بلا اكتراث بصحة المصريين أو أوجاعهم المتفاقمة، تصر حكومة السيسي على إدارة الملفات الأساسية بمصر بعقلية أمنية، حتى لو ترتب عليها كوارث إنسانية أو صحية أو غيرها، كما حدث من قبل مع جائحة كورونا التي لم تكشف عنها الحكومة، إلا بعد أن تحدثت صحافة الصين وبريطانيا عن عودة رعاياهما مصابين من مصر بالمرض.
فمنذ مايو الماضي، تضرب إصابات حمى الضنك العديد من قرى الصعيد في محافظات قنا والأقصر والبحر الأحمر، خاصة في سفاجا والقصير والغردقة، دون تحرك فعلي من الحكومة التي تصر على أنه لا شيء، تاركة الأهالي يعالجون أنفسهم عبر الصيدليات ، لخلو المستشفيات بالصعيد من الأطقم الطبية والتجهيزات الطبية والأدوية.
تكتم حكومي
وحتى أمس الثلاثاء، لم تخرج وزارة الصحة ببيان رسمي حول انتشار المرض ، وجهود مكافحته، وذلك خشية من انزعاج السياح خلال موسم الصيف في مناطق سواحل البحر الأحمر، التي تعد المصدر الأساس للمرض.
وبدأت وزارة الصحة الإعلان أمس الثلاثاء عن تعدد الإصابات في قرية نجع سندل بمحافظة قنا.
وشخّصت الوزارة، في بيان لها، إصابات حمى الضنك التي رصدت في محافظة قنا، بأنها بسيطة، وخضعت لعلاجات منزلية من دون الاضطرار إلى نقلها لمستشفيات، ورجحت ارتباط بعض الإصابات بأخرى عانت من أعراض مماثلة في مدينتي سفاجا والقصير بمحافظة البحر الأحمر الأكثر جذبا للسياح في مصر.
وأوضحت أن نتائج التحاليل وتلك الخاصة بقياس كثافة البعوض وتصنيف الحشرات ورصدها، وفحص اليرقات، أظهرت وجود نوع البعوضة الناقلة لمرض حمى الضنك التي تعرف باسم "الزاعجة المصرية"، وإيجابية عينات للمرض الذي يؤلم العظام.
وتتكاثر بعوضة "الزاعجة المصرية" وأيضا "الزاعجة المرقطة" الأقل نقلا للمرض، في أماكن تجمع المياه الراكدة، وتجمعات القمامة، والصرف الصحي الذي يخلو من أغطية، والخزانات المكشوفة.
وقدرت الوزارة عدد الإصابات بحمى الضنك في محافظة البحر الأحمر بأضعاف تلك المسجلة في محافظة قنا التي تبلغ نحو 200 في قرية واحدة، في حين تجاهلت الحديث عن انتشار المرض في مدينتي سفاجا والقصير السياحيتين، رغم أنهما يعتبران منشأ الإصابات، ويتكدس المرضى في مستشفياتهما، علما أن مسؤوليهما تعمدوا قطع مياه الشرب عن الأهالي، بسبب وجود البعوض الناقل للحمى في المياه المخزنة، ما دفع هؤلاء إلى شراء مياه معبأة بأسعار مرتفعة.
إهمال حكومي
ووفق المبادرة المصرية للحقوق ، فإن «المرض يتكرر بصفة سنوية في مصر في هذا الوقت، ويصيب دائما محافظة قنا، وبشكل أكبر محافظة البحر الأحمر، لأن الأخيرة تعتمد على تخزين مياه الشرب لفترة طويلة، والمياه الراكدة سواء مياه الشرب أو الصرف الصحي، بيئة مناسبة لتكاثر بعوضة الزاعجة».
ووفق قيادات محلية بقنا، فإن الإصابات ليست قادمة من البحر الأحمر، لأن البعوض الناقل للمرض موجود بالفعل في النجع نتيجة عدم تطهير غُرف الصرف به، ووجود أحواض مكشوفة لتجميع صرف مركز قوص التابع له نجع سنبل ، تقدر مساحتها بـ 105 أفدنة على بُعد اثنين كيلو متر فقط من النجع.
وأضاف المصدر: «الأهالي تقدموا في أبريل 2022 بمذكرات وطلبات للوحدة المحلية، والمحافظ، ومجلس الوزراء ونواب البرلمان، والإدارة الزراعية، والصحة، لإجراء عمليات الرش والتطهير في النجع للقضاء على ناقلات الأمراض»،
واختتم المصدر: «آخر مرة العربية رشت النجع من سنة، وإحنا اللي دافعين تمن زيارة العربية».
وروى أهالي قرية العليقات بصعيد مصر أن أعراض المرض ظهرت لدى مئات من سكان القرية، بعد عودة شبان من رحلة أمضوها خلال عيد الأضحى على شاطئ القصير، جنوبي محافظة البحر الأحمر.
غياب دور المستشفيات الحكومية
ووفق شهود عيان، فإن عدم وجود كادر طبي بالوحدات الصحية في قرى ونجوع الصعيد، دفع كثير من الأهالي للاعتماد على الصيدليات، التي صرفت أدوية دون تشخيص المصابين بأعراض الحُمى، قبل أن تضطر الحالات للانتقال إلى المستشفيات، موضحين أن كثير من الحالات تلقت علاجها في مستشفيات، قوص العام وحميات قنا بمحافظة قنا، ومستشفى حميات الأقصر في محافظة اﻷقصر.
يشار إلى أن الأدوية التي وفرتها القوافل الطبية التابعة لوزارة الصحة غير كافية، ما يضطر بعض الأهالي لتوفيرها على نفقتهم من الصيدليات.
إحصاءات
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن حمى الضنك عدوى فيروسية يسببها فيروس ينتقل إلى البشر لدى تعرضهم للسعات بعوض تحمل العدوى التي تنتشر في أكثر من مائة دولة، وتقدر عدد الإصابات بنحو 400 مليون سنويا، مشيرة إلى احتمال تعرّض نحو 40% من سكان العالم لخطر الإصابة بأعراض خفيفة للمرض، مثل صداع حاد، وآلام خلف العينين، وفي العضلات والمفاصل، وغثيان، وقيء، وانتفاخ في الغدد، وطفح جلدي، وتدوم هذه الأعراض عادة بين يومين وسبعة أيام.
وتشير مصادر طبية إلى أن الإصابات بحمى الضنك تستجيب للعلاج باستخدام مخفضات الحرارة مثل الباراسيتامول، علما أن التفشي الوبائي للمرض يتكرر خلال فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
يشار إلى أن التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، يساهم في زيادة موجات الإصابة الموسمية ويزيد من حدتها.
ولعل تزايد نسب الفقر والعوز في مصر يدفع ملايين المصريين نحو عادات غذائية سيئة، ناهيك عن عدم توفر الأغذية الصحية ومقومات الحياة والصحة في ظل الفقر والبطالة والعجز المالي، الذي يفاقم الأزمات الصحية والإنسانية.