انتصار الديكتاتور.. ما مصير الربيع السوري بعد عودة بشار إلي حضن جامعة الخريف العربي؟

- ‎فيتقارير

لم يستح بشار الأسد الذي قتل الآلاف من أبناء شعبه وشرد أضعافهم ودمر البنية التحتية لبلاده إضافة إلى تدمير البشر، في أن يجلس منتشيا في الجلسة الافتتاحية لما زال يعرف، بدون سبب مفهوم، بـ"القمة العربية"، بعد أن استقبل استقبال الفاتحين من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عقب قطيعة استمرت سنوات كانت عقابا على الجرائم التي ارتكبها في حق شعبه لم يعتذر عنها أو يداوي ما يمكن أن يداوى منها، حتى الآن. 

عودة بشار إلى القمة العربية أو ما وصفه بـ"حضن العرب" كانت استجابة لضغوط روسية، وفيما جلس مع رفيقه في القتل عبد الفتاح السيسي والمنقلب قيس سعيد، أبدى أمير قطر حمد بن تميم رفضه الموافقة على جرائم بشار عمليا؛ بانسحابه من الجلسة الافتتاحية قبل أن يبدأ القاتل كلمته التي زعم فيها أن "المصالحة التي حدثت فرصة للتخلص من التدخلات الأجنبية"، بينما تعتبر بلاده مستودعا لكافة القوى الدولية التي تعبث بها دون رقيب وتحدد مصير أبنائه الذين ما يزالون في الداخل بعد أن هرب عدد كبير منهم إلى بلاد الشتات التي فضلوها على البقاء تحت مقصلة بشار الأسد ونظامه. 

في العام 2010 تاريخ آخر قمة حضرها الأسد في مدينة سرت الليببة، يبدو المشهد وكأنه ينتمي لعصر آخر، آنذاك كان الزعيم الليبي معمر القذافي يرأس القمة العربية بحضور رؤساء أطيح بهم بعد ذلك في خضم ثورات الربيع العربي، بعضهم مات كالمخلوع مبارك والتونسي زين العابدين بن علي والجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وبعضهم قتل كالليبي معمر القذافي واليمني علي عبد الله صالح، فيما يرزح المخلوع السوداني عمر البشير في السجن.

وحده بشار الأسد الذي شهدت بلاده أعتى حرب استنزاف شعبية في القرن الحالي أعقبت ثورة سلمية لا يزال في سدة الحكم، بعد أن تجاوز الأسوأ بحلول عام 2015، حين فقدت قواته السيطرة على غالبية أنحاء البلاد لصالح معارضيه وتنظيمات مخابراتية زج بها لخلط الأوراق وعدم إنجاح الثورة، علي رأسها تنظيم الدولة أو ما بات يعرف ب "داعش".

أتاح تدخل روسيا آنذاك، والذي سبقه دعم إيراني مباشر، استعادة النظام المنبوذ شعبيا السيطرة على الكثير من أنحاء البلاد بمسرحية هزيمة داعش في مارس عام 2019، ومحاصرة المعارضة في مناطق محدودة في محافظتي إدلب وريف حلب، ووضع غير محسوم في مناطق شرقي نهر الفرات، الذي ظل عملياً تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية بدعم أمريكي، مع وجود لقوات النظام والقوات الروسية في بعض المدن والمناطق الحدودية.

لعبت السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان الجهد الأبرز لإقناع المترددين من الدول العربية بقبول دعوة الأسد للقمة العربية، وتوجت قبل شهر بزيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لدمشق.

ومن الملفات التي تؤرق دول الجوار السوري وتحديداً الأردن ولبنان وتركيا، هو ملف اللاجئين، إذ تستضيف هذه الدول ملايين السوريين الذين فروا من مناطقهم منذ عام 2011، وتأمل الدول العربية أن تضمن عودة الجزء الأكبر من هؤلاء اللاجئين ضمن ترتيبات وضمانات يوفرها النظام، وهو ما وعد به وزير الخارجية السورية فيصل مقداد خلال حديث إعلامي له في السعودية على هامش اجتماعات وزراء الخارجية العرب، دعا فيه اللاجئين للعودة إلى سوريا.

