لا توجد شركة إعلانات تستطيع نصب أعمالها على الطرق والكباري إلا أن تكون تابعه للجيش، أو تدفع إتاوات بشكل أو بآخر للعسكر، وبالتأكيد نصب الإعلانات لابد أن يكون وفق معايير تتناسب مع قوة وسرعة الرياح كي لا تؤثر عليها كما حدث بالأمس وقتل فيها مواطنون.
وشهدت مدينة العاشر من رمضان شرقي مصر واقعة صادمة، حيث لقيت مهندسة شابة مصرعها إثر سقوط لافتة إعلانية عليها جراء الرياح العاتية والعواصف الترابية التي شهدتها البلاد أمس الخميس.
وتلقت سلطات الانقلاب بلاغا بوفاة المهندسة رانيا مصطفى إثر تعرضها لحادث سقوط لافتة إعلانات عليها بالقرب من أحد المولات التجارية بجوار جمعية مستثمري العاشر من رمضان بالشرقية.
وتبين وفاة المهندسة بعد إصابتها بكسور وكدمات ونزيف داخلي، حيث لفظت أنفاسها فور وصولها إلى المستشفى.
وكانت مدن ومحافظات مصر قد تعرضت أمس الخميس واليوم لعواصف ترابية شديدة، ما أثر على حركة مرور السيارات والمواطنين.
وتسببت العاصفة في تراكم الأتربة في الشوارع والمنازل وصعوبة الرؤية وتحطم بعض اللافتات الإعلانية في عدد من المحافظات.
ويري مراقبون أن شعور سكان القاهرة والمحافظات القريبة من العاصمة بشدة العاصفة هذه المرة، من أسبابه قيام حكومة الانقلاب بقطع الأشجار والقضاء على الحزام الأخضر الذي كان يطوق القاهرة.
وفي الوقت الذي استضافت فيه القاهرة مؤتمر الأطراف (COP27) للمناخ في شرم الشيخ المصرية، لا تتوقف عمليات قطع الأشجار وإزالة المساحات الخضراء في مناطق مختلفة من محافظات مصر، وخصوصا في العاصمة القاهرة، كما يقول نشطاء.
وحتى لو كان قطع الأشجار بسبب التوسع العمراني تزايد عمليات إنشاءات مختلفة كإقامة الطرق والكباري، وهي مشروعات ضرورية لفتح شرايين جديدة وخصوصا في القاهرة شديدة التكدس والازدحام، إلا أن نشطاء في البيئة والعمران يرون أن الأضرار كبيرة ولا تعوض.
على مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت فيديوهات مختلفة لعمليات قطع أشجار عتيقة تعدى عمر بعضها 100 عام، ودُمرت حدائق ومساحات خضراء شاسعة، ليختفي اللون الأخضر بشكل متسارع ويحل محله مساحات من الأسمنت والطرق والكباري وأكشاك الوجبات السريعة ومقاهي ومحطات وقود.
من جانبهم، يحتج خبراء العمران بشدة على المسألة، إذ يرون أن ما يحدث يغير من الوجه الحضاري للمدن المصرية بزعم التطوير، لتتحول المناطق الخضراء إلى كتل أسمنتية وتفقد القاهرة وغيرها من المدن المصرية طابعها المميز.
ويتساءل الدكتور محمد أبو الغار، الطبيب والسياسي المصري المعروف، عن أسباب قطع الأشجار في مصر، مؤكدا أن الأمر انتقل من قطع الأشجار في الشوارع إلى قطعها داخل الحدائق التاريخية، وقال في تدوينة على فيسبوك: "الشعب المصري عايز يفهم إيه الحكاية، ما هو السبب، هناك أشياء كثيرة يقولون لنا ممنوع تسألوا عليها أو تتكلموا فيها، إنما حتى الشجر ممنوع نعرف ليه بتقطعوه؟"
ولا تلتفت عصابة الانقلاب في مصر إلى تجربة الصين التي كانت عرضة للتصحر والعواصف الرملية العاتية كغيرها من الدول، فهي تعاني من عوامل التعرية والتجوية وزيادة ملوحة التربة ناهيك عن زحف الرمال، تماما كغيرها، مع فارقين، أولهما الضخامة، فالتصحر في الصين ضخم، إن لم نقل عملاقا، ككل شيء صيني.
وثانيهما العزيمة التي لا تلين، وقد اشتهرت بها الصين في شتى الأعمال والحملات التي قامت بها سلطاتها ومازالت تقوم، وتجلت أكثر ما تجلت في الحرب التي تخوضها ضد التصحر منذ منتصف القرن العشرين، وقد أحرزت الكثير من المكاسب في حربها البيئية هذه، حتى اعتبرت الدولة الرائدة المتفوقة في مجال التشجير.
فهذه الدنيا الخضراء التي ترى في الصورة إن هي إلا جزء يسير من الحزام الأخضر الذي شرعوا في إنشائه قبل نحو ثلاثين سنة، والذي كبحوا بواسطته الصحراء وأوقفوا زحف الرمال، فهو بحق سور الصين العظيم، ولكنه سورها العظيم الأخضر كما يسمونه.
فهو يمتد مئات الأميال في اتجاه الشمال والشرق والغرب، أي في مهب الريح. وهو يبلغ في العرض أضعاف ما يبلغه سور الصين الحجري، فعرضه يقاس بالأميال لا بالأمتار.
وحسبنا الإشارة إلى أن هذا الحزام الأخضر قد نجح في حماية العاصمة بكين من العواصف الرملية التي طالما هبت عليها في الأمس القريب، وضمن الوقاية أيضا لحقول القمح والأرز الشاسعة التي كانت مهددة بالتصحر، والتي لا تقل مساحتها عن 8 ملايين هكتار.
وتجدر الإشارة إلى أن الأشجار التي حرصوا على غرسها في الحزام الأخضر هي من ذوات الجذور الطويلة التي تمتد في الأرض 6 أمتار أو تزيد، وقد غرسوا بينها الكثير من أشجار الصنوبر، ومن طريف ما يذكر أن سلاح الطيران الصيني قد أسهم هو الآخر في تلك المعركة.