تتجه حكومة الانقلاب إلى بيع عدد من محطات الكهرباء التي أنشأتها خلال سنوات ما بعد الانقلاب بقروض باهظة وهي المحطات التي تباهى بها جنرال الانقلاب السفاح عبدالفتاح السيسي ولايزال حتى اليوم. جاء ذلك في اجتماع عقده مجلس الوزراء برئاسة الانقلاب مصطفى مدبولي لمتابعة الموقف التنفيذي لبرنامج الطروحات الحكومية في قطاع الكهرباء، الاثنين 15 مايو 2023م، في حضور وزير الكهرباء محمد شاكر، ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد، ووزير المالية محمد معيط، ورئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر جابر الدسوقي، والمدير التنفيذي للصندوق السيادي أيمن سليمان، ومجموعة من المستشارين القانونيين والمسؤولين في عدد من الوزارات المعنية.
وحسب بيان صادر عن مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب تحدث مدبولي عن الأهمية التي توليها الحكومة لبرنامج الطروحات الحكومية بوجه عام، في ضوء خطة الدولة نحو تنويع مصادر الاستثمارات، وتحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية بهدف دفع عجلة النمو، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في السوق المحلية.
وقال مدبولي إن الاجتماع يأتي في إطار المتابعة المستمرة لإجراءات وطروحات عدد من الشركات ضمن برنامج الطروحات الحكومية، وذلك استناداً إلى وثيقة سياسة ملكية الدولة الهادفة إلى تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وخلق البيئة الاقتصادية الداعمة والجاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية في مختلف القطاعات.
وتناول الاجتماع ــ حسب البيان ــ مناقشة الموقف الخاص بالشركات التي يجرى طرحها (للبيع) في قطاع الكهرباء، ومنها ما يتعلق بطرح محطة كهرباء "سيمنز" في محافظة بني سويف (جنوب)، في ضوء توجيه رئيس الوزراء بسرعة اتخاذ الإجراءات التنفيذية المتعلقة بطرح أسهم المحطة أمام المستثمرين. كما تطرق الاجتماع إلى الخطوات التنفيذية المتخذة لطرح محطة توليد الطاقة من الرياح في منطقة جبل الزيت، الواقعة على الضفة الغربية لخليج السويس على ساحل البحر الأحمر على بعد 80 كيلومتراً شمال مدينة الغردقة، وما اتُخذ من إجراءات في هذا الشأن من قبل اللجنة المشكلة للتفاوض مع الراغبين بالاستثمار في هذه المشروعات.
وفي فبراير 2023م، أعلن مدبولي عن طرح 32 شركة مملوكة للدولة على مدار عام كامل، وذلك لمستثمرين استراتيجيين أو للاكتتاب العام في البورصة المصرية أو كليهما، ضمن محاولات الحكومة لتأمين تدفقات من النقد الأجنبي، وأيضًا التزامًا بتخارج الدولة من بعض القطاعات الاستراتيجية تحت مظلة اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على برنامج لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري يدعمه الصندوق بقرض يبلغ حوالي ثلاثة مليارات دولار. وبحسب مدبولي، فإن الخطة تشمل ثلاث محطات لتوليد الكهرباء: محطة بني سويف التي تعمل بالغاز الطبيعي، ومحطتي جبل الزيت والزعفرانة لتوليد الكهرباء من الرياح.
وفي ظل أزمة الكهرباء التي برزت في أعقاب ثورة يناير بسبب نهاية العمر الافتراضي لمحطات الكهرباء القديمة والانقطاع المتكرر للكهرباء؛ توسعت حكومة الانقلاب منذ 2014 في إنشاء عدد من المحطات عبر التوسع في الاقتراض والاستدانة؛ لدرجة أن الحكومة أقامت محطات توليد تعادل ضعف قدرات التوليد من المحطات التي كانت موجودة في مصر قبيل عام 2014، وارتفع الإنتاج من 28 الف ميجاوات إلى 60 ألفا رغم أن مصر لم تكن تحتاج لأكثر من 32 ألف ميجا واط فقط! ومولت محطات الكهرباء الثلاث التي تولت شركة "سيمنز" الألمانية إقامتها في مصر من خلال قروض دولية ومحلية، تصل قيمتها إلى 7.3 مليارات دولار (نحو 226 مليار جنيه). وقدمت مصارف "التعمير الألماني"، و"دويتشه بنك" الألماني، وفرع "إتش إس بي سي" في ألمانيا، تمويلاً بقيمة 4.1 مليارات يورو تعادل 85% من إجمالي التمويل المطلوب.
شركات أمريكية وصينية
وسبق لوزير الكهرباء المصري محمد شاكر، أن أعلن في مايو 2019، عن وجود 3 شركات أبدت اهتماما بشراء المحطات الثلاث، إحداهما أميركية والأخريان ماليزية وهي "بلاك ستون"، و" إدرا" التابعة لشركة الطاقة النووية الصينية، التي تدير 3 حاليا محطات حرارية في مصر، إلا أن الحوار حول بيع المحطات الثلاث ظل في طي الكتمان، حتى أعاد الوزير نفس تصريحات رئيس الوزراء في الساعات الأخيرة، من ليلة رأس السنة.
