تبعات احتكار موسكو تصدير القمح لمصر .. مركز لوجستي روسي فور انسحاب السيسي من الاتفاقية الدولية للحبوب

- ‎فيتقارير

 

سارع الروس إلى تنمية احتكارهم القمح الوارد إلى مصر، وهي أكبر مستورد في العالم للقمح، وذلك في اليوم ذاته من انسحاب مصر من اتفاقية تجارة الحبوب العالمية لتوفير نفقات الاشتراك بها، واتفاقية تجارة الحبوب الأممية، التي كانت وقعت عليها في عام  1995 م ضمن 35 دولة لتوفير مجال آمن لتجارة الحبوب في العالم.

غير أن حكومة  المنقلب السفيه السيسي أخطرت الأمين العام للأمم المتحدة في فبراير الماضي، بنيتها الانسحاب من الاتفاقية اعتبارا من نهاية يونيو الماضي، وذلك وفقا لتصريحات مصدر من وزارة الخارجية لـرويترز، بعد تقييم مشترك قامت به وزارتا الخارجية والتموين، خلص إلى أن عضوية مصر في هذه الاتفاقية لا تنطوي على قيمة مضافة، وذلك في ظل ارتفاع أسعار الحبوب عالميا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وتتجه روسيا لتعزيز العلاقات التجارية مع مصر، يرى مراقبون أنه اتجاه  له تبعات كثيرة، وقال نائب مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، علي الإدريسي، في تصريحات صحفية: إن “مصر، التي تعتمد بشكل رئيسي على استيراد الحبوب من روسيا، لم تجد التأمين الكافي لاحتياجاتها من القمح من هذه الاتفاقية بالشكل المتوقع، وذلك بسبب الصراع الحالي بين روسيا من جانب، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جانب آخر، فضلا عن إقرار عدة عقوبات اقتصادية متبادلة”.

وأضافوا أن الأزمات، بسبب الحرب رمت بظلالها على العالم، غير أنها نبهت لضرورة التحرك بوتيرة أسرع في ملف الأمن الغذائي، من ثم حدثت تحركات دولية حثيثة على شاكلة توطيد  التصدير الروسي بمنطقة تجارة حرة، أو اعتبار مصر مركزا استراتيجيا لتخزين وتصدير الحبوب الروسية وعلى رأسها القمح.

 وقال الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة القاهرة: إن “التعامل التجاري بين مصر وروسيا بالعملات المحلية خطوة ستغيّر وجه العلاقات، وقال في تصريحات صحفية إن ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري أجّج الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعاني منها مصر جراء الحرب، من ثم إدراج عملات أخرى ضمن التعاملات التجارية الدولية من شأنه حلحلة الأزمة وتخفيف الضغط على الدولار، لا سيما إذا كانت السلعة المقصودة هي سلعة استراتيجية مثل القمح”.

الوضع المحلي

ويعتبر العرض الروسي بمثابة إنقاذ لحكومة السيسي، حيث نقصت المساحة المزروعة بالقمح من حوالي 3.4 مليون فدان عام 2013 إلى نحو 3 مليون فدان عام 2017، بينما زادت إنتاجية فدان القمح من نحو 2.8 طن عام 2013 إلى نحو 2.88 طن عام 2017 بزيادة بلغت نحو 0.08 طن عن مثيلتها في عام 2013، ونقص إنتاج القمح من نحو 9.5 مليون طن في عام 2013 ليصل إلى نحو 8.8 مليون طن في عام 2017 ومن المتوقع في عام 2018 أن تبلغ مساحة القمح نحو 3.2 مليون فدان بزيادة نحو 5.3% عن مثيلتها في عام 2017، وتبلغ إنتاجية الفدان نحو 3.022 طن بزيادة تبلغ نحو 141 كجم عن مثيلتها في عام 2017، وعلى ذلك فمن المتوقع إن يصل إجمالي إنتاج القمح عام 2018 إلى نحو 9.7 مليون طن بزيادة تبلغ نحو 10.5% عن مثيله في عام 2017 بحسب بيانات من مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة.

وقال المراقبون: إن “مشروع مستقبل مصر تصل جملة الأرض المنزرعة بالقمح  40 ألف فدان فقط، وبالنسبة لمشروع توشكى، فبحسب تصريحات مستشار وزير الزراعة، نعيم مصيلحي، زرعت الحكومة فيه 30 ألف فدان قمح، وانتهت من تجهيز 100 ألف فدان للزراعة بشكل عام، فيما تعمل على تجهيز 100 ألف فدان أخرى بنهاية العام، ما يعني أن إجمالي المساحة المستصلحة أو التي أوشكت على الاستصلاح في المشروعين ستكون 270 ألف فدان فقط، بحسب التصريحات”.

وبفرض أن المساحة المستصلحة كاملة ستخصص لزراعة القمح فقط، وبمتوسط إنتاجية يبلغ 3 طن قمح لكل فدان، فإن إجمالي كميات القمح المنتجة من المشروعين لن تتجاوز 810 ألف طن، وهو أقل من نصف المستهدف الذي أعلن عنه مصيلحي.

مركز أفريقي للحبوب؟

ولجأت روسيا لخطوة التعامل مع مصر بعد تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تراجع الطلب على القمح الروسي بسبب العقوبات الغربية على روسيا التي تَحول دون سير عمليات توريد القمح على النحو السابق، في الوقت عينه تزداد الحاجة المصرية لاستيراد القمح بعد تراجع المحصول الأوكراني الذي كانت تعتمد عليه مصر قبل الحرب، معادلة جمعت مصر وروسيا على طاولة المصالح المشتركة.

