مع استمرار فشل السيسي في إدارة الملفات الاستراتيجية في مصر، يواصل التعليم ـ وهو عصب الأمم ـ انهياره بمصر، مبشرا بجيل من الجهلة وأنصاف المتعلمين، وأشباه المتعلمين أيضا.
فمع تقليص موازنة التعليم لما دون المنصوص عليه دستوريا، تتراجع مستويات جودة التعليم في مصر وسط عجز كبير في أعداد المعلمين بجميع المراحل التعليمية ، يتجاوز 500 ألف معلم، بجانب انهيار المدارس ومستوياتها الإنشائية وازدحام الفصول وقلة الوسائل التعليمية وعدم كفاية المقاعد الدراسية، وهو ما يستحيل معه إتمام العملية التعليمية، في المدارس الحكومية، علاوة على ارتفاع وزيادات مصاريف المدارس الخاصة، ما يثقل كاهل أولياء الأمور.
بالإضافة إلى معالجات الحكومة الخاطئة لازمات نقص المعلمين، عبر تقليص وقت الحصص الدراسية، بما لا يمكن المعلم من شرح الدروس أساسا، وكذا محاولات الوزارة البائسة لتوفير معلمين بنظام التطوع أو الحصة مقابل إطلاق يدهم في إعطاء الدروس لتحصيل أية أموال تسد حاجتهم.
وهو ما يقبل به المعلمون من خارج المنظومة التعليمية مقابل تعويضهم بالدروس الخصوصية التي يجبر عليها الطلاب ، تحت سيف الحاجة وعدم الشرح بالمدارس.
حجز الدروس
وقبل الدراسة بأكثر من شهر، بدأ المُعلمون ومراكز الدروس الخصوصية الإعلان عن موسم الدروس الخصوصية الجديد مبكرا، أي قبل أكثر من شهر على بداية العام الدراسي الجديد في 30 سبتمبر المقبل، بحسب وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني .
وبدأ الطلاب حجز أماكنهم في المراكز التعليمية المنتشرة على مستوى محافظات مصر، أو حجز مدرس خاص للعام الدراسي المقبل.
وانتشرت إعلانات المعلمين على وسائل التواصل الاجتماعي لإعطاء دروس خصوصية في مختلف المراحل الدراسية، وذلك في المنازل أو المراكز التعليمية، التي يعتمد عليها الطلاب وخصوصا في المرحلة الثانوية.
وتحولت الدروس الحصوصية إلى تجارة مرهقة، تنهك الأسر، إذ تستحوذ وحدها على نحو 60% من دخل الأسرة، بينما لا يكفي باقي الدخل لسداد قيمة الفواتير الشهرية وباقي نفقات الأسرة.
ومع الأزمة الاقتصادية التي تضرب عموم مصر، باتت الأسر مجبرة على الاستدانة، لسداد مصاريف الدروس الخصوصية، على أمل اننهاء العام الدراسي الماضي، طلبا لراحة صيفية، إلا أن مراكز الدروس الخصوصية، بدأت مبكرا في استنزاف جيوب المواطنين.
ووفق معلمين، فإن الأسباب التي تدفع الطلاب إلى الالتحاق بالدروس الخصوصية هي ضعف المناهج الدراسية، ووسائل التدريس في المدارس، وعدم كفاية الوقت الذي يقضيه الطلاب في المدرسة، والرغبة في الحصول على درجات مرتفعة في الامتحانات لضمان حجز مكان في المرحلة الأعلى، بالإضافة إلى امتناع بعض المدرسين عن الشرح الكافي في الفصل.
أين الأزمة؟
ويعلق أحد المعلمين والحبراء التعليميين ، في تصريحات صحفية، بقوله: “الأزمة ليست في المعلم بل في المنظومة التعليمية ككل، لأن الكثافة العالية للطلاب في الفصول، وسوء بيئة العمل، وعدم توفير أي أدوات لاستخدام أساليب التعليم الحديثة، وضعف رواتب المعلمين، وعجز القوانين واللوائح عن ردع أي طرف يقصر في مهامه داخل المنظومة، يجعل من المدرسة بيئة عاجزة عن توفير التعليم الحقيقي للطلاب، ما يضطرهم للجوء إلى الدروس الخصوصية”.
