عمق بنك "كريدي سويس" السويسري، عبر تقرير في الأول من يونيو الجاري، رؤيته السلبية للاقتصاد المصري مع تزايد القلق؛ جراء عدم التقدم في تطبيق الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، ولاسيما برنامج بيع الأصول العامة وتطبيق سعر مرن للجنيه وتحجيم سيطرة مؤسسات الدولة، ولاسيما الجيش على الاقتصاد.
وكانت وكالة "موديز" للتصنيف الإئتماني إن "مواعيد استحقاق الدين الخارجي الكبير لمصر أصبحت تمثل تحديا متزايدا".
في وقت أثار فيه شحّ العملة الصعبة مخاوف بشأن قدرة مصر على سداد الديون الخارجية، ومنذ أبريل خفضت وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث النظرة المستقبلية لديون مصر واعتبرتها سلبية وهي وكالات "ستاندرد آند بورز" و"موديز" و"فيتش" التي انتقلت من تخحفيض كلي للاقتصاد المصري في التصنيف إلى تخفيض تصنيف 4 بنوك مصرية هي الأعلى في مصر.
وتوقع "كريدي سويس" انخفاضا جديدا لسعر صرف الجنيه بنحو 30%، ليتراوح بين 45 و50 جنيها للدولار خلال 3 أشهر، على أن ينخفض خلال 12 شهرا إلى ما بين 33 و34 جنيها للدولار، بشرط أن تنجح الحكومة في تحقيق تقدم بشأن الإصلاحات.
وفي 15 مايو الماضي، توقعت المجموعة الأمريكية للخدمات المالية للمستثمرين العالميين سيتي جروب، تأجيل قرار الخفض الجديد إلى نحو شهرين، ما يعني أنه قد لا يتم خلال العام المالي الحالي الذي ينتهي 30 يونيو الجاري.
واستبعدت المجموعة أن يلجأ البنك المركزي المصري إلى أي تحرك لخفض قيمة الجنيه، قبل أن تحقق الحكومة تقدما ملحوظا في ملف بيع أصول عامة، حيث تستهدف جمع ملياري دولار العام المالي الحالي ونحو 4.6 مليار دولار في العام المالي المقبل.
وأثر التصنيف العالمي بالطبع على رؤية المستثمرين للعمل في مصر فرفضوا الشروع بالاستثمار في مصر بينما عملتها في تذبذب مستمر وتراجع في الأسواق الموازية والآجلة، ما أوقف مفاوضات حول استحواذ الصناديق السيادية السعودية والإماراتية والقطرية على شركات عامة مصرية من بين 32 شركة مطروحة، إذ تعتبر أنها غير جاذبة للاستثمار في سوق تحيط به المخاطر، ما يهدد بتآكل قيمة الأصول وزيادة التكلفة.
واعتبر لويس كوستا، رئيس استراتيجية وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في المجموعة، أن خفض الجنيه بشكل حاد قبل نهاية السنة المالية قد يعرقل هدف الحكومة المتمثل في عجز الميزانية بنسبة 6.5% واستقرار ديون البلاد بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
كوستا أضاف أن "البنك المركزي المصري سينتظر على الأرجح وصول عائدات السياحة بحوالي 14 مليار دولار، ودخولها في الاقتصاد قبل اتخاذ قرار بشأن الحاجة إلى إعادة تسعير أخرى للجنيه".
مليارات الدولارات خسائر
وبالتوازي مع القلق الخارجي، افتتح عبدالفتاح السيسي العديد من المشاريع التي قال إنها لتطوير الاقتصاد المصري، لكن سرعان ما فشلت تلك المشاريع وأغلقت، ما كلف البلاد خسائر تقدر بالمليارات، فضلا عن ارتفاع قيمة الديون المترتبة على مصر جراء اقتراض أموال معظم المشاريع.
ومن ذلك ما افتتحه السيسي في 25 ديسمبر بالفيوم، حيث المجمع الضخم للإنتاج الحيواني والألبان بمدينة يوسف الصديق على مساحة ٤٥٨ فدان بطاقة استيعاب ١٨ ألف رأس من الماشية، لكن المجمع أغلق بالكامل بعد أقل من ثلاث سنوات من افتتاحه باستثناء جزء يعمل في التغليف.
وضمن مشاريع الإنتاج الحيواني افتتح السيسي مجمعات أخرى في قبلي قارون بالفيوم أيضاً والنوبارية ومدينة السادات في 16 مارس 2022، لكن أغلق مجمع قبلي قارون بالكامل، فيما يعمل مجمعا السادات والنوبارية بطاقة أقل بكثير وبخسائر فادحة بعد أقل من سنة من افتتاحهما.
