وليس غير النار والحريق تُخفى به بصمات السيسي عن خزانة الأوقاف المصرية، التي نهب ملياراتها بمعونة تابعه وأحد أهم أذرعه وزير الأوقاف في حكومة الانقلاب، محمد المختار جمعة، وعلى شاكلة حريق مجلس الدولة الذي التهم مستندات هامة من ضمنها الحكم التاريخي بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، كان حريق الأوقاف اليوم.
وقبل انتقالها إلى العاصمة الإدارية الجديدة، اندلع حريق داخل مبنى وزارة الأوقاف ، بمنطقة وسط القاهرة، وانتقلت سيارات الإطفاء إلى مكان الحريق، للسيطرة على ألسنة اللهب المشتعلة وإخمادها.
الوزارة الأغنى
وتعد وزارة الأوقاف هي الأغنى بين المؤسسات الحكومية في مصر، وذلك وفقا لحجم أملاكها التي كشف النقاب عنها مؤخرا، وهي السابقة الأولى من نوعها في تاريخ الوزارة، وفقا لخبراء.
وبلغت المحفظة المالية للوزارة نحو تريليون و37 مليارا و370 مليونا و78 ألف جنيه، أي نحو 58 مليار دولار، وفق ما أعلنه رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية سيد محروس.
وتوزعت هذه الأصول بين أملاك زراعية تقدر بـ759 مليارا و181 مليون جنيه وعقارات بقيمة تقديرية تبلغ نحو 137 مليار جنيه وأرض فضاء تقدر قيمتها بأكثر من 141 مليار جنيه.
واستنادا إلى هذه الأرقام فإن أملاك الأوقاف تعادل تقريبا الناتج المحلي الإجمالي لمصر في العام 2018 الذي بلغ نحو تريليون و52 مليار جنيه، أي نحو 58 مليارا و588 مليون دولار، فضلا عن امتلاكها ربع ثروة مصر العقارية، وفقا لتقديرات عدة.
وعلى الرغم من ضخامة تلك الأموال، فإن رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية الشيخ سلامة عبد القوي إبان فترة حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي شكك في صحتها، مؤكدا أنها تفوق ذلك بكثير.
الفساد العظيم
وقال عبد القوي حينما توليت منصب رئيس مجلس إدارة الأوقاف: "كنا نسأل دائما عن حجم أموال الوزارة، ولكن كانت الإجابة دائما جاهزة، ليس لدينا حصر دقيق بها، موضحا أنه شكل لجنة لحصر تلك الأموال، إلا أن الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الرئيس محمد مرسي في صيف 2013 حال دون استكمال أعمالها".
وأضاف ، طالما لا يوجد حصر سابق بتلك بالأموال فإذن هناك سرقة.
وتتسق اتهامات عبد القوي مع ما كشفه فريد الديب المحامي الراحل للمخلوع الراحل مبارك، الذي سبق أن اتهم وزير الأوقاف الحالي مختار جمعة بالتورط في قضايا رشوة المتهم فيها وزير الزراعة الأسبق صلاح هلال المحكوم عليه بالسجن عشر سنوات، وهو ما نفاه جمعة.
وقال نقيب الصحفيين المصريين الأسبق ممدوح الولي: إن "خسارة هيئة الأوقاف على مدار الأعوام بين 2010 و2018 بلغت نحو 226 مليون جنيه مصري، كما أنها لم تنشر أي بيانات مالية للعام 2019، ولم تحقق أي أرباح طوال السنوات العشر الماضية، وهو ما يشير إلى أنها لم تقم بأي مشروع خيري خلال هذه الفترة".
وحظيت هيئة الأوقاف بنصيب كبير في تقارير الهيئات الرقابية، من بينها تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات الصادر عام 2016، اتهم أن فيه أجهزة الحكم المحلي بالاستيلاء على أكبر الأوقاف بمصر، وقد بلغت وقائع الفساد في الهيئة نحو 1895 قضية في عام 2016 فقط.
وكانت المستشارة أماني الرافعي رئيسة هيئة النيابة الإدارية قد أحالت أحمد عبد الحافظ رئيس هيئة الأوقاف السابق و9 من معاونيه إلى المحاكمة العاجلة، على خلفية ارتكابهم لمخالفات في عمليات بيع وشراء أسهم مملوكة للهيئة في بعض الجهات.
كما أحال النائب العام، اللواء ماجد غالب رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية الأسبق في يونيو 2019، إلى محكمة الجنايات مع 3 آخرين من قيادة الهيئة بتهمة تسهيلهم الاستيلاء على أراض للدولة بقيمة 336 مليون جنيه مصري، وقد اشتهرت القضية باسم الأربعة الكبار في هيئة الأوقاف.
وطالت المخالفات الإدارية والمالية وزير الأوقاف المصري نفسه، وبحسب تقرير صادر عن إدارة التفتيش المالي بوزارة المالية عام 2015، فقد قامت الوزارة بفتح حسابات في بنوك تجارية مخالفة للقانون، وصلت قيمتها إلى 275 مليون جنيه، منها صرف 5 ملايين جنيه لحرس الوزير وسائقه.
ويؤكد المحامي الحقوقي محمد عادل سليمان أن الفساد في هيئة الأوقاف لا يختلف عن الفساد في باقي الهيئات والمؤسسات الحكومية، وأن ما حرك القضية هو اكتشاف تلاعبهم بسعر إحدى الأراضي التابعة للهيئة أثناء بيعها لمستثمر، متسائلا عن أسباب تولي ضباط في الجيش رئاسة هذه الهيئة.
بدوره، قال محمد الصغير وكيل وزارة الأوقاف سابقا: إن "المسجد الأزهر في مصر يمتلك ثاني أكبر وقف في العالم بعد الحرمين الشريفين، وإن من أبرز أوجه الفساد داخل هيئة الأوقاف المصرية هي حجج الملكية، أي صكوك الأراضي الزراعية، وتحويلها من أراض للإيجار إلى أرض مملوكة لشخص ما".
في حين يؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أحمد ذكر الله أن وزارة الأوقاف كانت قادرة على تحقيق عوائد من الأوقاف لتساعد بها الحكومة المصرية، لكن إهمال الدولة والوزارة وتولي غير المختصين لها أدى إلى خسارتها.
ويدور صراع حول محاولات السلطة الاستيلاء على أموال الأوقاف وممتلكاتها، رغم أن أصحابها أوقفوها لأعمال الخير، ففي ديسمبر 2017 اجتمع السيسي بوزير الأوقاف محمد مختار جمعة، بحضور رئيس هيئة الأوقاف حينها أحمد عبد الحافظ، بالإضافة إلى رئيس المخابرات العامة، وتحدث السيسي حينها عن حق الدولة في الحفاظ على ممتلكات الأوقاف.