"9" مليارات دولار ديون الكهرباء
وكشف وزير الكهرباء في تصريحاته، أسباب رغبة الحكومة في البيع العاجل للمحطات الثلاث أو جزء كبير منها على الأقل، التي تقادمت زمنيا بنحو 5 سنوات، سواء لمستثمر رئيسي أو الاكتتاب العام بالتعاون مع صندوق مصر السيادي، بقوله: "إن شركة سيمنز، تدير المحطات، بموجب عقد مدته 8 سنوات، وتبيع الكهرباء المنتجة، للشبكة الموحدة، بينما أعلن المدير التنفيذي لمشروعات "سيمنز" في مصر، عماد غالي، في اليوم ذاته، أن شركته، ملتزمة، بتشغيل المحطات حتى عام 2024". فهناك التزام مصري بدفع تكاليف الإنشاء والتشغيل والصيانة طوال هذه الفترة، بالعملة الصعبة، من خلال اتفاق مكمل لعقد الإنشاء الذي وقعته مصر مع سيمنز، التي استطاعت توفير التمويل للحكومة، في ظروف مالية وسياسية ضاغطة، من بنوك "دويشه بنك، وHSBC وبنك AGKFW-IPEX" بمبلغ 6.2 مليارات يورو، ارتفعت إلى 8 مليارات يورو (9 مليارات دولار)، كما ذكرت وكالة "بلومبيرغ" على لسان الوزير، بما يمثل 85% من قيمة المحطات الثلاث وتكلفة عقد التشغيل والإدارة والصيانة الذي ينتهي خلال 6 أشهر. وهي نفس قيمة الديون التي أعلن عنها وزير الكهرباء، العام الماضي أثناء تبريره رفع أسعار الكهرباء للمرة الخامسة خلال الفترة من 2014 إلى 2021، بأن قطاع الكهرباء مطالب بدفع 8 مليارات دولار للموردين الأجانب.
شراء الشرعية
ويرى قطاع واسع من الخبراء والمتخصصين أن حكومة السيسي لتسويق شرعيتها بعد الانقلاب أنقذت شركة "سيمنز" من مشاكل مالية كانت تواجهها، بمنحها صفقة وصفتها الشركة الألمانية بأنها "غير مسبوقة"، بعد التوسع الهائل في إنشاء محطات توليد الكهرباء في مصر خلال الفترة من 2014 إلى 2018، حيث وصل الإنتاج الكلي للشبكة الكهربائية الموحدة إلى 60 ألف ميغاواط، عدا ما أضافته مشروعات الإحلال والتجديد والطاقة المتجددة بنحو 3 آلاف ميغاواط.
في يوليو 2018، افتتح السيسي محطة كهرباء بني سويف ضمن ثلاث محطات أنشأتها شركة سيمنز الألمانية بالتعاون مع أوراسكوم كونستراكشن والسويدي إليكتريك، لتوليد 14.4 جيجاوات كهرباء من الغاز الطبيعي، بتكلفة إجمالية تصل إلى ستة مليارات يورو، أي ما يعادل حوالي ملياري يورو لكل محطة. وبدأت الشركة القابضة للكهرباء سداد أول دفعة من قروض البنوك الألمانية في 2019، في صورة دفعات دورية تتراوح بين 20 و30 مليون يورو لكل دفعة على مدار 12 عامًا، ما يعني استمرار الديون حتى 2031. كان هذا العبء المالي، بالإضافة إلى الوفورات التي تحققت من إنتاج الكهرباء، وراء قرار الحكومة بمحاولة بيع المحطات الثلاثة، بالتزامن مع بدء سداد القرض. من جانب آخر فإن قروض قطاع الكهرباء من البنوك المحلية والعالمية كانت الأعلى في مصر حتى عام 2021، قبل أن تنافسها قروض قطاع النقل. وبلغت قروض الكهرباء نحو 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2019-2020، وهي ضمن الديون السيادية التي تضمنها وزارة المالية، والبالغة نحو 20.4% من الناتج الإجمالي للدولة.
عقبات على طريق البيع
وتبقى هناك مشكلات عدة تواجه عملية البيع؛ أولها يتعلق بالموقف من الديون المستحقة على هذه المحطات؛ هل تتحملها الحكومة أم المستثمر الجديد؟ وثانيها يتعلق بعدم حاجة مصر أصلا لإنتاج هذه الشركات من الكهرباء في ظل الوفورات الموجودة فعلا في إنتاج الكهرباء حاليا؛ فلمن يبيع المستثمر الجديد إنتاج هذه المحطات؟ بالإضافة لذلك، فإن تواجد فائض في الكهرباء المنتجة محليًا، يعني غياب الطلب بالشكل الذي يحقق ربحًا كافيًا للمستثمرين ما إن لم تشترِ منه الحكومة الطاقة بسعر مناسب. وثالث المشكلات تتعلق بأهمية قطاع الكهرباء كقطاع حيوي إستراتيجي يتعلق بالأمن القومي والتفريط فيه لمستثمرين أجانب هو تنازل عن جزء من سيادة الدولة وقدرة الحكومة على امتصاص الغضب الاجتماعي من خلال التحكم في الأسعار صعودا وهبوطا حسب الوضع الاجتماعي والاقتصادي.