هذه هي قصة نهب مخابرات عباس كامل لشركة السجائر التاريخية “إيسترن كومباني” وبيعها للإمارات

- ‎فيتقارير

 

منذ انقلاب 2013 وسيطرة العسكر على السلطة والثروة، تجري عمليات بيع مشبوهة شبه سرية لمنشآت حكومية مصرية إلى كيانات جديدة وهمية تابعة للعسكر، غالبا ما تستخدم اسم “المتحدة”، تبيع بدورها هذه الشركات للإمارات، ربما تسديدا لثمن دورها في دعم الانقلاب.

آخر هذه العمليات المشبوهة هي سيطرة الإمارات على أعرق شركة للسجائر المصرية، وهي الشركة الشرقية (إيسترن كومبني) للسجائر والتبغ، بعدما تنازلت لها شركة وسيطة للجيش تُسمى “المتحدة” عن حصتها الأكبر في الشركة، والتي استولت عليها بدورها في عملية أخرى مشبوهة عام 2022.

حيث أعلنت الحكومة بيع جزء من حصتها في “إيسترن كومباني”، لصالح شركة “جلوبال” الإماراتية، التي أصبحت تستحوذ على 30% من إجمالي أسهم إيسترن كومباني مقابل 625 مليون دولار أمريكي (19.3 مليار جنيه.

وبموجب الصفقة ستوفر الشركة الإماراتية أيضا 150 مليون دولار لشراء المواد التبغية اللازمة للتصنيع والتي بسبب أزمة الدولار توقف التصنيع وحدثت أزمة في السجائر في السوق رغم ارتفاع أسعارها عدة مرات.

ما أثار الاستغراب وطرح تساؤلات عن سبب البيع، هو أن بيان الشرقية للدخان المرسل للبورصة يوم 4 سبتمبر 2023 أظهر تحقيق الشركة إجمالي مبيعات بـ 66 مليار جنيه حتى يونيو 2023، وتحقيق الشركة صافي أرباح حوالي 7.7 مليار جنيه.

وإذا أضفنا إلى هذه الأرباح عوائد الضرائب التي يدفعها المستهلك على كل علبة سجائر، بما لا يقل عن ثلاثة جنيهات، ستكون أرباح الشركة 12 مليار جنيه حصيلة ضرائب عن السجائر فقط، دون حساب التوباكو أو المعسل بمبيعاتهما الضخمة، وكذلك الضريبة الإضافية المتصاعدة بربع جنيه سنويا على كل علبة سجائر لتمويل مشروع التأمين الصحي الشامل.

أيضا بموجب الصفقة سوف تستحوذ الشركة الإماراتية على النسبة الأكبر في الشركة وهي 30% حيث كانت الأغلبية في التصويت في شركة إيسترن كومباني باعتباره شركة مساهمة، للحكومة المصرية من خلال الشركة القابضة الكيماوية، التي كانت تمتلك 50.5% من الأسهم بجانب نسبة 5% من أسهم الشركة الشرقية لصندوق اتحاد عمالها، في حين يمتلك القطاع الخاص 43.5% من الأسهم.

وبعد بيع مصر 30% من أسهم الشرقية إلى الإمارات ممثلة في شركة جلوبال، سوف تسيطر الإمارات على صوت الأغلبية في إدارة الشركة الشرقية العريقة، وكذلك على إنتاج التبغ والسجائر بمصر.

شرعنة التهريب الإماراتي

لذلك يرى الإعلامي حافظ المرازي، في مقال بموقع “المنصة” 6 سبتمبر 2023 أن إعطاء شركة إماراتية نصيب الأسد في شركة السجائر المصرية أشبه “بتسليم القط مفتاح الكرار”.

حذر من أن الصفقة الإماراتية لن تسمح لأبو ظبي فقط بالسيطرة على أعرق شركة سجائر مصرية وتحقيق أرباح كبيرة منها، ولكنها ستسمح للإمارات التي تنتج سجائر مشبوهة مهربة بوضع اسم الشركة المصرية على إنتاجها المهرب للعالم من منطقة جبل علي.

قال: إن “خطورة الصفقة ليست فيما تنتجه الشركة داخل مصر، بل في قدرة واستعداد قلعة التبغ، التي كانت مصرية، على التصدي لعمليات تزوير اسمها في الخارج، وخصوصًا ماركة كليوباترا، وإغراق الأسواق المصرية والعربية بسجائر مهربة من الخارج، مثل شركة مسجلة في الإمارات كان لها مصنع في جمهورية الجبل الأسود/مونتينيجرو لإنتاج علب سجائر كليوباترا المصرية”.

وهذا بجانب شكاوى الاتحاد الأوروبي من إغراق الإمارات الأسواق الأوروبية بسجائر تُنتج دون ترخيص، أو بماركات مزورة، في نحو عشرين مصنعا في منطقة جبل علي، ويتم تهريبها للأسواق العالمية دون حتى دفع ضرائب.

وفي تقرير أذاعته في 24 أكتوبر 2019 قناة DW الألمانية، قدّرت قيمة مبيعات السجائر التي يتم إنتاجها بالمنطقة الحرة الإماراتية، وتهريبها للأسواق العالمية بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، مما يجعل السجائر ثالث أكبر صادرات الإمارات غير النفطية، بعد الذهب والألومنيوم.

ويشير التقرير أيضا إلى أن نصف إجمالي مبيعات السجائر المهربة أو المباعة عبر حدود دول المغرب العربي تأتي من مصانع في الإمارات بالمثل.

