يعاني ملايين السوريين من الحرب المدمرة واقتصادها المنهار، فضلا عن نصف مليون شهيد وملايين الضحايا من المعتقلين والمصابين والنازحين، وإلى الآن لا توجد هناك حلول حتى بسيطة لتخفيف معاناتهم، ما بقي الأسد في السلطة، في وقت تكافئ فيه الأنظمة السلطوية زميلهم السلطوي الذي ظهر في لقاءاته الحميمة بالقمة العربية في جدة الجمعة 19 مايو وكأن زملاته بهم (السيسي ومحمد بن راشد وغيرهما ) لم تتغير النظام المسؤول عن الكارثة.
وكانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية جرّمت النظام السوري وأدانته بالأدلة، بالوقوف وراء ثلاث جرائم باستخدام الأسلحة الكيميائية في مناطق متفرقة في أرياف إدلب وحماة ودمشق.
وهناك عدد من الهجمات التي استخدمت فيها الأسلحة الكيمائية، ويُتهم النظام بالوقوف وراءها، لا سيما أكبرها، مجزرة الغوطة في العام 2013، التي ما زال يجري التحقيق بشأنها.
وأثبتت تقارير غربية وتحقيقات لمنظمات دولية وحقوقية معروفة، وقوف النظام وراء تغييب وقتل الآلاف من السوريين في أقبية المعتقلات، أو الإعدامات الميدانية على الحواجز، عدا عن القصف الوحشي اليومي، الذي أدى إلى وقوع مجازر.
وقالت التقارير ومنظمات حقوقية: إن "جرائم نظام بشار الأسد وحلفائه في موسكو وطهران ومليشيات حزب الله، ترقى إلى مستوى جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، وصلت بتوصيف أممي إلى اعتبار هذا النظام نظاما مارقا، لكنها لم تمنع الدول المختلفة من إقامة علاقات معه، بل ربما مهدت أمريكا وأوروبا لمثل هذه العلاقات وسمحت بها بل وتسخدمها فقط للابتزاز لمنع أي تعويم حقيقي للنظام عند اللزوم".
يشير المراقبون أنه إلى الآن رغم ما يطال رئيس النظام بشار الأسد، والعشرات من أركان النظام من عسكريين وأمنيين ومسؤولين حكوميين عقوبات غربية وأوروبية، علاوة على العقوبات على كيانات للنظام وشركات مرتبطة به، بالإضافة إلى عقوبات على حلفائه لتدخلهم في إطار الحرب السورية لصالحه، إلا أنها كلها بلا فعالية بعد أن تعلقت بقرار مجلس الأمن، الذي تمسك به 5 دول أحدها روسيا والأخرى الولايات المتحدة عبر حق النقض.
المحامي والحقوقي السوري محمد صبرا في تصريحات صحفية قال: إن "فكرة إعادة تعويم بشار بحد ذاتها تفتقد مقومات واقعية تتعلق بقدرته على حكم الجغرافية السورية، وبمستوى قبول السوريين له، وبالتالي، حتى لو أعادت كل دول العالم علاقاتها مع بشار فإن ذلك لا يعني شيئا، ما دامت الأغلبية الساحقة من السوريين تعتبره نظاما مجرما غير شرعي، ولا يقبلون بالخضوع لحكمه".
وعن الطريق القانوني لمحاسبة النظام على المستوى الدولي، أعرب صبرا عن أسفه لأن قواعد العدالة الجنائية الدولية محكومة بمجموعة من المعايير.
وقال: "لا نستطيع المطالبة بتطبيق قواعد العدالة، من دون قبول هذه المعايير، وإحالة جرائم بشار للمحكمة الجنائية الدولية تتطلب قرارا من مجلس الأمن، لأن سورية ليست من الدول المصدقة على ميثاق روما، كما أنها لم تقبل بولاية المحكمة القانونية".
