تشهد أسعار السلع الغذائية ارتفاعات جنونية في الأسواق المصرية، رغم إعلان حكومة الانقلاب عن مبادرة لخفض أسعار 7 سلع أساسية، خاصة الأرز والبقوليات والسكر .
ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية، تؤكده شكاوى المواطنين، علاوة على قياسات نسب التضخم التي وصل معدلها السنوي إلى 39.7 في المئة في أغسطس الماضي، في مستوى قياسي جديد يؤكد حجم معاناة أكثر من 105 ملايين مواطن مع أزمة اقتصادية خانقة.
هذه الأزمة عبر عنها مواطنون فقراء وأثرياء، في إشارة إلى أن الأزمة طالت الجميع، فيما حمل عدد منهم عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي مسؤولية تلك الأزمة.
يشار إلى أن أسعار كرتونة البيض ارتفعت إلى 160 جنيها مقارنة بـ 40 جنيها قبل عام، وزيادة سعر البصل من 5 جنيهات إلى 30 جنيها، وكذلك سعر الطماطم الذي تجاوز 25 جنيها ورغيف الخبز الذي يباع بجنيهين كما وصل سعر كيلو السكر إلى 50 جنيها لأول مرة في التاريخ المصري، فيما وصل سعر كيلو اللبن إلى 60 جنيها وكيلو الجبن من 160 إلى 250 جنيها .
السوق الموازية
حول أزمة ارتفاع الأسعار أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب وكيل وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية الأسبق، أن المشكلة الأساسية في أزمة ارتفاع الأسعار للعديد من السلع الرئيسية ومنها الأرز والسكر والسلع التجارية، هي أن التجار يقومون بتسعير هذه المنتجات طبقا لسعر الدولار في السوق الموازية خلال الفترة الحالية، مشيرا إلى أنه من الواضح أن الدولار خلال هذه الأيام سجل زيادة أكثر من 50% مقارنة بالسعر الرسمي في البنوك.
وأوضح عبد المطلب في تصريحات صحفية أن الحل الأفضل لأزمة ارتفاع الأسعار، وأيضا لضمان تواجد السلع الغذائية الرئيسية ومنها السكر والفول والأرز بالسعر المناسب يتطلب شيئا مهما جدا وهو الرقابة وليس التسعير الجبري، وذلك لأنه يؤدي إلى شح السلع في الأسواق واختفائها.
وشدد على أهمية تفعيل الرقابة الحقيقية على السوق المحلية، وإجبار كل التجار على وضع، لافتة على كل المنتجات والسلع الأساسية التي يتم عرضها.
وأشار عبد المطلب إلى أن ارتفاع الأسعار أمر محير جدا، ولا توجد له أية أسباب منطقية، مؤكدا أنه على المستوى العالمي تراجعت أسعار السكر والقمح والذرة والزيوت، لكن في مصر الأمر مختلف .
وأوضح أنه قد تكون هناك أسباب معقولة عند الحديث عن ارتفاع أسعار الزيوت على اعتبار أن مصر تستورد ما يزيد عن 98 في المئة من احتياجاتها؛ أما بالنسبة لسلعة مثل الأرز، والذي تحقق منه مصر الاكتفاء الذاتي فالأمر غير مبرر على الإطلاق .
وأكد عبد المطلب أنه بالنسبة للسكر الذي ارتفعت أسعاره بأكثر من 150 في المئة، فإن الأمر أيضا غير مبرر، حيث يزيد الاكتفاء الذاتي من السكر عن 80 في المئة، وبالتالي ارتفاع أسعاره غير مبرر .
وأعرب عن اعتقاده بأن هناك أسبابا غير ظاهرة وراء هذه الارتفاعات، والحديث عن جشع التجار أو تخزين السلع، أو تعطيش السوق من أجل الحصول على أرباح مستقبلية قد يكون واحدا من الأسباب، لكن باقي الأسباب ما زالت تحتاج إلى دراسة .