أيضا أظهر تحقيق استقصائي نشره “مصراوي” 13 ديسمبر 2018 بإشراف فريق من “أريج”، أن شركة إماراتية مسجلة في رأس الخيمة باسم “ليبرتي F.Z.E” تنتج في الجبل الأسود أطنانا من سجائر كليوباترا، ومكتوب عليها بشكل مزور “صُنع في مصر” وعن طريق الشركة الشرقية للدخان.

دور العسكر

وفي سياق تنافس شركات الجيش والمخابرات المصرية للاستيلاء على أي امتيازات اقتصادية، ونهب الشركات المصرية العريقة في هذا المجال، استحوذت شركة المخابرات (المتحدة) على حصة كبيرة من إنتاج السجائر في مصر.

تم تغيير اسم مُصنع جميع سجائر “مارلبورو” و”ميريت” و”إل إم” إلى “الشركة المتحدة للتبغ” UTCالتابعة مباشرة لجهاز المخابرات العامة إثر حصول الأخيرة رسميا على رخصة إنتاج السجائر التقليدية والإلكترونية في مصر عام 2021.

ثم أعلنت شركة “فيليب موريس” لإنتاج السجائر في مصر، 31 أغسطس 2022، تغيير اسم المُصنِع لمنتجاتها كافة من السجائر إلى “الشركة المتحدة للتبغ”، التابعة لجهاز المخابرات وذلك بعد حصول الأخيرة رسميا على رخصة لإنتاج السجائر التقليدية والإلكترونية في مصر.

وقال محللون: إن “ما حدث حينئذ هو عملية نهب لأعرق شركة سجائر مصرية الشرقية للدخان إيسترن كومباني التي تأسست 1920، تجني أرباحا هائلة، عبر سعي المخابرات لمشاركتها في كعكة الأرباح بقضم أكبر قطعة فيها، وهو السجائر الأجنبية”.

حيث أجبرت شركة المخابرات (المتحدة)، التي لا يتوافر أي معلومات منشورة عنها، للشركة الشرقية للدخان (إيسترن كومباني)، يوم 29 مايو 2022 على المساهمة في رأسمال مالها البالغ 100 مليون جنيه بنسبة 24 بالمائة، وفقا لـ “بيان” تلقته البورصة المصرية.

كما أجبرتها على توفير قطعة أرض ومباني مخصصة لإنتاج منتجات سجائر فيليب موريس لشركة المخابرات (المتحدة للتبغ)، وكذا تأجير خطوط الإنتاج وماكينات مستغلة في إنتاج منتجات فيليب موريس، لتضع اسمها فقط على المنتجات.

وبدأت “المتحدة للتبغ” في تصنيع منتجات السجائر الأجنبية مارلبورو وميرت وL&M» في مصر، عبر مصانع وماكينات وعمال الشركة الشرقية للدخان يوم 31 أغسطس 22، وقامت بتغيير اسم شركة فيليب موريس مصر باسمها، بحسب صحيفة “المال“.

وبذلك أصبحت المتحدة للتبغ هي ثاني شركة لتصنيع السجائر في مصر، على الورق، بمعدات وأرض وخبرات الشركة الشرقية العريقة لنهب جزء من كعكة الدخان.

ويلخص الصحفي فتحي أبو حطب المقيم في كندا عملية النهب بقوله: “يعني تبقى صاحب الشغل كله ويدخلوا عليك يأخذوا الشغل وخطوط الإنتاج وتتحول لمساهم بنسبة 24%.

https://twitter.com/fmhatab/status/1565249866133131264

كيف استولوا عليها؟

وكانت المتحدة للتبغ هي الشركة الوحيدة التي تقدمت رسميا للحصول على رخصة تأسيس مصنع سجائر ثان في المزايدة التي طرحت 2 أغسطس 2021، مما مهد الطريق أمامها للحصول على ترخيص ودخول السوق المصرية.

ورفضت ثلاث شركات هي بريتش أمريكان توباكو ومجموعة المنصور للتوزيع (وكيل إمبريال) واليابانية الدولية جي تي آي، التقدم بعروضها للمزايدة، بسبب ما اعتبرته “الاحتكار” الذي مارسته شركة المخابرات في عرضها.

حيث تم وضع مناقصة تشترط أن تمول الشركة الشرقية للدخان الحكومية 24% من الشركة الجديدة أي تملك 24% منها دون أن تتحمل أي نسبة من قيمة الرخصة، وإلزام الشركة الجديدة ببيع السجائر بسعر أعلى 50% من سعر الشرقية للدخان، وكذا منع الشركة من إنتاج سجائر من الفئة السعرية الشعبية التي تسيطر عليها الشركة الشرقية عبر سجائر كليوباترا، والتي تمثل 98% من مبيعاتها.

وعقب توقيع الاتفاق تبين أن ما تم ترويجه قبل الرخصة شيء والوضع الفعلي الآن شيء آخر تماما لصالح شركة المخابرات كما يقول خبراء اقتصاد.

ولترسيخ هذا النهب، بصم مجلس النواب في 22 فبراير 2022 على تعديلات على قانون جهاز المخابرات العامة، متسقة مع سياسة نظام عبد الفتاح السيسي نحو تحويل شركات المخابرات والقوات المسلحة (الجيش) إلى شركات خاصة.

وقد منحت التعديلات الحق لجهاز المخابرات العامة في تأسيس الشركات بجميع أنواعها، أو المساهمة في شركات قائمة أو مستحدثة، فضلا عن تولي أفراد الجهاز مناصب أعضاء ورؤساء مجالس الإدارة في الشركات المختلفة.

وعقب استيلاء المخابرات على جزء من الشركة التاريخية العريقة، قامت ببيعه للإمارات، ما يعني دخول أموال الشركة إلى خزينة الجيش لا الدولة.