وزير المالية: سددنا 52 مليار دولار في سنتين وخبراء: لماذا لم تتراجع الديون إذا؟!

- ‎فيسوشيال

خلال لقاء عقد السبت 9 سبتمبر 2023م، بالمجلس الأعلى للإعلام، قال وزير المالية بحكومة الانقلاب الدكتور محمد معيط إن مصر سددت التزامات خارجية خلال العامين الماليين الماضي والسابق له (2021/2022 ــ 2022/2023) بقيمة 52 مليار دولار بخلاف 22 مليار دولار قيمة الاموال الساخنة على الرغم من التحديات الاقتصادية. معنى ذلك أن الحكومة سددت نحو 74 مليار دولار في سنتين فقط؛ لكن العجيب أن حجم الديون لم يتراجع مطلقا بل ارتفاع في مارس 2023م إلى 165 مليار دولار!

وأضاف الوزير أن الإيرادات الضريبة حققت نمو بنسبة 27% خلال العام المالي الماضي عن العام السابق له، موضحا أن الميكنة ساهمت في نمو الإيرادات. وذكر أن منظومة الفاتورة الإلكترونية التى تم إطلاقها منذ 3 سنوات كانت تصدر 42 ألف فاتورة إلكترونية في اليوم، والآن عدد الفواتير المصدرة يصل إلى 1.4 مليون فاتورة الكترونية يوميا.

ورغم سداد كل هذه المبالغ الهائلة حسب وزير المالية إلا ان وكالة بلومبيرج الأمريكية المتخصصة في الشئون الاقتصادية، تقول إن مصر هي الدولة الثانية في العالم الأكثر عرضة لأزمة الديون، والتي تأتي خلف أوكرانيا التي مزقتها الحرب. وبحسب البيانات الرسمية التي ظهرت حول معدلات التضخم في مصر، فإن الاقتصاد المصري هو الأكثر عرضة لخطر أزمة الديون في الشرق الأوسط، مع الأخذ بعين الاعتبار الدين العام، وتكاليف الفائدة، والعائد على السندات الدولارية.

وفي نبرة ساخرة، كتب المحلل الاقتصادي تيموثي إي كالداس على صفحته على إكس: “وفقًا لتحليل بلومبيرج، تعد مصر ثاني أكثر الدول عرضة على وجه الأرض لأزمة الديون. والدولة الوحيدة الأكثر عرضة للخطر هي أوكرانيا”. وتابع معلقا: “لقد تم غزو أوكرانيا من قبل الجيش الروسي في حين تم غزو الاقتصاد المصري من قبل جيشها”!

واقترب مستوى التضخم في مصر في أغسطس 2023، من 40 بالمئة على أساس سنوي. وجاء في بيان صادر، عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن التضخم السنوي صعد إلى 39.7 بالمئة في أغسطس الماضي، من 38.2 بالمئة خلال يوليو السابق له.وعلى أساس شهري، صعد التضخم خلال الشهر الماضي بنسبة 1.6 بالمئة، مقارنة مع يوليو السابق له.وتعتبر أسعار المستهلك المسجلة الشهر الماضي، الأعلى منذ أكثر من 40 عاما على الأقل، بحسب أرشيف أسعار المستهلك المنشور على موقع الإحصاء المصري. ولا تزال الأسواق المحلية ، متأثرة بخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، منذ العام الماضي، والذي انعكس على أسعار الاستيراد من الخارج إلى جانب ارتفاع كلفة الإنتاج محليا. ومنذ مارس 2022، خفضت مصر سعر صرف الجنيه ثلاث مرات، من متوسط 15.7 جنيها أمام الدولار الواحد، ليستقر حاليا ـ منتصف سبتمبر 2023 ـ عند 30.9 جنيها.

 

لماذا لم تتراجع الديون؟

من جانبه تساءل الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام، رئيس قسم الاقتصاد في صحيفة “العربي الجديد” اللندنية عن أسباب عدم تراجع معدلات الديون رغم إعلان وزير المالية سداد نحو 52 مليار دولار كالتزامات خارجية خلال السنتين الماضيتين وسداد نحو 22 مليار دولار أخرى لأصحاب الأموال الساخنة التي هربت من مصر في مارس 2022 في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

يقول عبدالسلام في مقاله «لماذا لم تتراجع ديون مصر رغم سداد 52 مليار دولار؟» والمنشور بصحيفة العربي الجديد بتاريخ الأحد 24 سبتمبر: «توقفت كثيرا أمام تصريح وزير المالية المصري، محمد معيط، يوم 9 سبتمبر الجاري، الذي قال فيه إن مصر سددت التزامات خارجية من فوائد وأقساط ديون تبلغ قيمتها نحو 25.5 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجاري، أي في الفترة من يناير وحتى 30 يونيو 2023»، و يضيف: «وتوقفت أكثر أمام تصريحه الذي قال فيه في نفس اليوم إن مصر سددت نحو 52 مليار دولار من أقساط وفوائد التمويلات المستحقة عليها، خلال العامين الماليين الأخيرين (2021 – 2022) و(2022 – 2023)، وهما أكثر عامين مر فيهما العالم بتحديات اقتصادية صعبة. هنا يتحدث الرجل عن تداعيات حرب أوكرانيا الخطيرة وقبلها وباء كورونا».

