مع بداية الموسم الصيفي فوجئ المصريون بارتفاع كبير في أسعار الملابس بنسبة تزيد عن الـ 50% في بعض الأنواع خاصة في محال وسط البلد، وهو ما جعلهم يقاطعون الشراء تماما ويعتمدون على ما لديهم من ملابس قديمة أو يلجأون إلى شراء ملابس البالة من وكالة البلح وغيرها، هذا الارتفاع تسبب في حالة غير مسبوقة من الركود، حيث تخاطب أسعار الملابس الأثرياء فقط وأصبحت مثل الحج لمن استطاع إليه سبيلا .
أصحاب المحال ومصانع الملابس أكدوا أن ارتفاع الأسعار ناتج عن التراجع الكبير في قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية، مشيرين إلى أنه يتم استيراد كل مستلزمات إنتاج الملابس من الخارج، وبالتالي ترتفع الأسعار مع ارتفاع قيمة الدولار .
وقال أصحاب المحال: إن "هناك نقصا كبيرا في الدولار وحكومة الانقلاب تحتجز شحنات مسلتزمات الإنتاج في الموانئ والجمارك، وبالتالي توقفت بعض المصانع عن العمل، وهو ما يؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار.
واعترفوا بأن هناك حالة من الركود تخيم على الأسواق تسببت في خسائر للتجار، مؤكدين أن ارتفاع الأسعار بالصورة التي هي عليها الآن لا يناسب أغلب المستهلكين المصريين .
يشار إلى أن أسعار الملابس الشبابي والرجالي سجلت ارتفاعا كبيرا، حيث قفزت أسعار القمصان إلى 550 جنيها ويباع أرخصها سعرا بـ250 جنيها، والسعر يختلف حسب المقاسات والخامات.
وعرضت بعض محال وسط البلد، القمصان الرجالي المشجرة بأسعار متفاوتة ما بين 140 و165 و199 و212 و299 و319 جنيها، فيما قفزت أسعار الكوتشيات الشبابي إلى أرقام فلكية، وسجلت بعض الماركات المشهورة 650 و750 جنيها، بالإضافة إلى وجود ماركات أخرى بجودة أقل بأسعار تبدأ من 350 حتى 450 جنيها.
فيما سجلت أسعار ملابس الخروج البناتي أسعارا فلكية أيضا، حيث ترواحت بين 365 وحتى 750 جنيها للبلوزة، أما فساتين الخروج فبدأت من 550 جنيها وصولا إلى 800 جنيه، وترواحت فستاتين السهرة والسواريه بين 1100 جنيه وحتى 2500 جنيه.
انكماش ملحوظ
في هذا السياق أكد تقرير صادر عن وكالة ستاندرد آند بورز، أن الشركات المصرية تعاني من انكماش ملحوظ في الأعمال منذ نوفمبر الماضي ويتجه للتزايد حتى الآن بسبب ارتفاع سعر الدولار وتزايد الضغوط عليه وارتفاع معدلات التضخم.
وكشف التقرير أن الإنتاج في مصر انخفض بأعلى معدل منذ مايو 2020، مؤكدا أن الهبوط القوي في قيمة الجنيه أدى إلى ارتفاع أسعار الشراء بأقصى معدل منذ أكثر من 4 سنوات.
وأشار إلى أن مؤشر مديري المشتريات تراجع على نحو كبير من 47.7 نقطة إلى 45.4 نقطة لتمتد بذلك سلسلة الانكماش في الاقتصاد غير النفطي إلى عامين.
الدولار فين؟
حول أسباب ارتفاع الأسعار قال محمد عبدالسلام، رئيس غرفة الملابس الجاهزة باتحاد الغرف التجارية: إن "السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار الملابس هو تحريك أسعار الدولار المستمر مع زيادة مستويات التضخم إلى نسب غير مسبوقة، مشيرا إلى أن مدخلات الإنتاج بالكامل مستوردة من الخارج، وبالتالي ترتفع الأسعار كلما زادت قيمة الدولار أمام الجنيه .
وأضاف عبدالسلام في تصريحات صحفية، أن معظم المعروض في الأسواق من الملابس مصنع في مصر، لكن يتم استيراد الأقمشة من الخارج، وبالتالي ارتفاع سعر الدولار تسبب في زيادة أسعار مواد الإنتاج، بالإضافة إلى ندرة الخامات ومستلزمات الإنتاج.
وأوضح أن أسعار الملابس خلال هذا الموسم تشهد ارتفاعا كبيرا بنسبة تتراوح من 30 إلى 50%، فضلا عن أن سعر الخامات زاد بأكثر من 130%، لافتا إلى أنه كان يتم استيراد أقمشة التصنيع الكيلو بــ100 جنيه مثلا، الآن وصل سعر الكيلو إلى 230 و240 جنيها.
وأكد عبدالسلام أن الجنيه فقد 55% من قيمته أمام العملات الأجنبية، ما يعني أن الجنيه يُعادل 45 قرشا حاليا، والأسعار الحالية ما هي إلا نسبة وتناسب بالمقارنة مع أسعار الخامات.
توقف الإنتاج
وأكد مالك أحد مصانع الملابس والذي رفض الكشف عن اسمه أنه توقف عن الإنتاج تماما، لأن حكومة الانقلاب ترفض الإفراج عن شحنات مستلزمات الإنتاج من الجمارك بزعم عدم توافر الدولار، مؤكدا أنه رغم أنه لجأ إلى وساطة بنكية رفيعة المستوى، بغرض التوسط له للحصول على قيمة إحدى الصفقات التي أبرمتها شركته بالدولار إلا أنه لم يستطع تنفيذ الصفقة بسبب عدم قدرته على توفير العملة الصعبة، ومحاولاته كلها باءت بالفشل .
وقال مالك المصنع: إن "المسؤول الذي لجأ إليه طلب منه البحث عن الدولار في السوق السوداء وبأي قيمة لأنه غير متوفر بالبنوك ولا يستطيع توفيره له، محذرا من أن هذه الأزمة تأخذ منحى تصاعديا دون أن يكون لدى حكومة الانقلاب أي خطط لإنقاذ صناعة الملابس من الشلل".
وأوضح أنه بدلا من أن تساعد دولة العسكر في دفع حركة الإنتاج المحلي وتقليل فاتورة الاستيراد، فإنها الآن تُواجه معضلة أكبر تتمثل في انكماش حجم الصناعات المحلية نتيجة الصعوبات التي تواجهها منذ إقرار الاعتمادات المستندية، بالإضافة إلى أزمة شح الدولار لشراء مستلزمات الإنتاج.
وأشار مالك المصنع إلى أن الوصول إلى الدولار سواء من البنوك أو السوق السوداء أصبح حُلماً بالنسبة لأصحاب المصانع، تحديدا التي تحتاج ملايين الدولارات لإتمام صفقاتها .
وأكد أن اختفاء الدولار، تسبب في تعطل حركة الإنتاج الأشهر الماضية بسبب تطبيق قرار الاعتمادات المستندية، لكن رغم ذلك تم إبرام عدد من الصفقات، لكن الإنتاج توقف بشكل كلي مع تعويم الجنيه منذ شهر أكتوبر الماضي .
وشدد مالك المصنع على أنه منذ ذلك الحين، لم يتمكنوا من إبرام أية صفقات جديدة، وهناك شُحنات متوقفة بالموانئ نتيجة عدم القدرة على توفير قيمتها بالدولار لإدخالها.