يصر نظام الدكتاتور المنقلب عبدالفتاح السيسي على تعزيز قبضة الجيش على مفاصل الاقتصاد المصري بعدما فرض وصايته الكاملة على القرار السياسي وجميع مناصب الدولة العسكرية والمدنية، حيث وافق مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب، الأربعاء 21 يونيو 2023م، على مشروع قانون يقضي بإلغاء الإعفاءات المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية، غير أن مشروع القانون استثنى من جميع أحكامه الإعفاءات الضريبية المرتبطة بالاتفاقيات الدولية المعمول بها في مصر، وكذلك المقررة للأعمال والمهام المتعلقة بمقتضيات الدفاع عن الدولة وحماية الأمن القومي، والإعفاءات المقررة لأنشطة تقديم خدمات المرافق الأساسية. وبذلك تكون جميع الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية التي يتولى الجيش تنفيذها أو الإشراف عليها معفاة من أحكام القانون، في تكريس لهيمنة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد في البلاد.
وتقول الحكومة إن مشروع القانون يستهدف تحسين مناخ الاستثمار، ودعم مشاركة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وترسيخ التوجه الخاص بكفالة فرص عادلة للأنشطة الاستثمارية والاقتصادية في المعاملات المالية المنظمة لها.
وكفلت مواد القانون المساواة بين القطاع الخاص وأجهزة الدولة ومؤسساتها وهيئاتها وكياناتها وشركاتها كافة، أو الشركات التي تساهم في ملكيتها عند ممارسة أنشطة استثمارية أو اقتصادية، من خلال سريان الأصل العام المنصوص عليه في تشريعات الضرائب والرسوم على كلتا الطائفتين من دون تمييز، وإلغاء جميع الإعفاءات الضريبية أو الرسوم التي كانت مقررة في أيٍّ من القوانين أو اللوائح المنظمة لها، سواء كان الإعفاء كلياً أو جزئياً.
ونص القانون على استمرار تمتع الأعمال والمهام المتعلقة بمقتضيات حماية الأمن القومي بجميع الإعفاءات المقررة لها، حتى تنفيذ هذه التعاقدات وفقاً للقوانين التي أبرمت في ظل سريانها.
وكان صندوق النقد الدولي قد طالب مصر بتجريد الشركات المملوكة للجيش من الإعفاءات الضريبية، وغيرها من الامتيازات، بما يسمح للشركات الخاصة بالمنافسة. وتعهدت الحكومة المصرية، في خطاب نيّات، للحصول على حزمة إنقاذ مالي من الصندوق بقيمة ثلاثة مليارات دولار، بإبطاء وتيرة الاستثمار في المشروعات العامة، بما في ذلك المشروعات القومية، للحد من الضغوط على سوق الصرف الأجنبي والتضخم.وأنفقت مصر في عهد السفيه السيسي مليارات الدولارات على مشاريع عملاقة، مثل العاصمة الجديدة والطرق السريعة والجسور والقصور الرئاسية، معلنة أنها ضرورية للتنمية، وهي التي تُموَّل أساساً من الديون، إذ زادت من نفوذ الشركات المملوكة للجيش دون أن تنتج وظائف مجدية أو إسكاناً أو مكاسب أخرى.
وفي 13 إبريل الماضي، قالت مديرة صندوق النقد كريستالينا جورجييفا، إن برنامج التمويل الذي أقره الصندوق مع مصر يرتكز على 3 محددات رئيسية، هي تحرير سعر صرف العملة المحلية (الجنيه)، ومنح الفرصة للقطاع الخاص لقيادة الاقتصاد، ومراقبة الإنفاق على المشاريع الضخمة طويلة الأجل، التي قد تقوض استقرار الاقتصاد الكلي في الظروف المشددة الحالية، ولا سيما مع السرعة التي صممت بها في ظل ظروف مختلفة. وما زالت مصر تنتظر صرف الشريحة الثانية من قرض الصندوق بقيمة 347 مليون دولار، بسبب إرجاء المراجعة الأولى لخبراء الصندوق بشأن برنامجها للإصلاح الاقتصادي، ضمن الاتفاق الذي يتيح تمويلاً تحفيزياً إضافياً بحوالى 14 مليار دولار من شركاء مصر الدوليين والإقليميين.
مزيد من الامتيازات للجيش
وتوسعت حكومة الانقلاب خلال السنوات الماضية في منح الاستثمارات الجديدة لشركات مملوكة للجيش، بالشراكة مع صندوق مصر السيادي، بدلاً من القطاع الخاص، على الرغم من حديث الحكومة المتكرر عن أهمية هذا القطاع والتزامها بإفساح المجال لتعزيز دوره في النشاط الاقتصادي. وأصدر السيسي قراراً جمهورياً في 29 يناير2023م بـ"تخصيص الأراضي الصحراوية الواقعة بعمق كيلومترين كاملين على جانبي 31 طريقاً رئيسياً لصالح الجيش"، وهو ما يحول الأخير فعلياً إلى أكبر مالك للأراضي القابلة للتنمية والترفيق والتطوير والاستثمار في البلاد، ويمنحه ميزة تنافسية على حساب الحكومة وهيئاتها المدنية والمستثمرين.
