رغم ما يواجهه المصريون من أزمات اقتصادية طاحنة وارتفاع جنوني في أسعار جميع السلع والخدمات، إلا أن أجورهم ومرتباتهم لا تواكب هذه الارتفاعات، ما يجعل المواطنين سواء العاملين في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص غير قادرين على الحصول على احتياجاتهم اليومية الأساسية .
ومع ذلك لا يبدي نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي أي اهتمام بمثل هذه الأزمات، وإذا تكرم على المصريين بمنح أو علاوات تكون غير ذات قيمة، إلا مجرد شو إعلامي لنظام إجرامي يسعى إلى تجويع المصريين وإذلالهم وفق خطة محددة سلفا ويتم تنفيذ بنودها تباعا، لكنه أبدا لا يفكر في وضع نظام أجور عادل يمنح العاملين حقوقهم مقابل أداء واجباتهم .
كانت وفاة الأستاذ سليمان محمد عبد الحميد، مدير مدرسة صفط الشرقية الابتدائية بمحافظة المنيا، أثناء خروجه للعمل ثاني أيام عيد الأضحى في مجال البناء، وأثناء وقوفه على السقالة قد فتحت هذا الملف الذي يحاول نظام الانقلاب التشويش عليه، والظهور بأنه يدافع عن حقوق العمال وعدالة الأجور والمرتبات على غير الحقيقة .
ورغم مسارعة نظام الانقلاب إلى نفى الحادثة، والزعم بأن مدير مدرسة صفط الشرقية توفي نتيجة أزمة قلبية وأنه لم يكن يعمل في مجال البناء كعمل إضافي، وأن أحواله المادية ميسورة إلا أن آلاف الحالات المشابهة ظهرت على السطح لتكشف أكاذيب عصابة العسكر .
“فواعيلة”
من ذلك أن هناك آلاف النماذج المماثلة لمديري مدارس ومدرسين اضطرتهم الظروف الاقتصادية الصعبة وضعف الرواتب والمعاشات للعمل بمهن غير مناسبة لسنهم، وبينها عمال “فواعيلة” يحملون الطوب والأسمنت بالقصعة، وكذلك العمل “كسائقي توكتوك”.
من بين هؤلاء قال مدير مدرسة يدعى “سعد” (55 عاما)، إن “العديد من المدرسين، يعملون في البناء مثل المدير الراحل، رغم أنها مهنة صعبة ولا يقدر عليها سوى الشباب.
وأضاف أن هناك معلمين يعملون في أصعب مهن مثل ، البناء والنجارة والحدادة والدهان والأثاث والكهرباء .
وأشار إلى أن هناك من يعمل في سيارات النقل الكبيرة، وسيارات نقل الركاب مقابل أجر يومي، وبعضهم يعمل في الزراعة والجزارة وبيع البهائم.
وأوضح أن راتب المدرس بين 4 و 6 آلاف جنيه، لكن المشكلة الأكبر هي المعاش لذي تبلغ قيمته نحو ثلث الراتب فقط، بجانب معاش نقابة المعلمين البالغ 100 جنيه فقط تُصرف كل ثلاثة أشهر .
تسول
وقال “محمد هادي” معلم على المعاش إن “راتب المعلم بعد عمل 30 عاما في التعليم بالكاد يتعدى الخمسة آلاف جنيه، وعند خروجه للمعاش لا يصل إلى ألفي جنيه” .
وأكد ” هادي” في تصريحات صحفية أن لديه مسؤولية كبيرة فهو مريض سكر وزوجته أيضا تتعرض لأزمات صحية من آن إلى آخر، موضحا أنه في ظل الغلاء الفاحش فإن مبلغ المعاش لا يكفي لدفع الالتزامات وشراء الطعام .
وأوضح، أن لديه التزامات نحو تعليم من تبقى من أبنائه وتزويج بناته، مؤكدا أن حكومة الانقلاب تركتهم يتسولون في شيبتهم.
صحفي أوبر
وقال أحمد (35 عاما) موظف بمجلس مدينة بمحافظة الشرقية: “ليست رواتب المعلمين فقط فكل رواتب الحكومة لا تكفي طبعا، ولذلك فان البديل هو عمل إضافي”.