وأضاف أن "هذا لا يعني أنه لا وجود لسبيل آخر، لأن إغلاق مجلس الأمن أمام تحقيق العدالة بسبب الفيتو الروسي والصيني المزدوج، يسمح بتطوير حالة للذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لعرض الأمر وفقا لقاعدة الاتحاد من أجل السلام".
صدارة إنتاج المخدرات
وفرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية "أوفاك" عقوبات على ستة أشخاص، بينهم اثنان من أقارب رأس النظام السوري بشار الأسد، لدورهم في إنتاج الكبتاجون أو تصديره، فيما فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على 11 كيانا مرتبطا بالنظام.
وبحسب وزارة الخزانة الأمريكية، فإن العقوبات شملت كلا من سامر كمال الأسد، وهو ابن عم رئيس النظام السوري، ويشرف على منشآت إنتاج الكبتاغون الرئيسية في اللاذقية التي يسيطر عليها النظام، كما طاولت العقوبات وسيم بديع الأسد، وهو ابن عم آخر للأسد، ودعم قوات النظام في أدوار مختلفة، كذلك شملت قيادة مليشيا كتائب البعث، وهي وحدة شبه عسكرية تحت قيادة الجيش السوري.
بدورها، أوضحت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لدى وزارة الخزانة الأميركية، أندريا م غاكي، في بيان وزارة الخارجية الأميركية، أن "سورية أصبحت رائدة عالميا في إنتاج الكبتاغون الذي يسبب الإدمان، ويتم تهريب الكثير منه عبر لبنان".
وقالت المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، روزي دياز، في تغريدة لها على حسابها في "تويتر" الثلاثاء الماضي: إن "ماهر الأسد شقيق بشار يُشرف شخصيا على تجارة الكبتاغون خارج سورية". وأشارت إلى أن "عائدات تجارة الكبتاغون للنظام تبلغ نحو 5.7 مليارات دولار أميركي سنويا وتمثل 80 في المائة من إمدادات العالم".
وكشفت دياز "تغادر شحنات بمليارات الدولارات معاقل النظام مثل ميناء اللاذقية" ولفتت إلى أن تجارة الكبتاغون تُثري الدائرة المقربة من الأسد والمليشيات وأمراء الحرب على حساب الشعب السوري.
لا دعم أمريكي لتعويم الأسد
ورغم رصد مراقبين تراجع العقوبات الأمريكية منذ وصول بايدن للبيت الأبيض في يناير 2021 كما أن النظام برئاسة بشار الأسد بات يتمدد بالتعويم في محيطه الإقليمي، العربي على وجه الخصوص.
وحول احتمالية تغيير الإدارة أو الولايات المتحدة موقفها من النظام، في ظل الوضع الراهن بغض الطرف عن تعويمه على الأقل على المستوى العربي والإقليمي، قال المسؤول الأميركي: "كما كرّر وزير الخارجية أنتوني بلينكن، نحن لا ندعم جهود إعادة تأهيل الأسد، ولا ندعم تطبيع الآخرين للعلاقات معه، لقد كنا واضحين بهذا الشأن مع شركائنا".
وتابع: "نحث الدول التي تفكر في التعامل مع نظام الأسد على النظر بعناية إلى الفظائع المروعة التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري على مدى العقد الماضي، فضلا عن جهود النظام المستمرة لحرمان جزء كبير من البلاد من الوصول إلى المساعدات الإنسانية والأمن".
وشارك رئيس النظام السوري بشار الأسد بالقمة العربية 32 بجدة، مدعيا أن بلاده أمام فرصة تاريخية لإعادة ترتيب أوضاعها.
وزعم قائلا: "علينا أن نمنع التدخلات الخارجية في شؤوننا، والأمل يتزايد مع التقارب العربي والانطلاق لمرحلة جديدة من العمل المشترك".
وشكر داعميه وأبرزهم "خادم الحرمين الشريفين على الدور الذي عده "الكبير وجهوده في تعزيز المصالحة في منطقتنا وإنجاح هذه القمة، وأتمنى للشعب السعودي دوام التقدم والازدهار"