الحادث المؤلم الذي وقع الخميس غرة يونيو 2023م أعلى الطريق الدائري الأوسطي الذي نفذته الهيئة الهندسية للجيش والذي يعرف بطريق الموت حيث لقي تسعة أشخاص مصرعهم وأصيب أربعة آخرون بإصابات خطيرة نتجة انفجار سيارة أجرة “ميكروباص” تعمل بالغاز الطبيعي يفتح الباب على مصراعية أمام تساؤلات مشروعة حول جدوى سيارات الغاز ومخاطرها.
وتعرضت سيارة الأجرة للاشتعال فور اصطدام سيارة نقل (مقطورة) بها من الخلف، في الساعات الأولى من صباح الخميس، في نطاق مدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، ما تسبب في انفجار أسطوانة الغاز داخل السيارة، ووفاة وإصابة جميع الركاب بها. ونقلت سيارات الإسعاف جثامين المتوفين والمصابين إلى مستشفى أكتوبر المركزي، تحت تصرّف النيابة العامة التي باشرت التحقيقات، وأمرت بالتحفظ على السيارة وفحصها من قبل خبير فني بالإدارة العامة للمرور والأدلة الجنائية، لتبيان الأسباب وراء الحادث. وصرحت النيابة بدفن جثامين الضحايا التسعة، وجميعهم من المقيمين في مساكن أبناء الجيزة الشعبية بمدينة أكتوبر، بعد ورود تحريات الشرطة التي أكدت عدم وجود شبهة جنائية وراء الحادث، فيما تكثف الأخيرة من جهودها لضبط سائق سيارة النقل الذي سارع بالهرب عقب وقوع الحادث.
7 آلاف قتيل بسبب حوادث الطرق سنويا
رغم اهتمام نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي بالطرق والكباري التي تكلفت أكثر من تريليون جنيه خلال السنوات العشر الماضية، إلا أن ذلك لم يؤدي إلى تراجع معدلات الحوادث على الطرق والتي تحصد نحو (7000) سبعة آلاف شخص سنويا حسب بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وهناك شبه إجماع بين الخبراء والمتخصصين على أن التسرع في إنشاء الطرقات دون التأكد من مراعاة المقاييس الفنية الضرورية، والمتمثلة في تصميم الطرقات والخامات المستخدمة، يؤدي بطبيعة الحال إلى وقوع حوادث سير. واللافت أن الطريق الدائري الأوسطي الذي يربط ما بين مدن شرق وغرب القاهرة من طريق بلبيس الإسماعيلية الزراعي شرقاً، إلى محور الضبعة غرباً، بطول 156 كيلومتراً، وعرض 16 حارة مرورية، بواقع 8 حارات لكل اتجاه، شهد خلال العامين الماضيين، ثمانية حوادث دامية على أقل التقديرات في عام 2022، كان آخرها تفحّم شخصين إثر اشتعال النيران في سيارة نقل أعلى الطريق، عقب انقلابها، في حادث تصادم شمل عشر سيارات بنطاق مدينة حلوان، جنوبي القاهرة. وهو المكان نفسه الذي وقع فيه حادث تهشّم واحتراق أربعة عشر سيارة قبل أشهر قليلة، وأسفر عن وفاة مهندس شاب، وإصابة ثمانية آخرين بإصابات خطيرة.
هذه الحوادث تبرهن على حاجة مصر إلى منظومة إدارة حديثة، فوفقا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، نقلا عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة الداخلية بحكومة الانقلاب، وصلت نسبة الوفيات إثر حوادث الطرق ما يعادل 9 أشخاص من بين كل 100 ألف نسمة، بينما في دولة مثل ألمانيا، قريبة من مصر من حيث الحجم وإجمالي عدد السكان، وصلت نسبة الوفيات إثر حوادث الطرق بها إلى 4 أشخاص من بين كل 100 ألف نسمة. وحسب مراقبين فإن من أسباب تزايد معدلات الحوادث هو أن جزءا كبيرا من الطرق السريعة في مصر يخترق التجمعات العمرانية والمناطق السكنية، كما يعاني جزء آخر من الطرق من عدم تقسيمه لحارتين متقابلتين بما يعد من الأسباب الأساسية لوقوع الحوادث، إلا أن إخراج الطرق السريعة من داخل كافة المدن المصرية وتوسيع الطرق القديمة بما قد يتطلب نزع ملكية الأفراد لبعض الأراضي يحتاجان لكثير من العمل والوقت”.
