“مسيرة الأعلام الصهيونية” تهويد للقدس في حماية الجنرال السيسي!

- ‎فيعربي ودولي

"أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي" و"أدعو الشعب الفلسطيني لقبول التعايش مع الإسرائيليين في أمان" جملتان من خطاب السيسي، أثناء كلمته في الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، هما الأكثر تفسيرا لبجاحة وجرأة الصهاينة وخروج ما تسمي ب"مسيرة الأعلام" أول أمس في القدس المحتلة، لم ينتبه لها من يرون العدو الإسرائيلي الظاهر، بينما يتواري في ركن الصورة العدو المستتر والخادم الأمين.

اللافت أن الجملة الأصلية في الخطاب، حسب ما نشرت المواقع الخبرية المؤيدة للانقلاب وقتها كانت "جنبا إلى جنب أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي" لكن الطيبين أنصار النوايا الحسنة وإن بعض الظن إثم، رأوا أنها زلة لسان تعبر عن حقيقة اهتمام السيسي بأمن المواطن الإسرائيلي فقط.

 

مسيرة الأعلام وهزيمة يونيو

كشفت مأساة يونيو عن ضياع حرية المواطن وحرية الوطن يوم هزمت إسرائيلُ مصرَ رغم البطولات الفردية الرائعة التي يجب توثيقها، كما دفنت إسرائيل الآلاف من أفراد القوات المسلحة الكسيرة أحياء في سيناء، بل وسجلت هذه الجريمة الملحمة في فيلم روح شاكيد.

ولم تتحرك مصر في كل العصور اللاحقة، لأن إسرائيل تمكنت من مصر والمنطقة من خلال كامب ديفيد.

تركيز إسرائيل على مصر يدل على أن مصر هي مركز العالم العربي، وأن إعطاب هذا المركز يضمن لإسرائيل العبث بالعالم العربي وخاصة في فلسطين.

فقد حولت مصر من حاضن للقضية انطلاقا من أمنها القومي إلى دور الوسيط بين فلسطين وإسرائيل، كما حدث ولا يزال في كل المناسبات.

 وتدرك إسرائيل جيدا أن استقامة الأحوال في مصر فيها تهديد لإسرائيل، لأنها تزدهر كلما تكاثرت الأسقام على مصر.

وتطبيقا لذلك سارعت إسرائيل لقتل ثورات الشعوب العربية، كل بمخطط مختلف، حتى تحافظ على عروش الحكام المتحالفين والمتناغمين معها.

وأهم نجاح حققته إسرائيل هي إعطاب الدور العربي لمصر وإخراجها من معادلات القوى الإقليمية إلى حين وبدرجات مختلفة.

مسيرة الأعلام الصهيونية اليوم الخميس في القدس المحتلة تظهر التقابل بين الانقلاب في مصر والاحتلال في فلسطين، إنها ثمرة طبيعية للاستبداد وسوء الإدارة، ومستحيل أن نتصور انتصار مصر المحتلة بالانقلاب العسكري في صد المخطط الإسرائيلي.

إدارة الصراع مع إسرائيل تحتاج إلى تخصص ومهارات وليس مجرد فهلوة عميل اخترق الجيش مثل السيسي، خاصة أن إسرائيل لها مصلحة في استمرار النظام العسكري على أي وجه، ولذلك خرج اعلام العسكر من عبد الناصر للسيسي بنتيجه غريبة وهي أن مصر انتصرت على إسرائيل، بمعنى أن النظام في مصر الذي استهدفته إسرائيل ظل صامدا لأن سقوط النظام -وليس الشعب- يعني سقوط كل شيء.

وهذا صحيح في ظل نظام قمعي ديكتاتوري يؤمن بأن وجوده أهم من وجود الوطن وأن الخارج يتآمر عليه أي على الوطن، بحسبان أن النظام هو الوطن، وهذه معضلة في الداخل والخارج.

 

البداية كانت هزيمة

وعلى مدار سنوات طويلة تحولت ما تسمى بـ"مسيرة الأعلام الإسرائيلية" في مدينة القدس إلى عنوان أساسي ومتكرر لصراع السيادة في مدينة القدس بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني، وهذا العام انطلقت المسيرة الاستفزازية تزامنا مع ذكرى احتلال إسرائيل للقدس 7 يونيو 1967، لكن حسب التقويم العبري، كان التاريخ يوم الخميس 18 مايو 2023، بمشاركة 4 وزراء على الأقل في حكومة نتنياهو، وهو أمر غير مسبوق.

وتطلق عليها إسرائيل اسم "مسيرة الأعلام" أو "رقصة العلم"، حيث يحمل آلاف المشاركين الأعلام الإسرائيلية ويرقصون عند باب العامود، أحد أبواب البلدة القديمة، بينما يصفها الفلسطينيون بأنها "مسيرة الأعلام الاستفزازية".

وتعود بداية تنظيم "مسيرة الأعلام" إلى عام 1968، أي بعد عام من نكسة حرب يونيو، واحتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة، وهي تسير من أزقة البلدة القديمة وصولاً إلى باحة حائط البراق، التي حولها الاحتلال إلى باحة للصلوات التوراتية الدينية، وأطلق عليها اسم الحائط الغربي، في إشارة حسب الادعاءات اليهودية والصهيونية إلى الجدار الغربي لـ"الهيكل" المزعوم.

صاحب فكرة هذه المسيرة هو تسفي يهودا كوك، الزعيم الروحي والتاريخي للصهيونية اليهودية، الذي يعتبر القائد الروحي حتى للحزب الوطني الديني "المفدال"، الذي ضم كل أجنحة وحركات التيار الديني الصهيوني، بينها "هبوعيل همزراحي"، أولى حركات التيار الديني الوطني، وأصبح لاحقاً يعرف بتيار الدينية الصهيونية الذي يشارك في حكومة نتنياهو الآن.

وبدأت هذه المسيرة بمبادرة فردية انطلقت في عام 1968 كمسيرة متواضعة في ساعات المساء في الذكرى السنوية لاحتلال الشطر الشرقي من القدس، ومع الوقت تزايدت قوة التيار الديني الوطني، الذي يشار إليه اليوم بالتيار الديني الصهيوني، وسيطر على الحكومات المتعاقبة، سواء حزب العمل أو اليسار الإسرائيلي، وحتى سيطر على وزارة التربية والتعليم لسنوات طويلة.