ويضيف عبدالسلام: «زاد من استغرابي قوله إن هذه القيم المسددة تأتي فضلا عن 22 إلى 23 مليار دولار من الاستثمارات قصيرة الأجل التي خرجت من مصر خلال الأعوام الماضية». ويشرح ذلك مضيفا: «هذا يعني أن الحكومة سددت التزامات تقارب قيمتها ما يقرب من 75 مليار دولار إذا ما أضفنا إليها الأموال الساخنة التي خرجت في الربع الأول من عام 2022 عقب اندلاع حرب أوكرانيا والتي قدرتها الحكومة وقتها بأكثر من 20 مليار دولار». ويتابع: «مصدر الاستغراب هو أن إجمالي قيمة الالتزامات المستحقة على مصر خلال العام المالي الجاري 2022-2023، الذي انتهى في يوليو 2023، يبلغ نحو 20.2 مليار دولار منها نحو 8.7 مليارات دولار مستحقة خلال النصف الأول المنتهي في ديسمبر 2022، وفق بيانات البنك المركزي المنشورة في تقريره على موقعه الإلكتروني».

وحول هذا اللغز المحير، يقول عبدالسلام: «رجعت للمصادر الرسمية لأتأكد من الأرقام الواردة على لسان الوزير، فوجدت أنها منشورة في وكالة أنباء الشرق الأوسط، وهي الوكالة الرسمية للدولة، كما أعادت مواقع رسمية نشر التصريحات نقلا عن الوكالة.لا أعرف حقيقة تلك الأرقام الواردة على لسان وزير المالية نظرا لضخامتها واستحقاقها خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا، فنحن نتحدث عن سداد أكثر من 25 مليار دولار خلال 6 أشهر فقط تمثل فوائد وأقساط ديون».

ويرى عبدالسلام أن «الأرقام الضخمة تلك تطرح عدة أسئلة، أولها وأبرزها، إذا كانت الحكومة قد سددت ما يزيد عن 52 مليار دولار في عامين وفق تصريحات وزير المالية، فلماذا يواصل الدين الخارجي قفزاته، علما بأن الرقم المعلن، وهم 165 مليار دولار، هو رقم يخص نهاية شهر مارس الماضي، ولا نعرف أحدث رقم طوال فترة تقترب من النصف عام؟». ويضيف: «من هذا السؤال المهم تتفرع أسئلة، منها ما حقيقة الرقم الذي تم سداده بالفعل، هل هو أعباء ديون خارجية ومحلية على حد سواء، أم التزامات أخرى، منها مثلا قيمة الواردات الضخمة، وهي ضخمة بالمناسبة وتتجاوز 40 مليار دولار في نصف عام. وإذا كان الوزير يتحدث عن سداد بالدولار فإن الذهن هنا يذهب مباشرة للدين الخارجي، وهذا ما يجرنا لسؤال آخر هو عن حقيقة رقم الدين الخارجي المستحق على مصر الذي تقف أرقامه عند نهاية شهر مارس الماضي».

وراح يطرح مزيد من التساؤلات: «هل يتضمن الدين الخارجي ديون الحكومة مباشرة، أم يتضمن أيضا الديون الخارجية المستحقة على المؤسسات الحكومية وفي مقدمتها هيئات البترول، والسلع التموينية وقناة السويس وغيرها من الجهات التي تحصل على قروض خارجية سواء بضمان الدولة أو بضمانها مباشرة؟ وإذا كان الرقم الوارد على لسان الوزير يتعلق فقط بأعباء الدين الخارجي، فما حقيقة الأرقام الأخرى التي تتحدث عن أن الدولة مطالبة بسداد أعباء من أقساط وفوائد بقيمة تزيد عن أكثر من 55.2 مليار دولار في عام واحد، مارس 2023 إلى مارس 2024، تتوزع ما بين ديون مستحقة على الحكومة والبنك المركزي وودائع الخليج والمؤسسات الاقتصادية والبنوك وفقا لبيانات البنك الدولي؟!».

ويختم عبدالسلام مقاله متسائلا: «إذا كانت الحكومة قد سددت كل هذه الأموال للخارج، فما الذي يتبقى من إيرادات الدولة لإنفاقه على الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات العامة؟ علما بأن الحكومة تواجه أصلا مهمة تزداد صعوبة يوما بعد يوم لجمع السيولة المطلوبة لسداد فاتورة ديونها الخارجية بعدما ارتفع الاقتراض الخارجي في الأعوام الثمانية الماضية إلى 4 أمثاله، بحسب تقرير لوكالة رويترز نشرته بداية شهر يونيو الماضي.

وكان مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشئون الشرق الأدنى ديفيد شينكر قد قال في حوار مع مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات في سبتمبر الجاري “2023” إن السيس يقود مصر نحو الإفلاس؛ وأضاف أن لاقتصاد المصري ينهار بكافة المقاييس، وارتفعت الديون بصورة كبيرة، وزاد الناس فقرا، وانتشر الغلاء، وفقدت العملة قيمتها وزادت نسبة العاطلين عن العمل.ولفت إلى أن هذا بسبب سياسة السيسي التي بدأها قبل عشر سنوات، مع إنفاق غير مستدام وديون باهظة لشراء السلاح وتوسع كبير في دور الجيش أدى إلى خنق القطاع الخاص وتثبيط المستثمرين.