قرار حكومة الانقلاب الأخير الأربعاء “20” سبتمبر 2023، بحظر تصدير البصل لمدة ثلاثة شهور تنتهي في أواخر ديسمبر المقبل يمثل محاولة حكومية لـ«ضبط الأسعار في الأسواق»، بعدما تسببت القرارات والإجراءات الحكومية في ارتفاع أسعار البصل من “2.25”ج للكيلو في نفس التوقيت من العام الماضي إلى 25″ جنيها في العام الحالي، بنسبة ارتفاع بلغت “1100%”؛ كما ارتفعت أسعار باقي أصناف الخضروات والفواكه بشكل جنوني حرم معظم المصريين من الفواكه لعدم قدرتهم على شرائها
نهم التصدير
السبب الرئيس في ارتفاع أسعار البصل على هذا النحو الجنوني هو نهم حكومة الدكتاتور المنقلب عبدالفتاح السيسي للتوسع في تصدير الخضروات والفواكه؛ وتوسعت الحكومة في تصدير البصل والبصل المجفف، منذ مطلع العام الجاري، لتصل صادراته في الأشهر السبعة الأولى من العام إلى 325 ألف طن بارتفاع قدره 75% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقًا لبيانات رسمية من وزارة الزراعة. وفي يوليو الماضي “2023”، أعربت مصادر بقطاع الزراعة ـ لموقع مدى مصر ــ عن تخوفها من ارتفاع سعر البصل نتيجة استمرار التصدير بالمعدل نفسه، خاصة مع زيادة الطلب على المحصول المصري في الأسواق التصديرية، مثل هولندا وإسبانيا وسلوفينيا ورومانيا، وكذلك في باكستان والهند اللتين كانتا تنافسان مصر في تصدير البصل، حتى بدأتا في استيراد البصل المصري بعد تلف جزء كبير من محصولهما بسبب السيول. وزاد من الإقبال على البصل المصري تضرر الأراضي الزراعية في أوكرانيا، أحد منتجي البصل الأساسيين في أوروبا، بعد الغزو الروسي، مع تضرر المحصول الروسي بفعل موجات الصقيع.
ودفعت أزمة نقص الدولار حكومة السيسي نحو التوسع في تصدير السلع الغذائية من أجل الحصول على سيولة دولارية تساعدها في دفع أقساط وفوائد الديون الهائلة؛ وشهدت أسعار البصل والثوم والبرتقال والمانجو والبطاطس والعنب والطماطم والبطاطا والفاصوليا والرمان والسكر والأجبان ارتفاعات قياسية، لم تعرفها البلاد من قبل. وتستهدف حكومة السيسي زيادة الصادرات الزراعية لتصل إلى 5.7 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي 2023-2024، مقابل 5.4 مليارات دولار، العام الماضي، لتمثل 15% من قيمة الصادرات السلعية غير النفطية، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط.
الاحتكار
أسهم في ارتفاع البصل أيضا، النزعة الاحتكارية لدى كبار التجار وحتى المزارعين؛ فكبار التجار يمارسون احتكارهم كالمعتاد من أجل التحكم في أسعار السلع الرئيسية وتحقيق أرباح طائلة في ظل غياب الجهات الرقابية، وحين وجد كثير من الفلاحين تزايد الإقبال على البصل في موسم الحصاد وارتفاع سعره مقارنة بالسنة الماضية؛ فضل بعضهم الاحتفاظ ببعض المحصول على أمل زيادة الأسعار وتحقيق مزيد من الربح وهو ما تحقق بالفعل. واتهم الدكتور علي عبد المحسن، رئيس قطاع الشئون الاقتصادية بوزارة الزراعة، التجار والمزارعين بتخزين واحتكار محصول البصل خلال الآونة الأخيرة؛ بهدف تعطيش السوق وفرض أسعار مبالغة وتحقيق مكاسب مادية. وقال خلال مقابلة تلفزيونية لبرنامج «من مصر» مع الإعلامي عمرو خليل، المذاع عبر شاشة «CBC» مساء الثلاثاء 19 سبتمبر: «محصول البصل قابل للتخزين، وأي محصول قابل للتخزين المزارعين أو التجار في القرى بيشتروه بداية كل موسم ويخزنوه إلى حين تحسن الأسعار».
وأشار إلى تراوح إنتاج الموسم الشتوي من المحصول بين 3 إلى 3.5 مليون طن، موضحا أن إجمالي الكميات المصدرة للخارج لا تتعدى 400 ألف طن في مقابل تواجد حوالي 3 ملايين بالسوق المحلي. وتابع: «الأسعار ارتفعت نتيجة لسياسة التخزين، والتجار تضخ كميات صغيرة ومحدودة لتعطيش السوق من أجل التحكم في عملية البيع والمحافظة على مستويات الأسعار المرتفعة»، مشيرا إلى تراجع إنتاج محصول البصل بمعدل لا يتجاوز 4% قياسا بالعام الماضي؛ نتيجة تقلص المساحات المزروعة 10 آلاف فدان. ونوه إلى ارتفاع مستويات أسعار المنتجات الزراعية؛ نتيجة التأثر بالأزمة الروسية- لأوكرانية وتداعيات انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار وارتفاع المستوى العام للأسعار، فضلا عن زيادة تكاليف الإنتاج والعمالة والشحن.
تقلبات المناخ
من جانبه أيد حاتم نجيب، رئيس شعبة الخضروات الفاكهة باتحاد الغرف التجارية التصريحات السابقة، قائلا: «لا ننكر هذا الكلام هناك جهات تتلاعب في السوق، وعلى الدولة الضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء»، مشددا من جانبه على ضرورة تفعيل منظومة الزراعة التعاقدية على جميع المحاصيل؛ من أجل ضبط الأسواق. وأضاف أن الأسعار ارتفعت أيضا بسبب التقلبات الجوية خلال شهري يوليو وأغسطس، كما تراجعت المساحات المزروعة من البصل نتيجة تدني أسعاره في السنوات السابقة.
وقال إن الأزمة الحالية في أسعار البصل مؤقتة نظرا لانتهاء العروة الصيفية وبداية موسم العروة الشتوية، قائلا: «موسم انتهاء العروة الصيفية هو وقت فجوة كل عام، في 2018 نفس الأزمة كانت موجودة في البطاطس والطماطم؛ نتيجة الحالة الجوية». وتوقع تراجع أسعار الطماطم والبصل مطلع نوفمبر المقبل بالتزامن مع بداية مواسم الحصاد في محافظات بني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج والفيوم، مشيرا إلى انعكاس المواسم الزراعية الجديدة على انخفاض الأسعار تدريجيا وعودة التوازن إلى الأسواق مرة أخرى.
ولمواجهة هذه الأزمات والحيلولة دون تكرارها، شدد رئيس شعبة الخضروات الفاكهة باتحاد الغرف التجارية، على ضرورة توحيد جهود المراكز البحثية بوزارة الزراعة؛ من أجل تعزيز الإرشاد الزراعي وزيادة تقاوي الخضر والفاكهة؛ لمواجهة التحديات الجديدة المواكبة للتغيرات المناخية، معقبا: «فصل الصيف لم يعد صيف وبدأنا ندخل على الخريف ولا تزال درجات الحرارة مرتفعة جدا ونسبة الرطوبة عالية في فترات الليل». ونوه إلى تأثر المحاصيل الزراعية لا سيما الخضروات والفاكهة بالتغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، قائلا: «كان عندنا شحنات بحوالي 25 طنا بتزود أسواق الجملة والعبور، تراجعت النهاردة بسبب ضعف الإنتاجية؛ نتيجة التغيرات المناخية».