تواصل إثيوبيا الملء الرابع لخزانات سد النهضة الذي تبنيه على مياه النيل الأزرق، بالمخالفة للقوانين الدولية، ورغم العدوان الأثيوبي على الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل والتي تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا، باعتبار أن ملء الخزانات يكون بالخصم من حصة مصر السنوية من مياه النيل، إلا أن نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي يتجاهل هذه الاستفزازات الأثيوبية وتواصل أديس أبابا عملية ملء خزان سد النهضة بشكل أحادي بالمخالفة للأعراف والقوانين الدولية؛ وترفض توقيع أي اتفاقيات بشأن ملء وتشغيل السد مع دولتي المصب مصر والسودان.
يشار إلى أن منسوب بحيرة سد النهضة وصل إلى 611 مترا فوق سطح البحر بعد تخزين 9 مليار م3 خلال الأربعة أسابيع الماضية منذ 14 يوليو الماضي حتى الجمعة 11 أغسطس 2023، ليصبح إجمالي التخزين حوالي 26 مليار م3 .
ومن المتوقع أن يستمر التخزين الرابع حتى منتصف سبتمبر المقبل عند منسوب 625 مترا للممر الأوسط وجميع المياه التي تخزن حاليا هي من التدفق السنوي لمصر، وسوف يعود منها حوالي 10 مليار م3 خلال الأشهر العشرة القادمة، نتيجة فتح بوابتي التصريف وتشغيل توربين أو اثنين لعدة ساعات يوميا .
خسائر كبيرة
من جانبه حذر الدكتور عباس شراقي أستاذ السدود والموارد المائية بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة من مخاطر عديدة على مصر، تسببها التعبئة الرابعة لسد النهضة وعلى رأسها خسارة مائية تعادل إجمالي ما تم تخزينه خلال السنوات الثلاث السابقة وهي 17 مليار متر مكعب، ونقص هذه الكمية من خزان السد العالي، أو أن تقوم إثيوبيا بعمل مماثل في سدود أخرى داخل أراضيها تحمل مخاطر شديدة على مصر والسودان.
وأكد شراقي في تصريحات صحفية أن خطورة الملء الرابع لن تقل عن مخاطر الملء الثالث التي تسببت في نقص ملحوظ بإنتاج كهرباء السد العالي، نتيجة انخفاض منسوب بحيرة ناصر، وفقد حوالي 10% من المياه المخزنة على الأقل كبخار وتسريب تحت سطح الأرض.
وقال: إن "فقدان مصر مليار متر مكعب من المياه يعني خسارة مليار دولار سنويا في مجال الزراعة، لافتا إلى أن خسارة مصر حوالي من 18- 25 مليار متر مكعب، نتيجة ملء السد 4 مراحل، دفع حكومة الانقلاب للقيام بمشروعات عديدة للتعويض، كلفت مليارات الدولارات وأضرت بالاقتصاد المصري".
وانتقد شراقي مزاعم إثيوبيا بأن عمليات الملء لن تضر دول المصب، مؤكدا أن الاعتماد على بدائل لمواجهة أضرار سد النهضة لا يعني اعترافا بالأمر الواقع.
وطالب حكومة الانقلاب بممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية للوصول لاتفاق قانوني ملزم، لأديس أبابا دون الانجرار لأي صراع قد يضر بمصالح البلاد العليا ومؤسساتها الوطنية.
مناوشات معتادة
وقال الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة: إن "أثيوبيا والاتحاد الإفريقي تجاهلا قرار مجلس الأمن بسرعة استئناف المفاوضات والوصول إلى نتائج يتوافق عليها الأطراف الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا وتكون ملزمة، متوقعا أن يكون رد فعل نظام الانقلاب مجرد مناوشات معتادة تحدث كل عام قبل موعد الملء الجديد" .
وأضاف نور الدين في تصريحات صحفية ، مر على القرار 17 شهرا ولم يبذل أي من الاتحاد الإفريقي ولا إثيوبيا أي جهد لسرعة استئناف المفاوضات وتنفيذ قرار مجلس الأمن، معتبرا أن إعلان إثيوبيا بأنها انتهت من بناء 90% من السد هو أمر ساذج وفيه مكايدة مستفزة .
