يقول الكاتب الناصري عبد الله السناوي (في مقال "نصف انقلاب نصف اتفاق" المنشور بالشروق: 20/8/2012م): «قبل خمسة أشهر – يقصد مارس 2012م وقبل فوز الرئيس مرسي بالرئاسة – سألت قائداً عسكرياً كبيراً: من وزير الدفاع القادم؟ أجاب بكلمات مقتضبة: إنه أمامك الآن، مشيراً إلى اللواء عبد الفتاح السيسي، مدير المخابرات الحربية، الذي كان يجلس بجواره. ويضيف السناوي: «حججه في تزكيته أنه أصغر أعضاء المجلس العسكري سناً، وأن المؤسسة العسكرية تحتاج إلى تجديد دم شامل في قياداتها التي "شاخت" في مواقعها، وأن جيله يتعيَّن عليه الآن أن يُخلي تلك المواقع لجيل جديد من القادة العسكريين يتولى إعادة الانضباط للقوات المسلحة عند عودتها لمهامها في حفظ الأمن القومي ورفع مستويات التدريب تأهباً لأي احتمالات تطرأ».
وحسب السناوي فإن هذا الحوار لم يكن للنشر وشهد وقائعه ثلاثة من كبار الصحفيين؛ قال القائد العسكري البارز: "هذا ليس رأيي وحدي؛ إنه تفكير المشير حسين طنطاوي نفسه". يتفق مع ذات الرواية ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في تقرير لها تؤكد فيه: "أن المشير طنطاوي قدّم السيسي لمستشار أوباما لشؤون الإرهاب على أنه وزير الدفاع القادم في مصر.
مقال السناوي أريد به وقتها التقليل من شأن الخطوة التي أقدم عليها الرئيس مرسي في 12 أغسطس 2012 والتي أطاح فيها بالمشير طنطاوي والفريق سامي عنان وعدد من أعضاء المجلس العسكري في أعقاب مهزلة جنازة شهداء رفح. وهي الخطوة التي حظيت بدعم شعبي واسع؛ لكن مقال السناوي يذهب إلى أن ما جرى كان متفقا عليه داخل المؤسسة العسكرية وإن لم يكن بالصورة التي تمت، لكن اللافت في مقال السناوي أنه شاأ أثنى على السيسي كثيرا في الوقت الذي انتقد فيه وبشدة الفريق سامي عنان؛ لأن رئيس الأركان أشيع عنه وقتها أنه تواصل مع الإخوان بعيدا عن المجلس العسكري، في مسعاه نحو خلافة طنطاوي وطموحه نحو منصب رئيس الجمهورية، بينما تم تكليف السيسي من جانب المشير بالإشراف على ملف التواصل مع الإخوان.
خلال المرحلة الانتقالية كان السيسي يحظى برعاية خاصة من المشير طنطاوي الذي أولاه ثقة مطلقة وكان يعده على عينه للقيام بالدور المرسوم والمخطط له لحماية بيزنس المؤسسة العسكرية واحتكارها للسلطة في البلاد. هذه الرعاية الخاصة من جانب المشير رفعت مكانة السيسي بين قيادات الجيش؛ لأن تقريرا واحدا من السيسي باعتباره مديرا للمخابرات الحربية كان كفيلا بالإطاحة بأي قيادة كبرى؛ وصل الأمر بالسيسي إلى التواصل مباشرة مع المشير طنطاوي دون الرجوع إلى باقي اعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ ويتخذ فيها المشير قرارات فورية دون الرجوع للمجلس". حسب ما نشرته صحيفة (الفجر: 14/5/2013م).
بالنظر إلى طبيعة وفترة الترقيات داخل المؤسسة العسكرية فإن السيسي حظي بامتيازات واسعة دون غيره؛ فعادة ما تتم ترقية الضابط إلى رتبة أعلى بعد بقائه في منصبه ما بين سنة إلى سنتين؛ لكن السيسي ترقى على فترات لم تتجاوز (6 شهور فقط؛ والسرُّ في ذلك علاقته الوطيدة بالمشير طنطاوي.
