لم تكن إسرائيل تجرؤ على طرح خطط تهجير الفلسطينيين نحو مصر وتحديد أماكن بعينها، في ظل حكم أيا من رؤساء مصر السابقين، وإلا كانوا اتخذوا إجراءات فعلية ضدها، كالتهديد بالحرب أو قطع العلاقات أو التحرك الدولي أو تعمير سيناء بملايين المصريين حماية لحدود مصر، إذ إن البنية السكانية للمناطق الحدودية هي صمام الأمان الأول لأي دولة.
إلا أن إسرائيل يبدو أنها مطمئنة للغاية لحليفها الاستراتيجي، الذي لم يحرك ساكنا على المستوى الاستراتيجي لحماية أمن مصر القومي، وسكت عن قصف معبر رفح وأبراج المراقبة المصرية والتي أوقعت العديد من الشهداء والمصابين من بين الجيش المصري، وسط تكتم شديد ومقيت ودون الرد بالمثل.
وتبذل إسرائيل، في ظل الخنوع الاستراتيجي للسيسي، مساعي متواصلة، للاستفادة من خسارتها الفادحة إثر طوفان الأقصى، حيث تسعى تل أبيب مستغلة التعاطف الغربي، رغم جرائمها بحق الفلسطينيين، للانتهاء من أهداف استراتيجية، وصولا إلى صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.
ومع رفض مصر، وخاصة المؤسسة العسكرية التفريط في سيناء، تحت مسميات التهجير الإنساني لمليون فلسطيني أو التهجير المؤقت، وضعت دراسة استراتيجية إسرائيلية بدائل لتوطين الفلسطينيين في مدن مصرية، داخل نطاق القاهرة الكبرى، وبعيدا عن سيناء، التي يغضب الجيش المصري الحديث عن الخطط الإسرائيلية بشأنها.
مستغلة بذلك الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر، بصورة فجة، جيث أرفق المخطط المزيد من الامتيازات المالية لنظام السيسي المنهار اقتصاديا.
وأشار معهد “ميسجاف” الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي وللإستراتيجية الصهيونية لبعض المعطيات التي وصفت بالدقيقة لمخطط التهجير للفلسطينيين في قطاع غزة ووضعهم في مخيمات في شبه جزيرة سيناء، وذلك وفق دراسة أطلقت عليها خطة التوطين والتأهيل النهائي في مصر لجميع سكان غزة، الجوانب الاقتصادية.
ويقول صاحب الدراسة المحلل الاستراتيجي أمير ويتمان: إن “الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر ستكون ورقة يمكن التعويل عليها، حيث سيتم إقناع مصر بمخطط التهجير مقابل امتيازات مادية ضخمة”.
ويبدو أن حركة حماس استبقت هذا الأمر، حيث قالت مصادر داخلها: إن “الرئيس الأميركي جو بايدن سيعرض على مصر تصفير ديونها مقابل الموافقة على خطة التهجير”.
وكان الكاتب الإسرائيلي إيدي كوهين أول من طرح الفكرة قائلا في تغريدة على تويتر: “توطين الفلسطينيين في سيناء مقابل حذف ديون مصر الخارجية، فكروا فيها” حيث أشار إلى أن الفكرة قديمة.
وتابع “مصر ستقبل هذا الحل بسبب أزمتها الاقتصادية واحتمال دعم أمريكي للفكرة، كما أنه لا يمكن منع دخول اللاجئين إلى حدودها”.
وتعاني مصر فعلا من أزمة اقتصادية مع تراجع قيمة الجنيه ونقص الاحتياطي من النقد الأجنبي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، والتي يسعى فيها عبدالفتاح السيسي للحصول على ولاية أخرى.
وتقول الدراسة الإسرائيلية: إن “الفرصة مواتية واصفة إياها بالفريدة والنادرة لإخلاء غزة بالتعاون مع الحكومة المصرية” مشيرة إلى أنها ستكون في مصلحة الجميع، بما فيها مصر والمملكة العربية السعودية.
وكان السيسي قد رفض تهجير وتوطين الفلسطينيين في سيناء قائلا: إنه “خط أحمر داعيا الفلسطينيين للبقاء في أرضهم لمنع تصفية قضيتهم” فيما نفت السفيرة الإسرائيلية في مصر أميرة أورون وجود نوايا لترحيل سكان غزة إلى سيناء قائلة: إن “بلادها لا تزال متمسكة بمعاهدة السلام مع الجانب المصري”.
لكن االسيسي واجه الضغوط الإسرائيلية والغربية بدعوة إسرائيل إلى نقل اللاجئين الفلسطينيين إلى صحراء النقب ما أثار جدلا واسعا وانتقادات كبيرة.
تفاصيل المخطط الإسرائيلي
لكن الدراسة الإسرائيلية تحدثت عن تفاصيل شديدة الدقة في عملية الترحيل وبأنه يوجد بنية تحتية في مصر مواتية لاستقبال الفلسطينيين، مشيرة إلى أنه في عام 2017، أشارت التقارير إلى أن هناك حوالي 10 ملايين وحدة سكنية خالية في مصر، نصفها تقريبا قيد الإنشاء والنصف الآخر تحت الإنشاء”.