في نفس السياق، تتواصل شكاوى الصحفيين من تدني الرواتب، التي تتراوح بين 3 و5 آلاف جنيه لأغلب من يعملون في صحف حكومية، وخاصة وتلك التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
وأكد الصحفي “م. ر” أنه عجز لسنوات عن إقناع المسؤولين بزيادة راتبه، فاضطر للعمل كسائق في إحدى شركات النقل الخاصة ، لتحسين دخله .
وكشف أن الكثير من الصحفيين بدأوا في امتهان مهن أخرى كالسمسرة في العقارات، أو التجارة عبر الإنترنت أو عمل مشروعات صغيرة.
نظام الأجور
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبدالمطلب وكيل وزارة الاقتصاد الأسبق، إن “نظام الأجور باعتراف نظام الانقلاب أقل من نصف وحتى ربع ما يحتاج إليه الموظف للحصول على حياة كريمة له ولأسرته”.
وأضاف عبدالمطلب في تصريحات صحفية، الحد الأدنى للأجور في حدود 3 آلاف جنيه، وحد الكفاف المطلوب لأن يعيش المواطن بالحد الأدنى لا يجب أن يقل عن 15 ألف جنيه، مؤكدا أن نظام الأجور لا يحقق الحد الأدنى للمواطن المصري .
وتابع، أما المعاشات فحدث ولا حرج، فربما ما يحصل عليه الموظف من خدمة لمدة 30 و40 سنة في الحكومة مبلغ لا يكفيه 3 أو 4 أيام في الشهر، خاصة المشاكل الصحية لصاحب المعاش .
وعن وضع نظام أجور عادل، أوضح عبدالمطلب، للأسف على مدار السنوات يبدو أنه مستحيل الوصول لهذا النوع من العدالة، لافتا إلى أن العمل الحكومي في أغلبه غير منتج وغير منظم، وفي الإدارات المحلية ينقصه الكثير من التنظيم حتى يكون فاعلا .
وأشار إلى أن بعض الجهات تتحدث عن تحقيقها أرباحا مثل هيئات البترول وقناة السويس والضرائب والجمارك، ويعتقدون أن هذا مجهودهم ويستحقون الراتب الأكبر مقارنة بزملائهم، مشددا على أنه من المفترض أن يعمل القطاع الحكومي كوحدة واحدة وكنظام واحد كونه متكاملا، فبدون المختصين بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لن يكون هناك تنظيم للعاملين في قطاع البترول .
وأكد عبدالمطلب أن الوصول لنظام أجور عادل شبه مستحيل، خاصة مع خطط حكومة الانقلاب لتقليل عدد الموظفين لأدنى مستوى، وربما ترى أن التضييق على الموظفين الحاليين قد يدفعهم للاستقالة وتنفيذ خطة حكومة الانقلاب، أما أن تجعل العمل الحكومي عملا جاذبا فهذا ليس بخططها حتى الآن على الأقل .
الانفتاح الاقتصادي
وأرجع الدكتور عاصم الدسوقي الأستاذ بكلية الآداب جامعة حلوان أزمة تدني الرواتب إلى سيطرة رأس المال على الاقتصاد بكافة ألوانه، منذ أعلن الرئيس الراحل أنور السادات، سياسة الانفتاح الاقتصادي والحرية الاقتصادية .
وقال الدسوقى في تصريحات صحفية: إن “رأس المال يهمه أن يكسب ولا يخسر أو يكسب كثيرا ويخسر قليلا، فتكون النتيجة تخفيض عدد العاملين لديه ولا يستطيع العاملون الدفاع عن مصالحهم “.
وأكد أن العمل النقابي لدينا ليس له معنى، فالنقابات في البلاد الرأسمالية تفرض مطالبها على أصحاب العمل عن طريق التهديد بالإضراب فيضطر أصحاب العمل للاستجابة لمطالبهم فتنتهي المشكلة .
واضاف الدسوقي، لكن في مصر النقابات تهتم بالدستور والأحزاب وانتخاب الرئيس، ولا تهتم بإجبار أصحاب العمل على الاستجابة لمطالبهم كلما زادت الأسعار وتكاليف المعيشة .