انخفاض المعروض
وقال الدكتور سيد خضر أستاذ الاقتصاد بالجامعات المصرية: إن “ارتفاع أسعار السلع يرجع إلى عدة أسباب، قد يكون منها انخفاض المعروض بالأسواق، وأيضا انخفاض قيمة الجنيه، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع، موضحا أنه في ظل نقص المعروض للبيع ترتفع الأسعار”.
وأكد خضر في تصريحات صحفية أن حجم الإنتاج المحلي من السلع ومقدار الطلب المحلي وقدرة السوق على استيعاب العرض المحلي المتزايد يكون من ضمن أسباب ارتفاع الأسعار، مشددا على ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة لزيادة الإنتاج المحلي، تتضمن توفير الدعم الفني والتمويل وتوفير المدخلات الزراعية اللازمة لتحفيز المزارعين على الإنتاج، إضافة إلى تفعيل الرقابة على السوق لمنع الاحتكار وتخزين السلع لبيعها بأسعار عالية.
تجار الانقلاب
وأكد محمد جاد مزراع، أن اللعبة بيد التجار، وحكومة الانقلاب تتركهم وتستفيد منهم بطريقتها، موضحا أن أحد تجار الحبوب حصل من التجار العام الماضي على كيلو السمسم بنحو 40 جنيها بينما باعه بـ70 جنيها بعد أقل من شهر .
وأوضح جاد في تصريحات صحفية أن مكسب نفس التاجر في القطن زاد عن نصف مليون جنيه في الموسم الماضي، حيث حصل على قنطار القطن من المزارعين بنحو 7 آلاف جنيه للقنطار وباعه بنحو 14 ألف جنيه.
ولفت إلى أن نفس التاجر حصل على الأرز العام الماضي في أكتوبر 2022 بنحو 7 آلاف جنيه من الفلاحين وباعه بأكثر من 25 ألفا في مايو، أي بعد تخزينه نحو 6 أشهر، ولم يتكلف مليما واحدا .
حرب غزة
وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع؛ أن هناك تأثيرا مباشرا للحرب على قطاع غزة على الاقتصاد المصري، أبرزها تراجع السياحة والغاز الطبيعي.
وقال نافع في تصريحات صحفية : “هناك تأثيرات غير مباشرة وهي التي تحدث مع أي نوع من أنواع الحروب أو الاضطرابات؛ أي زيادة 10% في أسعار النفط تؤدي إلى تراجع معدلات النمو بنسبة 0.2% وتزيد معدلات التضخم 0.4% “.
وأضاف، أي دولار يزيد في سعر النفط تؤدي إلى زيادة 3 مليار جنيه؛ الموازنة تعمل على 80 دولار لبرميل النفط؛ وهناك تأثيرات مباشرة للحرب خاصة على السياحة والغاز واتفاقية الكويز وأيضا السياحة القادمة من أوروبا في الموسم الشتوي .
وتوقع نافع الا يرفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة في شهر ديسمبر القادم، خصوصا مع بيانات التوظيف غير المبشرة في أكتوبر، وأيضا سيتابع معدلات التضخم للمستهلك؛ لو كانت غير مبشرة سيكون من شبه المؤكد ألا يشهد ديسمبر تشديدا آخر؛ وهو ما يضعف الدولار؛ الدولار أضعف في العالم كله، ولكن لن نشعر به لأنه يسير في طريق مختلف في مصر، خاصة وأننا نعتمد على الدولار في الاستيراد ونعتمد على الدولار في تدبير الالتزامات وحين تدبر الدولار بأي طريقة يتأثر سعر الدولار في السوق وهو ما ينسحب على السلع والخدمات .
وانتقد بعض مسؤولي حكومة الانقلاب الذين بدأوا يقولون نحن في حالة حرب، لكننا لسنا في حالة حرب؛ لأن وجودنا في حالة حرب يعني أننا نقول للمستثمر والسائح لا تأتي إلى مصر؛ مؤكدا أننا لسنا في حالة حرب، ولكننا في جوار حرب، وهو أمر كان موجودا منذ الأزمة الروسية الأوكرانية .