وشهد رئيس الحكومة الانقلابي مصطفى مدبولي ورئيسة مجلس إدارة الصندوق السيادي وزيرة التخطيط هالة السعيد، في يونيو 2023م مراسم توقيع عقد إنشاء 6 مخازن استراتيجية لتخزين الأدوية والمستلزمات الطبية، بين هيئة التسليح للقوات المسلحة (الجيش) نيابة عن شركة المخازن الاستراتيجية، وتحالف "أوراسكوم وايتز" تحت إشراف مكتب الاستشارات الهندسية بالكلية الفنية العسكرية. وشركة المخازن الاستراتيجية أنشئت بالشراكة بين هيئة الشراء الموحد والصندوق السيادي وجهاز مشروعات أراضي الجيش، استجابة لتوجيهات السيسي بشأن تنفيذ مخازن استراتيجية لتخزين الأدوية والمستلزمات الطبية، موزعة جغرافياً في 6 محافظات هي القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية والدقهلية والمنيا وقنا.
ويحظى صندوق مصر السيادي، الذي تأسس في عام 2018، بصلاحيات واسعة في ما يخص نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة أو المستغلة المملوكة للدولة إليه، بالإضافة إلى إعفاء المعاملات البينية للصندوق، والكيانات المملوكة له، من جميع الضرائب والرسوم، على غرار شركات الجيش.
وصدق السفيه السيسي على قانون إنشاء هيئة الشراء الموحد في عام 2019، وسط اعتراضات واسعة من نقابة الصيادلة على مواد القانون، الذي نقل سلطات واختصاصات ومهام وزارة الصحة، المتعلقة بقطاع الدواء والإشراف الصيدلي، إلى الهيئة التي عين لواء في الجيش رئيساً لها. ومنح القانون الهيئة -دون غيرها- الحق في تولي عمليات الشراء التي كانت تبرمها الدولة لشراء المستحضرات والمستلزمات والأجهزة الطبية، وتوفيرها لجميع الجهات والهيئات والشركات الحكومية، بما في ذلك وزارة الصحة وهيئاتها ومستشفياتها، والجامعات الحكومية ومستشفياتها، وأي مستشفيات تابعة للوزارات أو الجهات والمؤسسات التعليمية والمعاهد البحثية.
وفي يونيو 23م وقع رئيس الهيئة العربية للتصنيع اللواء مختار عبد اللطيف، ووزيرة التخطيط، عقداً تتولى بموجبه الهيئة تأثيث وفرش المقر الجديد لمجلس النواب في العاصمة الإدارية الجديدة، تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية بـ"تعزيز التعاون البناء بين مؤسسات الدولة، باعتباره الطريق الأمثل لتحقيق التنمية الشاملة"، بحسب بيان رسمي صادر عن مجلس الوزراء. وتتولى الهيئة أيضاً تأثيث وفرش الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية، وهي جهة رسمية ذات طابع خاص يتولى إدارتها عسكريون سابقون وحاليون، بما يتعارض مع بنود "وثيقة سياسة ملكية الدولة" التي تقضي بـ"توفير فرص متنوعة للقطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، بما يساعد في رفع نسبة مساهمته الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي".
بيزنس الجيش 60%
ويحظى الجيش في زمن الانقلاب بامتيازات واسعة وله شركات في جميع قطاعات الدولة وتدور نسبة حصة الجيش في الاقتصاد المصري عن نحو 60% حسب تقديرات مستقلة، وتتمثل في إنتاج السلع كالحديد والأسمنت ومواد البناء والمحاجر، والسلع الاستهلاكية المعمرة والملابس، والمواد، والأغذية والمشروبات والتبغ، والسيارات وقطع الغيار، والبيع بالتجزئة. وكذلك الإعلام والترفيه، وأشباه الموصلات ومعدّات أنظمة النقل الذكية، والمعدّات الصلبة والتجهيزات التكنولوجية، وذلك وفقا لتقرير أصدره البنك الدولي، في ديسمبر 2020م.
ويمتلك الجيش 3 كيانات عسكرية تعمل بالمجالين العسكري والمدني، هي وزارة الإنتاج الحربي ولديها 20 مصنعا، والهيئة العربية للتصنيع ولديها 12 مصنعا، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية ويدير 13 مصنعا، وفق مواقع الهيئات العسكرية على الإنترنت. ويعمل آلاف الضباط واللواءات المتقاعدين بشركات ومصانع الجيش لتصنيع الإلكترونيات، والأجهزة المنزلية، والسيارات، واللحوم والدواجن، والأسماك، والمواد الغذائية والطرق والأسمنت، والمقاولات، والسكك الحديد، وقطاع التعدين، والاستصلاح الزراعي وغيرها. وتتمتع مشروعات الجيش بإعفاء من ضريبة القيمة المضافة التي تم فرضها بقانون عام 2016، ومن الضريبة العقارية بقرار وزير الدفاع عام 2015، ومن ضريبة الدخل حسب قانون بعام 2005، ومن رسوم الاستيراد وفقا لقانون بعام 1986م.