"تكريم الميت دفنه " قول مأثور للحث على ضرورة سرعة دفن الموتى ، مستمدة من حث رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام على سرعة دفن الموتى ، ولكن في زمن عسكر انقلاب 2013 ، لم يعد هناك أدنى قيمة للمصري حيا أو ميتا ، بعد أن سيطر العسكر على الأراضي المخصصة لبناء المقابر وفرضوا أموالا طائلة على تراخيص الجبانات، فالمصري يهان في كل الأوقات حتى بعد موته، فعندما يكون حيا فهو غير قادر على إطعام أسرته بسبب جنون الأسعار الذي تسبب فيها المنقلب السفيه السيسى وعصابته القذرة .
وبعيدا عن فواتير العلاج بالمستشفيات والوحدات الصحية الذي بات يرهق ميزانية أي أسرة بها مريض، إلى أسعار الأدوية المرتفعة والمتناقصة بالأسواق، والتي تهدد الأحياء ومن ورائهم الأموات وأسرهم بالديون والأعباء المتفاقمة، وصولا إلى دفن الموتى وموارة الجثث الثرى ، بعد حياة باتت مريرة على أغلب المصريين، وصولا إلى ارتفاعات جنونية في أسعار المقابر ، التي باتت سبوبة متفردة للحكومة وشركات جيشها الهمام، وذلك بعد تنفيذ أكبر حملات إزالة ضد المقابر التاريخية والقديمة والمقابر القريبة من المددن والقرى، تحت شعارات التطوير وإنشاء الطرق والمحاور المرورية الجديدة والكباري.
بلدوزارات الجيش
وقد ساعد في رواج تلك التجارة الحرام، مشاهد بلدوزارات الحكومة والجيش التي تتوجه لهد أشهر المقابر في القاهرة الكبرى والمحافظات، وعلامات "إزالة" التي ترسم على المقابر والبيوت في عموم مصر، بلا مبرر ، وتحطيم ملكيات الشعب المطحون دون جدوى اقتصادية، حيث أشارت اللجنة الاستشارية التي أعلن عنها رئيس الوزراء والسيسي لدراسة هدم المقابر التاريخية بالسيدة نفيسىة والسيدة عائشة ومصر القديمة، إن الطريق والكوبري الذي سيمر مكان المقابر التاريخية لن يوفر وقتا في الوصول للعاصمة الجديدة لن يزيد عن دقيقتين فقط.
ووفق شهود عيان وتقارير رصدية، فقد شهدت تجارة المقابر رواجا غير مسبوق، في أنحاء البلاد.
وتضاعفت أسعار القبور، بمعدلات سريعة، تزداد صعودا، كلما اقتحمت الحكومة أرضا بمعداتها الثقيلة لإزاحة مقابر قديمة عن أماكنها، فتسوي ببعضها الأرض، وتضيق على أخرى، لشق طرق سريعة، حول العاصمة والمدن الكبرى.
ازدادت الظاهرة استفحالا، بعد أن أرسلت الحكومة مخبري تحريات أمنية، على مدار عام 2022، لإعداد حصر شامل بمقابر المدن والقرى، ووضعت علامة على الكثير منها تحمل لفظ "إزالة".
وبدلا من أن توفر الحكومة بدائل مناسبة للمقابر التي تزيلها، كحق للآدميين أحياء وأموات، راحت الحكومة تستغل الأوضاع وتتوسع بالإتجار وممارسة البزنس، على حساب الأموات والأحياء، واستنفرت الحكومة أجهزة المحافظات، لعرض بيع مساحات واسعة للجمهور وشركات المقاولات، لإقامة مقابر حديثة، بمناطق العاشر من رمضان والعبور ومدينة بدر وأخرى على طريق العين السخنة والقاهرة الجديدة، وثالثة في توسعات بطريق الفيوم- القاهرة، ومدينة 6 أكتوبر، ومدن 15 مايو وحلوان بالجنوب والمحافظات التي تملك ظهيرا صحراويا بدلتا النيل وجنوب الوادي.
فاجأت الحكومة المواطنين بعرضها سعر المقبرة وفقا للسعة والتجهيزات، بأسعار تبدأ من 200 ألف جنيه إلى 350 ألف جنيه، بمساحات تبدأ من 25 إلى 40 مترا مربعا، بدلا من تحصيل حق انتفاع لمدد تصل إلى 50 عاما، بقيمة لا تتجاوز 500 جنيه لأرض المقبرة التي لم تقل يوما عن 40 مترا.