وفي 18 نوفمبر 2017 افتتح السيسي المرحلة الأولى من مشروع بركة غليون للاستزراع السمكي بتكلفة 14 مليار جنيه على مساحة أربعة آلاف فدان، بهدف سد الفجوة الغذائية من الأسماك، على أن يدير المشروع الشركة الوطنية للثروة السمكية التابعة لجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، وكان من المفترض أن يكون المشروع على مرحلتين تنفذهما شركة “إيفرغرين” الصينية والمتخصصة في الاستزراع السمكي، بحيث يضم المشروع 1359 حوض أسماك في المرحلة الأولى كل حوض بطاقة تسعة آلاف طن سنويا، لكن بعد خمس سنوات من افتتاح المشروع لم يتجاوز الإنتاج الألف طن من التسعة المخطط لها.
وفي يوليو 2020 صرح عبدالفتاح السيسي بأنه سيعيد مدينة المحلة الكبرى إلى مكانتها الصناعية التي تستحقها في إشارة لبناء أكبر مصنع غزل ونسيج في العالم بالمدينة، وبدأ العمل في إنشاء المصنع بتكلفة 23 مليار جنيه على مساحة 62.5 ألف متر، وكان المستهدف من المصنع إنتاج 30 ألف طن غزل يوميا.
واشترت الحكومة المصرية ماكينات ريتر سويسرية لتشغيل المصنع، إلا أن أخطاء جسيمة في تركيبات الهيكل الخرساني الرئيسي حالت دون تركيب الماكينات وبدء التشغيل، وقبل 5 أشهر توقفت تماما الأعمال الإنشائية بالمصنع ولم توضع حتى اللحظة حلول للهيكل الخرساني.
وانتهى العمل بالمصنع قبل أن يبدأ بسبب أخطاء سرعة التنفيذ وضاعت مليارات الجنيهات على الإنشاءات وعلى الماكينات التي لم تشغل وتأجل ميعاد افتتاح المصنع الذي كان من المقرر افتتاحه بداية هذا العام، وفق الصحفية المصرية حنان خيري.
وفي 2014 تحول العجز من إنتاج الكهرباء إلى فائض، ورغم الفائض استمر نهج الحكومة بالتعاقد على مشروعات عملاقة، وتحمل المواطنون فاتورة تكلفة استثمارات في منتج فائض لا حاجة لهم به.
وعندما ارتفع سعر الغاز بعد الحرب الروسية اتجه عبدالفتاح السيسي لتوفير الغاز وتصديره بعد أن وصل سعره 8 دولار لكل متر مكعب وأقدمت وزارة الكهرباء على تحويل محطات عملاقة للعمل بالمازوت رغم أنها مصممة للعمل بالغاز، وتسبب ذلك في انخفاض كفاءة المحطات وإحداث تلفيات بالغلايات والتوربينات، ولسوء الحظ فإنه انخفض سعر الغاز لمستوى الدولارين وضاع أمل الاستفادة من توفير الغاز.
ونتيجة لعدم مراجعة المشروعات، وإجراء دراسة لحساب معدل نمو الطلب المتوقع فقد ضاع أكثر من 45 مليار دولار اقترضها عبدالفتاح السيسي دون عائد اقتصادي وقيمة مضافة يسدد من خلالها هذه الديون.
في مايو 2017 بدأ التنفيذ في مشروع مدينة دمياط للأثاث على مساحة 331 فدانا، بعد ردم وتجفيف أجزاء من بحيرة المنزلة لإقامة المشروع عليها.
المدينة بها 54 هناجر تحتوي على 1348 مصنعا وورشة لتصنيع الأثاث ومركزا لتكنولوجيا الأثاث، وخمسة مراكز خدمية بها ورش مركزية لخدمة صغار الصناع ومحلات تجارية ومكاتب إدارية وبنك ومركز شرطة ومركز إطفاء وعيادة طبية، وتم تنفيذ المشروع تم بإشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتكلفة قدرها 3.6 مليار جنيه.
وفي ديسمبر 2019 افتتحها عبدالفتاح السيسي وقال عنها: “مشروع قومي سينقل صناعة الأثاث المصرية نقلة عالمية، لكن بعد مرور أشهر قليلة كشف محافظة دمياط عن خسائر مالية كبيرة للمشروع تمثلت في بيع 400 ورشة من أصل 1348”.
تخفيض المدخرات
وكما لا تثق موديز أو فيتش أو كريدي سويس في الاقتصاد بظل السيسي، خفض المصريون مدخراتهم بالبنوك بقيمة 73 مليار جنيه خلال شهري مارس وإبريل الماضيين، حيث انخفضت مدخرات الأفراد الطبيعيين والعائلات في القطاع المصرفي المصري، حسب بيانات حديثة للبنك المركزي.