وفيا يتعلق بكلفة الخسارة جراء ارتفاع حوادث الطرق، فمصرع الآلاف من المواطنين سنويا جراء حوادث الطرق خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها، فكم من عائلات تفقد عائلها وتخسر مصادر دخلها، وكم من شباب يقتلون على الأرصفة وبذلك تخسر البلاد ثروة بشرية هائلة منهم علماء وخبراء يمكن أن تستفيد بهم البلاد. أما الخسارة المادية فقد كشف دراسة أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن “التكلفة الاقتصادية لحوادث الطرق في مصر عام 2017” أن تكلفة حوادث الطرق والمرور في مصر تخطت حاجز 40 مليار جنيه عام 2017. وفي مايو 2014 قال السيسي في حوار تليفزيوني: ” هعمل لك شبكة طرق في خلال سنة تمسك مصر كده”. ويعتبر السيسي مشروعات الطرق الجديدة أحد المشروعات القومية الكبرى التي يقوم بتنفيذها في مصر. وكان وزير النقل الفريق كامل الوزير قال في تصريحات سابقة بحضور عبد الفتاح السيسي، إن تكلفة مشروعات الطرق والكباري التي تم إنشاؤها بلغت 175 مليار جنيه! ورغم ذلك فمعدلات الحوادث ترتفع وأرواح المصريين تزهق على الطرق كل يوم!!
مخاطر سيارات الغاز
النقطة الثانية تتعلق بمخاطر سيارات الغاز؛ فاصطدام شاحنة من الخلف بسيارة الغاز أدى إلى اشتعال السيارة ومقتل وإصابة كل من فيها؛ لأن خزان الغاز يكون بالخلف ما أدى إلى انفجاره. الأمر يحتاج إلى تحليل فني لمثل هذه الحوادث لأن حكومة السيسي تعمل على تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي بدلا من الوقود التقليدي، بدعوى جعلها سيارات خضراء نظيفة وصديقة للبيئة.
وأطلقت الحكومة عدة مبادرات لهذا الهدف ــ حسب المتحدث باسم مبادرة إحلال السيارات، مجاهد حسني ــ وهي المبادرات التي تعتمد على السيارات المصنعة محليا، مشيرا إلى أن “موازنة الدولة تحملت أكثر من 600 مليون جنيه من الدعم النقدي لعملاء المبادرة”. المبادرة “بدأت في 7 محافظات ووصلت إلى 14 محافظة ومدينة، وتقدم لها 42 ألف مواطن، واستلموا 25 ألف سيارة، بعد أن تمتعوا بتسهيلات كبيرة في هذا المجال”. ويؤكد رئيس رابطة تجارة السيارات، المستشار أسامة أبو المجد، أن “مصر تعمل بجد لتحويل السيارات التي تعمل بالوقود التقليدي (بنزين وديزل) إلى سيارات تعمل بالغاز الطبيعي”. موضحا أنه تم إنشاء مجموعة كبيرة من المحطات للتحويل. وعدد من البنوك تقوم برعاية عملية تحويل السيارات، حيث يدفع صاحب السيارة من خلال أقساط سنوية. وتهتم الحكومة بهذا الملف لأن تحويل السيارات للعمل بالغاز يفيد مصر اقتصاديا، ويخفف عن الحكومة أعباء دعم ملف الوقود التقليدي. وهناك أيضا مبادرة “غو غرين” ( Go Green) الهادفة لتحويل المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، ساهمت أيضا في عملية إحلال السيارات الجديدة بدلا من المستعملة. ويتم تغيير السيارات التي مر عليها أكثر من 20 عاما بسيارات أخرى، على أن يتم دفع قيمتها بقروض ميسرة تسدد على 10 سنوات.