وظف طنطاوي نفوذه الواسع للدعاية للسيسي في أوساط القيادات العسكرية العليا؛ وحتى بين ضغار الضباط؛ من أجل إعداده للدور المرسوم من أجل حماية نفوذ المؤسسة العسكرية واحتكارها للأوضاع في البلاد؛ والجملة التي قالها طنطاوي عن السيسي خبر دليل على ذلك حيث قال: "السيسي لا يفعل سوى ثلاثة أشياء في حياته: الصلاة وقراءة القرآن، ثم العمل، ثم ممارسة الرياضة". هذه المقولة انتشرت كثيراً بين ضباط القوات المسلحة، ورسمت صورة ذهنية جيدة عنه، واختاره طنطاوي ليشغل أهم منصب داخل الأمانة العامة لوزارة الدفاع، وهو رئيس فرع المعلومات والأمن، وأسهم هذا في تقريب العلاقة بينهما وإضفاء هالة كبيرة على شخصية السيسي بين أجيال مختلفة من الضباط، فالتقارير التي يكتبها كفيلة بصعود أو هبوط أي قيادة عسكرية، ثم حصل في فترة وجيزة على مكافأة ثانية من المشير وهي تعيينه مديراً للمخابرات الحربية. حسب ما نشرته جريدة (الفجر: 14/5/2013م).
التدين الشكلي والتهديد بالانقلاب
ومن العجب أن بعض القيادات العسكرية تلتزم ببعض الشعائر الدينية كالصلاة والصوم مثلا في حين تلاحق المؤسسة نفسها "الجيش" أي ضابط تظهر عليه ملامح التدين والالتزام؛ وهي مفارقة مثيرة للدهشة والاستغراب؛ بل إن ذلك يضع علامات استفهام كبرى حول طبيعة تدين كبار الجنرالات؛ وأن هذا التدين قد يراد به على الأرجح أن يكون دعائيا ولس حقيقيا، أو أنه يستخدم للتضليل والخداع لاكتشاف الملتزمين بالإسلام داخل صفوف الجيش والمؤسسات الدولة؛ لأن هذه القيادات العسكرية المتدينة كطنطاوي والسيسي لم تتورع مطلقا عن ارتكاب أبشع الجرائم كالقتل والظلم والنهب والمحسوبية وغيرها؛ تماما كالتزام بني إسرائيل أيام نبي الله عيسى عليه السلام؛ فقد كانوا يدعون أنهم حماة التوراة ورجال الله في الأرض، لكنهم في الوقت نفسه كانوا يحاربون نبي الله عيسى بكل غل وضغينة حتى تآمروا على صلبه وقتله فنجاه الله وكتب غضبه عليهم إلى يوم القيامة كما ورد ي سورة الفاتحة"المغضوب عليهم". وكان معروفاً عن المشير طنطاوي مثلاً أنه كان محافظاً على الصلوات في المساجد، وبخاصة صلاة الفجر، بينما ينقل عنه قوله إنه "إذا فكر أحد من الإسلاميين في السلطة ستُقطع رقبته" (الشروق: 2/4/2012م). وتنقل صحيفة الشروق عن قائد عسكري كبير قبل عام من تولي الرئيس الشهيد محمد مرسي الرئاسة قوله: "الانقلاب عمل انتحاري، لكننا مستعدون لهذا العمل الانتحاري لمنع إقامة دولة دينية في مصر" (الشروق: 2/4/2012م).
أهداف الجيش من الانقلاب
بعد عشر سنوات من تجربة الانقلاب، ندرك أن الجيش دبر انقلاب بدعم دولي وإقليمي واسع لتحقيق عدة أهداف منها منع إقامة دولة إسلامية في مصر ومنع إقامة نظام ديمقراطي لأن الديمقراطية سوف تأتي بالإسلاميين حتما، وهذا يمثل خطورة كبيرة على المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة وعلى رأسها المشروع الصهيوني الذي يراد له أن يبقى ويتمدد لمثل خنجرا مسموما في ظهر أمتنا يبقيها دائما في حالة تمزق واستنزاف مستمر.
على المستوى الداخلي أريد بالانقلاب أن يحمي المصالح والامتيازات الكبرى التي يتمتع بها الجيش وجنرالاته وكبار قادة مؤسسات الدولة؛ وعلى رأسها احتكار المناصب العليا في الدولة، وحماية بيزنس المؤسسة العسكرية؛ وقد رصدت وكالة رويترز ذلك في تحليل موسع لها سنة 2012م؛ وتنقل الوكالة عن أكثر من عشرة ضباط في الخدمة أو تقاعدوا حديثاً من أصحاب الرتب المنخفضة والمتوسطة، أنهم وزملاء لهم ضاقوا ذرعاً لازدياد ثراء عدد قليل من كبار الضباط، بينما تكافح الأغلبية العظمى من الضباط والجنود. وقال رائد في الجيش للوكالة: "الضباط في الجيش يعانون مثل باقي المصريين، خصوصاً في جزئية رفع مستوى المعيشة. وتتركز ثروة الجيش في يد أقلية. "الضابط لازم يوصل لرتبة معينة حتى يبقى له نصيب في الثروة".