وأشار إلى أن نظام الانقلاب والسودان وافقا على السد بمواصفاته وسعة تخزينه في مارس 2015 ووقعا على إعلان مبادئ الخرطوم، وبالتالي فهي سذاجة سياسية معتاده من إثيوبيا.
ولفت نور الدين إلى أنه بعد ذلك أدلت إثيوبيا بتصريحات أنها لا تعترف بالحصة التاريخية لمصر والسودان ولا بالاتفاقيات الاستعمارية، وهي أيضا تصريحات تعكس سذاجة سياسية لأنه أولا لا يوجد شيء في القانون اسمه حقوق تاريخية، ولكن اسمه الحقوق المكتسبة أي كمية المياه التي تعودنا على وصولها إلى أراضينا عبر آلاف السنين ومن خلال الانحدار الطبيعي للنهر دون تدخل من مصر أو غيرها.
وأوضح أن قياس تدفقات نهر النيل المقدرة بحجم 84 مليار متر مكعب هي التي تصل إلى مدينة أسوان كل سنة ومنذ آلاف السنين، وليس للاستعمار ولا أي دولة دخل في هذا وعلى إثيوبيا أن تحترم التدفق الطبيعي للنهر.
وأكد نور الدين أنه من ناحية البرمجة الإثيوبية لعبارات محفوظة يرددونها جميعا بنفس الطريقة أمام وسائل الإعلام وهي الحصص الاستعمارية، فلا توجد أي اتفاقية وقعها الاستعمار بين مصر وإثيوبيا أو بين السودان وإثيوبيا سوى اتفاقية تنازل السودان عن منطقة بني شنجول لإثيوبيا وعلى إثيوبيا ردها إلى السودان بصفة حديثها عن الاتفاقيات الاستعمارية الظالمة، أنهم يحفظون فقط ولا يعقلون ما يقولونه.
وقال: إن "من حق مصر والسودان أن يعلما حجم التخزين الذي يتم كل عام وقبل أن يتم، ومن حقهما أن يعلما التشغيل لجميع التوربينات حتى تصل المياه المعتادة إليهما وإلا يكون التشغيل بإرادة إثيوبية منفرده بعيدا عن شركائها في النهر، فهذا نهر دولي عابر للحدود وليس نهرا إثيوبيا ينبع وينتهي في إثيوبيا".
بحيرة ناصر
توقع خبير السدود والأنهار محمد حافظ أنه في حالة استمرار فتح المنفذين السفليين للسد حتى نهاية فترة الفيضان، فهذا يعني تأخّر استكمال الملء الرابع، وبدلا من أن ينتهي منتصف سبتمبر ، سيتأخر إلى النصف الثاني من أكتوبر المقبل.
وأوضح حافظ في تصريحات صحفية أن ذلك يؤكد نية إثيوبيا استخدام المفيض الجانبي كبديل عن الممر الأوسط، لتصريف المياه للسودان ومصر بعد اكتمال الملء الرابع، بمعنى أنه بدلا من أن تقوم أديس أبابا بغلق المنافذ السفلية أثناء عملية الملء الرابع ومن ثم الاستيلاء على تدفقات الشهور القادمة للسودان لملء خزانات سدودها بـ 8.5 مليارات متر مكعب، وهو ما يوجب على السودان البدء في ملء سدودها في نفس فترة قيام إثيوبيا بالملء الرابع.
وقال: إن "الملء الرابع سينتهي بعد تخزين ما يعادل 43 مليار متر مكعب، بما فيه حصول السودان على حصتها، لتنشأ الأزمة بينها ومصر على 9 مليارات متر مكعب متبقية بعد انتهاء التعبئة الرابعة".
وأشار حافظ إلى أنه في السنوات الأربع الماضية كان فيضان النيل الأزرق يأتي أكبر بكثير من الفيضان المتوسط، بينما جانب نظام الانقلاب حسن إدارة بحيرة ناصر، فخسرت الكثير من المياه التي كان يمكن أن تخزنها البحيرة خلال سنوات الفيضان "السِمان" وجرى تخفيض الحصة المقررة والتي تُقدر بـ 55.5 مليار متر مكعب على الأقل، إلى أقل من ذلك بين عامي 2016 و2018، حيث تم تصريف كمية سنوية أقل بقرابة 10 مليارات متر مكعب.