وبحسب البيانات انخفض إجمالي الودائع في الجهاز المصرفي من 5.614 تريليون جنيه في مارس، إلى 5.610 تريليون في أبريل، بفعل انخفاض أكبر مكوناته، وهي ودائع القطاع العائلي اﻷفراد واﻷسر الطبيعيين.
و95 % من ودائع القطاع العائلي هي ودائع ﻷجل (مربوطة في شهادات استثمار لمدة تتجاوز عام) والتي سجّلت في أبريل الماضي 4.23 تريليون جنيه، مقابل 4.26 تريليون في مارس، بانخفاض نحو 26 مليار جنيه، بعدما كانت قد انخفضت بنحو 47 مليار جنيه عنها في فبراير، حين سجلت 4.3 تريليون جنيه تقريبا.
وودائع القطاع العائلي مربوطة في البنوك، التي تقرضها بدورها للمستثمرين والشركات، فتدور تلك اﻷموال في الأسواق محققة أرباحا للجميع، وهي في الأغلب من الأفراد ذوي الدخول العالية التي تسمح بفائض للادخار بعد الإنفاق الشهري، ما قد يعني أن عدم دخول تلك الأموال إلى الأسواق سيكون أثره محدودا على الاستهلاك، إذ كانت ستنفق في الأغلب في استهلاك غير ضروري، مثل شراء سيارة جديدة أو شقة أو أجهزة منزلية من الكماليات، أو في رحلات سياحية.
ولا يقتصر تأثير حبس هذه الأموال على استهلاك هذه الشريحة الصغيرة، وإنما يمتد إلى الشرائح الأقل دخلا، لأن توقف دورات الاستهلاك كماليات مثل شراء سيارة أو شقة، يعني توقف مصدر دخل لشرائح أقل دخلا كموظفي معرض السيارات أو عمال تشطيب الشقة، وهي الفئة التي تدخر أقل بحكم محدودية دخولها، وتُنفق أكثر خاصة على الغذاء، وبالتالي يؤدي حبس السيولة إلى تقليص استهلاكهم الضروري، بحسب "مدى مصر".
خفض الجنيه
ويبدو أن خفض الجنيه ليس حلا، فللمرة الرابعة يخفض السيسي قيمة الجنيه خلال 6 أشهر وعن ذلك، قال بنك الاستثمار الأمريكي "جولدمان ساكس" إن "الحكومة المصرية قد لا تلجأ لخفض الجنيه قبل أن تحرز بعض التقدم في ملف بيع الأصول، لتضمن تدفق سيولة أجنبية، قبل السماح بالمزيد من مرونة سعر الصرف".
وتابع البنك، عبر تقرير في 27 أبريل الماضي، أنه توجد أسباب قد تدفع الحكومة إلى عدم تطبيق سعر صرف أكثر مرونة، منها عدم جدوى المزيد من التخفيضات في حلّ الاختلالات الخارجية مع انخفاض قيمة الجنيه بالفعل.
وأردف أن "عدم خفض الجنيه يرجع إلى خطر الدخول في دوامة التضخم وخفض العملة، إذ من المتوقع أن يفاقم حدوث المزيد من الضعف في أسعار الصرف الضغوط التضخمية المرتفعة بالفعل، وهو في حد ذاته أمر غير مرغوب فيه لصانعي السياسة المصريين".
لكن البنك استدرك قائلا: إنه "على الرغم من امتلاك الحكومة عددا من الأسباب لعدم خفض الجنيه، بينها أنه بالفعل مُقيم بأقل من قيمته، إلا أنه توجد عواقب للتأخر في القرار، فتأجيله يجعل من الصعب تجنب خفض حاد في قيمة الجنيه".
واعتبر أن "الأكثر من ذلك هي ضغوط صندوق النقد الدولي للتحول إلى سعر صرف أكثر مرونة والتي ستؤثر على القرار، خاصة مع استكمال المراجعة الأولى ضمن برنامج التسهيل الممدد والتي تبدو مٌعلقة جزئيا على حدوث ذلك".
ونقلا عن مصادر، قالت وكالة بلومبرج الأمريكية، منتصف أبريل الماضي: إن "الصندوق ينتظر مزيد من مرونة سعر الصرف وتحقيق تقدم في ملف بيع الأصول العامة للبدء في إجراءات المراجعة الأولى للاقتصاد وصرف الشريحة الثانية من قرض مصر البالغ 3 مليارات دولار والممتد لـ46 شهرا".