لكن من أين أتى هذا الثراء بينما الدولة المصرية نفسها محدودة الموارد؟ في مؤتمر صحفي غير مسبوق عقده اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية، في 27 مارس 2012م، تحدث اللواء عن بيزنس الجيش وإمبراطوريته الاقتصادية المرامية الأطراف، حيث هدد كل من يقترب من أموال الجيش؛ قائلا: "أموال الجيش ليست من أموال الدولة ولن نسمح للدولة بالتدخل فيها؛ لأنها ستخربها وسنقاتل دفاعاً عن مشروعاتنا، وهذه معركة لن نتركها، والعرق الذي ظللنا 30 سنة لن نتركه لأحد آخر يدمره، ولن نسمح لغيرنا أياً كان بالاقتراب من مشروعات القوات المسلحة". وهذه التصريحات تؤكد أن الجيش ينظر إلى نفسه بوصفه دولة داخل الدولة لا يخضع لأي جهة رقابية إلا من داخله ولا يتسامح مطلقا مع الشعب إذا قرر فرض رقابته على أموال المؤسسة العسكرية ومشروعاتها التي طالت كل قطاعات الدولة.
وفي تقرير نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية قبل تصريحات اللواء نصر بيومين، ذكر أن الاستثمارات التي يقوم بها الجيش تبلغ من 10% إلى 40% تقريباً من الاقتصاد المصري. بينما يفصّل تقرير غربي آخر حجم الاقتصاد الذي يشرف عليه الجيش فيقول: "إنه وبموجب معاهدة كامب ديفيد كان على الجيش أن يقلص قواته، وبدلاً من تسريح مئات الآلاف من الرجال أقام الجيش مصانع لتوظيفهم، وتنتج هذه المصانع الآن كل شيء بدءاً من الذخيرة وانتهاء بقدور الطهي وطفايات الحريق وأدوات المائدة. ويدير الجيش أيضاً مصارف وعمليات سياحية ومزارع ومحطات لمعالجة المياه وسلسلة من محطات البنزين وشركات مقاولات وشركات استيراد. والشركات التي يملكها الجيش منفرداً معفاة من الضرائب، ويعمل فيها المجندون الذين يتقاضى الواحد منهم ما بين 17 و28 دولاراً في الشهر، غير أن الجيش يتولى إطعامهم ويقدم لهم الرعاية الطبية" (رويترز: 14/4/2013م).
من جانب أخير أريد بالانقلاب البرهنة على أن المؤسسة العسكرية هي سيف واشنطن في مصر الذي توجهه إلى أي تهديد محتمل لمصالحها في مصر والمنطقة، وفي مقابل هذه الوظيفة تقدم واشنطن للجيش معونة سنوية قدرها "1.3" مليار دولار، بخلاف الدورات التدريبية والزيارات المتبادلة التي جعلت واشنطن هي القائد الفعلي للجيش المصري. والسيسي نفسه تلقى دورة تدريبية في الولايات المتحدة الأمريكية ويحظى برضا أمريكي واسع. بمعنى آخر فإن أمريكا ومند اتفاقية كامب ديفيد اختطفت الجيش المصري لحسابها عبر شراء ذمم كبار القادة والجنرالات؛ فلا يتقدم إلى المناصب الرفيعة سوى القيادات التي تؤمن المصالح الأمريكية وتتفق مع مشروعها في مصر والمنطقة بينما يتم استبعاد أي قيادة يمكن أن تمثل تهديدا لهذه المصالح. وقد كشفت وثائق ويكيليكس عن أنه جاء في برقية دبلوماسية لوزارة الخارجية الأمريكية تعود إلى عام 2008م، أن المشير طنطاوي، وزير الدفاع المصري السابق، ملتزم بمنع الزج بمصر في أي حروب جديدة، كما أنه أبدى مراراً عدم الارتياح لتركيز الولايات المتحدة على مكافحة الإرهاب. وعلى العموم يدرك العسكريون المصريون خطوطهم الحمراء جيداً فلا يخرجون عنها بأي حال.