ويقول الرئيس الأسبق للائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب إن التجارب السابقة في هذا الخصوص لا تشجع، ويشير إلى الضمانات التي قدمتها دمشق عبر روسيا عقب دخولها مناطق درعا وريفها عام 2018، والطريقة التي تم التعامل فيها لاحقاً مع المقاتلين والمدنيين على حد سواء.

ملايين نازح يعيشون في مناطق المعارضة في مخيمات في أقصى شمال غربي سوريا، ويتابع هؤلاء بقلق التطورات التي قادت لدعوة الأسد إلى القمة العربية وكيف ستكون تبعاتها على أوضاعهم مستقبلاً.

وجزء كبير من هؤلاء النازحين غادروا مناطق سكنهم إما نتيجة هجمات القوات الحكومية كما في حمص وحماة، أو ضمن تسويات تم بموجبها تسليم مناطقهم للقوات الحكومية مقابل تأمين مغادرتهم لشمال غربي سوريا كما في مناطق كثيرة في ريف دمشق كالغوطة وداريا والقلمون، أو إلى الجنوب في درعا وريفها.

ويرفض أبو ياسر الذي نزح مع ابنه إلى بلدة أطمة الخطوة العربية بالانفتاح على دمشق، ويقول إنهم حوصروا في بلدة داريا لأعوام، وقدموا الكثير من القتلى والجرحى والمعتقلين، ورفضوا حينها كل الدعوات للتصالح، متسائلاً كيف سيقدمون على هذه الخطوة اليوم وهم في الشمال؟!! مؤكداً أن غالبيتهم يرفضون العودة إلى أن يسقط النظام نهائياً.

وتحتاج الكثير من المناطق التي شهدت معارك كحالة داريا إعادة إعمار شبه كاملة، تتطلب عشرات المليارات من الدولارات، وهو أمر تعول دمشق على دول الخليج العربي بمد يد العون فيه رغم العقوبات الأمريكية التي تحول دون ذلك ضمن ما يعرف بقانون "قيصر".

وتناولت صحيفة بوليتيكن الدنماركية، ملف إعادة الجامعة العربية النظام السوري إلى صفوفها في سياق تقرير مطول تطرقت فيه إلى مآلات الربيع العربي، مشيرة إلى عدم تغيير هذه العودة من واقع سورية ومستقبلها، طالما بقي نظامها نفسه.

ورأت الصحيفة أنّ نظام بشار الأسد "الذي كان في عزلة، يسعى وراء دفع فواتير إعادة البلد الذي دمره ودمر اقتصاده، بعد أن قرر الهجوم العسكري على ثورة شعبية ضد حكمه". وأشارت إلى أنّ المقاطعة الغربية ستتواصل، فـ"العزلة الدولية المفروضة منذ عام 2011 باقية، بينما علاقات النظام الخارجية من غير بعض العرب تقتصر على الصين وروسيا والهند وحكومة الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق".

وأعادت "بوليتيكن" التذكير بـ"ارتكاب الديكتاتور في سورية عمليات قتل لنحو 450 ألف إنسان وتهجير 13 مليوناً، داخل البلاد وخارجها، بعد تدميره نحو ثلث البلد بقصف شاركت فيه الطائرات الروسية بمعاونة إيران وحزب الله اللبناني وباقي مليشياتها، حيث يعيش 80% من السوريين اليوم تحت خط الفقر، وفقدت العملة 97% من قيمتها".

وفي ذات الاتجاه ذكّرت الصحيفة بأنّ تكلفة إعادة إعمار سورية "تتطلب على الأقل 400 مليار دولار، وفي أسوأ الأحوال ضعفا هذا المبلغ". وشددت على أنّ "الدول العربية ترفض تحمّل مساعدة الأسد مالياً".

وأشارت في الوقت عينه إلى أنّ "انتصار الديكتاتور، باستعادة مكانته في الجامعة العربية، لا يغيّر من واقع أنّ سيطرته على كل سورية بعيدة، ومنذ بداية العام الحالي فقط لا تزال الأوضاع في درعا (جنوب)، التي انطلقت منها الاحتجاجات في 2011، مشتعلة حيث قتل ما لا يقل عن 184 شخصاً، فيما إدلب وشرقيّ سورية خارج سيطرته، ومصير أكثر من 100 ألف معتقل أو مختفٍ معلّق".