وتابعت ، في أكبر مدينتين تابعتين للقاهرة “السادس من أكتوبر” و”العاشر من رمضان”، هناك كمية هائلة من الشقق المبنية والفارغة المملوكة للحكومة والقطاع الخاص ومساحات البناء تكفي لإيواء حوالي 6 أشخاص في الوحدة السكنية الواحدة، مما يعني أنها قد تكفي لمليون نسمة وهو نصف سكان غزة.
حوافز مالية
وتشير الدراسة إلى قيمة الحوافز الاقتصادية التي ستقدم لمصر ستكون هائلة وستصل إلى20 أو 30 مليار دولار وهو مبلغ وصف بالبسيط والرخيص مقارنة بقوة الاقتصاد الإسرائيلي لكنه مبتكر ومستدام.
وأضافت “إغلاق قضية غزة سيضمن إمدادات مستقرة ومتزايدة من الغاز الإسرائيلي إلى مصر وتسييله، وأيضا تعزيز سيطرة الشركات المصرية على احتياطيات الغاز الموجودة قبالة سواحل غزة مع نقل غزة وإفراغها من سكانها لصالح إسرائيل”.
وكشفت نفس الدراسة أن إسرائيل ستستغل أرض غزة بعد تفريغها من سكانها للاستثمار فيها من خلال بناء مستوطنات ومجمعات سكنية عالية الجودة للإسرائيليين، ما سيعطي زخما هائلا للاستيطان في النقب.
فوائد للسعودية
وزعم أمير ويتمان في الدراسة أن السعودية ستكون مستفيدة من الخطة بإبعاد حليف لإيران في إشارة إلى حركة حماس واستغلال سكان غزة كعمالة قائلا: “عدد لا بأس به من سكان غزة سيغتنمون فرصة العيش في دولة غنية ومتقدمة مثل السعودية، بدلا من الاستمرار في العيش في ظل الفقر تحت حكم حماس”.
ويتحدث ويتمان عن اتفاق قريب وممكن خلال أيام بين مصر وإسرائيل قائلا: إن “القاهرة يمكن أن تستقبل 2 مليون فلسطيني أي نحو 2 % من إجمالي الشعب المصري”.
ملخص الدراسة:
هناك حاليا فرصة فريدة ونادرة لإخلاء قطاع غزة بالكامل بالتعاون مع الحكومة المصرية، حيث إن هناك حاجة إلى خطة فورية وواقعية ومستدامة لإعادة التوطين وإعادة التأهيل الإنساني لجميع السكان العرب في قطاع غزة، والتي تتوافق بشكل جيد مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لإسرائيل ومصر والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
في عام 2017، أشارت التقارير إلى أن هناك حوالي 10 ملايين وحدة سكنية خالية في مصر، نصفها تقريبا قيد الإنشاء والنصف الآخر تحت الإنشاء، على سبيل المثال، في أكبر مدينتين تابعتين للقاهرة “السادس من أكتوبر” و”العاشر من رمضان”، هناك كمية هائلة من الشقق المبنية والفارغة المملوكة للحكومة والقطاع الخاص، ومساحات البناء تكفي لإيواء حوالي 6 أشخاص في الوحدة السكنية الواحدة، مما يعني أنها قد تكفي لمليون نسمة، وهو نصف سكان غزة.
يبلغ متوسط تكلفة شقة مكونة من 3 غرف بمساحة 95 مترا مربعا لأسرة غزية متوسطة مكونة من حوالي 5.14 فردا في إحدى المدينتين المذكورتين أعلاه، حوالي 19 ألف دولار، ومع الأخذ بعين الاعتبار العدد المعروف حاليا لمجموع السكان الذين يعيشون في قطاع غزة، والذي يتراوح بين 1.4 و2.2 مليون نسمة، يمكن تقدير إجمالي المبلغ الذي سيتوجب تحويله إلى مصر لتمويل المشروع، سيكون في حدود 5 إلى 8 مليارات دولار.
تقديم حوافز اقتصادية لمصر، ستعود بفوائد هائلة وفورية على نظام السيسي، وهي مبالغ ضئيلة بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، إن استثمار بضعة مليارات من الدولارات حتى لو كانت 20 أو 30 مليار دولار لحل هذه القضية الصعبة هو حل مبتكر ورخيص ومستدام.
لا شك أنه لتحقيق هذه الخطة، لا بد من توفر شروط كثيرة في نفس الوقت، ويتم في الوقت الحالي استيفاء هذه الشروط، لأن فرصة كهذه قد لا تتكرر مرة أخرى.
من ضمن بنود الخطة سداد ديون الصين لدى مصر والبالغة 5 مليار دولار، لإبعاد الصين عن القرار المصري وذلك تحقيقا للمصالح الأمريكية.