأن حزب العدالة والتنمية يحظى بكتلة صلبة من المتدينين المحافظين الذين يتذكرون جيدا كم  تم اضطهادهم تحت حكم الشعب الجمهوري منذ انقلاب مصطفى كمال اتاتورك على الخلافة العثمانية وإقامة جمهورية علمانية متطرفة تعادي الإسلام وكل قيمه ومعتقداته وشعائره. وللأسف سمح هؤلاء القادة والرموز مثل أحمد داود أوغلو وعل باباجان وحزب السعادة الذي أسسه الزعيم الإسلامي الكبير نجم الدين أربكان أن يكونوا جزءا من تحالف الشعب الجمهوري العلماني من أجل الفوز بعدة مقاعد برلمانية!

على كل حال فإن جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية لن تكون سهلة، ولكن بالنظر إلى مؤشرات التصويت في الجولة الأولى، يبدو الرئيس أردوغان أقرب إلى الاحتفاظ بمقعده، فهو بحاجة إلى أقل  من 1% فقط من (16%) من أصوات الناخبين الذين انتخبوا مرشحين خاسرين في الجولة الأولى أو أولئك الذين قاطعوا الانتخابات برمتها. وهي نسبة ليست كبيرة قد يكون الرئيس التركي قادرا على تأمينها.

وإذا تمكن  أردوغان من الفوز  وهو قريب من ذلك فعلا يتعين عليه في فترة رئاسته الجديدة أن يولي اهتماما كبيرا  بخليفته في قيادة العدالة والتنمية والذي سيكون مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة،  فإن ضمان استمرار الحزب بأفكاره وسياساته يحتاج إلى صف جديد من القيادات التي تحظى بكاريزما عالية كتلك التي يحظى بها أردوغان وهو أمر ليس هينا على الإطلاق.