وأصبحت الجهات الحكومة أكبر مستثمر عقاري في القبور، منذ عام، استطاعت خلاله بناء مقبرة على مساحة 10 كيلومترات مربعة على طريق العين السخنة، بتجهيزات مغرية، واستراحات فاخرة، مفروشة بالرخام ومظلات تحيط بها الأشجار، وتجهز أخرى على الطرق الصحراوية الرئيسية.
ووضعت إدرة الجبانات العديد من اشتراطات لبناء المقابر، برخصة ارتفعت قيمتها من 500 إلى 5 آلاف جنيه للمقبرة الصغيرة.
الزيادة الهائلة في سعر المقابر
وتسببت الزيادة الهائلة في سعر المقابر في تراجع متوسط المساحات إلى 20 مترا للمقبرة، تتضاعف قيمتها مع زيادة المساحات، تباع مقبرة الـ20 مترا ما بين 180 ألفا إلى 350 ألف جنيه، والمتوسطة سعة 40 مترا ما بين 320 ألفا إلى 600 ألف جنيه، والأحواش بمساحة تزيد عن 120 مترا ما بين مليون إلى مليوني جنيه حسب الموقع وقربه من الطرق الرئيسية.
زادت الأسعار بمعدلات هائلة، خلال عدة أشهر، فالحكومة تضيق على سكان القبور، وتضغط الأسعار على الأحياء، في وقت تتدهور قيمة الجنيه وترتفع معدلات التضخم في أسعار المستهلكين بنسب غير مسبوقة تاريخيا، بلغت نحو 37% الشهر الماضي، بينما تعدت 41% بالتضخم الأساسي وفقا لتقديرات البنك المركزي.
كما تبني شركات تابعة للجيش آلاف المقابر، في طريق العين السخنة، للعاملين بها والجمهور، تشارك أجهزة الجبانات بالمحافظات المطورين العقاريين في بناء مجمعات قبور على طريقة "كومبوندات" الإسكان الفاخر بمدن العبور و6 أكتوبر وبدر والقاهرة الجديدة، عدا ما تخصصه من مساحات تتراوح ما بين 1000 متر وعدة أفدنة لجمعيات تابعة لجهات عامة وشركات، تتولى بناء القبور لصالح أعضائها فقط.
أسعار المقابر تنافس أسعار الشقق
يعرض المطورون بيع المقبرة نقدا وبالتقسيط لفترة زمنية تتراوح ما بين 6 أشهر إلى 3 سنوات، ونظرا للغلاء الفاحش في أسعار المقابر، ترفض الشركات الكشف عن الأسعار علنا وتفضل التعامل المباشر أو عبر الهاتف الشخصي مع الجمهور، يرجع مسوقون الأمر إلى مخاوف الشركات من فرض الحكومة ضرائب على مبيعاتهم، بعد أن طبقت نظام تحصيل الضرائب بالفواتير الإلكترونية على شركات المقاولات.
ووفق مطورين عقاريين، فقد بلغ سعر المقبرة مساحة 40 مترا، تشطيب متوسط، يتراوح ما بين 320 ألف جنيه و350 ألفا، في العبور ومقابر طريق الفيوم وبدر والعين السخنة، ويصل إلى 600 ألف بمقابر 6 أكتوبر القديمة والقاهرة الجديدة، ومدينة نصر.
البيع بالتقسيط
ولمواجهة الغلاء الفاحش، يجري البيع بالتقسيط لدى بعض الشركات، ويجري على المقابر الحديثة، بعد دفع مقدم اتفاق للشراء بقيمة 10 آلاف جنيه، يعقبه سداد 180 ألف جنيه نقدا، لأول قسط، يتسلم بعدها المشتري المقبرة.
وتحصل قيمة المقابر القديمة نقدا، وتبدأ أسعارها من 600 ألف جنيه بالمدن الجديدة وترتفع إلى ما يزيد عن مليون جنيه، وسط مصر الجديدة، ومدينة نصر والأحواش الكبيرة بمدن 6 أكتوبر ومقابر الجيش بطريق العين السخنة، ومقابر القاهرة القديمة غير المعرضة للهدم.
وهكذا لم ترحم راسمالية العسكر المتوحشة الأحياء والأموات، على الرغم من تكفل جميع دول العالم بمهام دفن الموتى وتوفير القبور عبر الحكومة بشكل تام، ولكن العسكر أدمنوا الإجرام والإتجار في دماء المصريين أحياء وأموات.