 

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين: إن «مصر ستصبح مركزا للحبوب الروسية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، في وقت يشهد القمح الروسي أكبر تراجع في الأسعار خلال مارس الماضي، حسب تقرير نشرته وكالة أنباء «تاس» الروسية، الثلاثاء الماضي، وذكر التقرير أن أسعار القمح لم تشهد هذا الانخفاض منذ 27 نوفمبر 2019، بعدما وصل سعر القمح من الدرجة الثالثة في روسيا إلى 11550 روبلا للطن في 29 مارس الماضي، وأرجع خبراء هذا الانخفاض إلى تحقيق فائض من القمح على خلفية قلة الطلب من المصدّرين”.

طاقة الصوامع  في مصر زادت طاقتها من نحو 1.4 مليون طن في 2014 إلى 5.5 مليون طن الآن.

واتجه البنك المركزي الروسي، مطلع العام الجاري، لإدراج الجنيه المصري ضمن سلة أخرى من العملات تمهيدا لتطبيق آلية تسوية مدفوعات التبادل التجاري بالعملات المحلية بدلا من الدولار.

وفي مارس الماضي، استقبل ميناء دمياط «أكبر» شحنة من نوعها من القمح الروسي، وبلغت حمولتها 100 ألف طن من القمح، لصالح الهيئة العامة للسلع التموينية.

اتفاقية تجارة أممية

وأخطرت مصر الأمين العام للأمم المتحدة في فبراير الماضي، بنيتها الانسحاب من الاتفاقية اعتبارا من نهاية يونيو الماضي، وقالت مصادر من قطاعات المطاحن والاستيراد والسلع التموينية ومن منظمة الفاو، تحدثت بشكل منفصل إلى «لمدى مصر»:  “مصر قررت الانسحاب من الاتفاقية، ﻷن تكلفة الانضمام لها تفوق المكاسب منها”.

أحد المصادر من مستوردي الحبوب، قال إن “قرار الانسحاب جاء بناء على طلب من وزارة المالية بهدف خفض النفقات، فيما أوضح مصدر من هيئة السلع التموينية أن مصر كانت تتكلف 600 ألف دولار سنويا للاشتراك في الاتفاقية، ارتفعت في آخر سنتين إلى 800 ألف دولار سنويا، تأثرا بالحرب ومشاكل سلاسل الإمداد”.

وأوضح المصدر اﻷخير، أن مثل هذه الاشتراكات تهدف لتوفير القمح للدول الأكثر احتياجا، خاصة في أوقات الأزمات، ما يمثل عبئا اقتصاديا على مصر في الوقت الحالي، خاصة أنها لا تحصل على مقابل من الاتفاقية يحقق لها الأمن الغذائي المنشود.

ما قالته المصادر يتفق مع تصريحات وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، في مارس الماضي، بأن الانسحاب يهدف إلى توفير العملة الصعبة.

كانت وزارة التموين قد استهدفت، مطلع العام الماضي، جمع ستة ملايين طن من القمح المحلي، للاستغناء عن جزء من القمح المستورد، الذي ارتفعت أسعاره بشكل مضطرد مع الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي سبيل ذلك، مدّت الوزارة موسم الحصاد حتى نهاية أغسطس 2022، بدلا من انتهائه في يوليو مثل كل عام، يمكنك متابعة تقرير مدى مصر في هذا الصدد.

 

وأظهرت بيانات رسمية  اختلاف الأرقام الرسمية لكميات القمح التي جمعتها الحكومة من المزارعين، عن الأرقام الواردة في تصريحات مسؤولي وزارة التموين وعلى رأسهم الوزير، علي المصيلحي.

 

وأعلنت غرفة صناعة الحبوب،  أن الحكومة جمعت ما يتجاوز أربعة ملايين طن قمح محلي الموسم الماضي وقال آخرون: إنها “لم تجمع الموسم الجاري 2023 سوى 3 ملايين طن”.

طريق الوزارة لجمع القمح المحلي كان مليًئا بالعقبات، إذ امتنع عدد كبير من المزارعين عن توريد المحصول، رغم إلزام الحكومة لهم بالتسليم، وتلويحها بعقوبات تصل إلى الحبس بحق الممتنعين عن التوريد، لكن الفرق بين سعري القمح العالمي وبين السعر الذي عرضته الحكومة لشراء المحصول المحلي من المزارعين خلق ثغرة نفذ منها القطاع الخاص لشراء القمح المحلي، رغم منعهم قانونيا من ذلك.

 

تضارب المعلومات لم يتوقف عند كميات القمح الموردة فقط، لكنه وصل إلى المبالغ التي دفعتها الحكومة للمزارعين مقابل القمح، والتي صرح المصيلحي أكثر من مرة بأنها بلغت 23 مليار جنيه، مقابل أربعة ملايين طن قمح وردها المزارعين، ما يعني أن سعر الطن بلغ خمسة آلاف و750 جنيها، وهو أقل بـ50 جنيها من المتوسط الذي حددته الحكومة من قبل.

 

إن كانت الحكومة لم تجمع سوى أقل من 3.8 مليون طن، وسددت مقابل أربعة ملايين طن، فهذا يعني أنها صرفت ما يقرب من مليار جنيه مقابل كميات قمح لم تورد.تصريحات مصيلحي غير الدقيقة، امتدت إلى المساحات الزراعية الجديدة، والذي أكد أنها ستوفر 2 مليون طن قمح خلال العام المقبل، من مشروعي توشكى ومستقبل مصر فقط، بحسب “مدى مصر”.