وعن بدء الدروس مبكرا، يقول: “المناهج طويلة وتحتاج وقتاً أكبر من العام الدراسي، والأهل ينتظرون إلمام أولادهم بالمنهاج الكامل والمراجعة أكثر من مرة قبل الامتحانات، ما يتطلب البدء مبكرا وعدم تضييع أي وقت”.
ووفق دراسات اجتماعية، فإن “تمكنت من الدروس الخصوصية، تبتلع المنظومة المدرسية بشكل كامل، وأصبحت الركيزة الأولى للدراسة في مصر، وخصوصا بعدما نوعت من أساليب تقديمها للخدمة سواء في البيوت أو مراكز الدروس الخصوصية أو أونلاين.
بل أصبحت الدروس الحصوصية مكلفة بالنسبة لميزانية الأسرة، وتستهلك كل أوقات الطلاب حتى قبل بدء العام الدراسي، وباتت تسبب ضغطا نفسيا كبيرا عليهم، بالإضافة إلى تسببها في تدني مستوى التحصيل الدراسي في المدارس الحكومية، إذ يفضل الطلاب الالتحاق بالدروس الخصوصية بدلا من الدراسة في المدارس.
التهام 60 مليار جنيه
ووفق خبراء اقتصاديين، تلتهم الدروس الخصوصية أكثر من 60 مليار جنيه سنويا.
وهو ما ينعكس على حركة المبيعات في عموم السوق المصري، بنسبة 30% تراجعا في حركة البيع، وقت الموسم الدراسي.
ويقدر عبدالنبي عبد المطلب، الخبير الاقتصادي، حجم الإنفاق الأسري على الدروس الخصوصية في مصر بأكثر من 60 مليار جنيه سنويا، على أساس أن هناك في مصر 650 ألف طالب في الثانوية العامة، يحصلون على دروس خصوصية في المراكز المنتشرة في أغلب مناطق الجمهورية بمتوسط يومي 100 جنيه، وهو ما يعني حصيلة يومية 650 مليون جنيه وشهرية، 1.95 مليار جنيه، وسنوية حوالي 24 مليار جنيه.
ويضيف: “على أقل تقدير يمكن حساب نفقات دروس الصفين الأول والثاني ثانوي مجتمعين بنفس تكاليف الصف الثالث (24 مليار جنيه) وهو ما يعني أن تكلفة المرحلة الثانوية مجتمعة تصل إلى 48 مليار جنيه، وذلك بخلاف مراحل، الحضانة والابتدائية والإعدادية، ويمكن تقدير تكاليفها في أضيق الحدود بربع قيمة الإنفاق على المرحلة الثانوية (12 مليار جنيه)، ليصل الإجمالي في النهاية إلى نحو 60 مليار جنيه سنويا”.
وكشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول مؤشرات بحث الدخل والإنفاق في الفترة من أكتوبر 2017- سبتمبر 2018، أن حجم إنفاق الأسرة المصرية، على التعليم يقدر بـ 5.2 آلاف جنيه سنويا ،وهو ما يمثل 4.5 في المائة من جملة الإنفاق السنوي، وجاء بند الدروس الخصوصية على رأس القائمة بنسبة 37.7 في المائة، أي ما يعادل 1.9 ألف جنيه.
ورغم خطورة تلك الأرقام وما تمثله من إنهاك للمجتمع المصري، وبدلا من معالجة الخلل بالمدارس وسد عجز المعلمين، والتوسع في بناء مدارس تستوعب أعداد الطلاب، راحت الحكومة تقنن الدروس الخصوصية، بل وتفرضها على المعلمين في المدارس مقابل أن تأخذ الإدارات التعليمية نسبة من عائدات تلك الدروس، في انتهاك دستوري لحق المصريين في التعليم.