حُرمةُ التنازلِ عن أرضِ فلسطين [1/ 2]

- ‎فيمقالات

لفلسطين مكانةٌ عظيمةٌ فى قلب كل مسلم، فهى الأرضُ المباركةُ بنصّ القرآن الكريم، وبها المسجد الأقصى أول القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله ﷺ، وهى أرض النبوّات، ومهبط الرسالات، ومهاجر نبى الله إبراهيم، ومهد المسيح، عليهما السلام، ولا توجد بها ذرةُ رمل إلا ورُويت بدماء الصحابة والتابعين، وبها الطائفة المنصورة الثابتة على الحق إلى يوم الدين..

 وهى أرض المحشر والمنشر، وعقر دار الإسلام، المرابطُ فيها كالمجاهد فى سبيل الله، وهى جزءٌ من عقيدة المسلمين حيث تحتلُّ من نفوسهم موضعًا رُوحيًّا قدسيًّا فوق المعانى الوطنية المجردة؛ فلذلك غدت أرضُها وقفًا إسلاميًّا على جميع أجيال المسلمين، لا يجوز لأحدٍ كائنًا من كان أن يفرّط أو يتنازل ولو عن جزء صغير منها، فهى ملك للمسلمين أجمعين.   

ومنذ بدء القضية الفلسطينية توالت فتاوى العلماء، والتى تحرِّم التفريط بالبيع أو التنازل ولو بشبر من أرض فلسطين؛ ففى يناير عام ألف وتسعمائة وخمسة وثلاثين اجتمع فى بيت المقدس: المفتون والقضاة والمدرسون والخطباء والأئمة والوعاظ والعلماء من أهل فلسطين، وتدارسوا فى حكم بائع الأرض لليهود ومن يعاونونه فى ذلك، وأفتوا بعدم الصلاة على هؤلاء، وألّا يُدفنوا فى مقابر المسلمين، وتجب مقاطعتُهم ولو كانوا آباء أو أبناء أو إخوانًا أو أزواجًا؛ لاتخاذهم اليهود أولياء من دون المؤمنين، ولإعانتهم على إخراج المسلمين من ديارهم، ولخيانتهم لله ورسوله..

 وفى منتصف الثلاثينيات أفتى الشيخ «رشيد رضا» بـ: (أن من يبيع شيئًا من أرض فلسطين وما حولها لليهود أو للإنجليز فهو كمن يبيعهم المسجد الأقصى، وكمن يبيع الوطن كله؛ لأن ما يشترونه وسيلة إلى جعل الحجاز على خطر، فرقبةُ الأرض فى هذه البلاد هى كرقبة الإنسان من جسده، وهى بهذا تعدُّ شرعًا من المنافع الإسلامية العامة، لا من الأملاك الشخصية الخاصة، وتمليك الحربى لدار الإسلام باطل، وخيانة لله ولرسوله ولأمانة الإسلام).

وفى كل يوم يذكّر علماؤنا بحرمة الإقرار لليهود على أرض فلسطين؛ ومن الفتاوى المعاصرة ما جاء فى الفتوى الصادرة عام ألف وتسعمائة وتسعين ووقع عليها ثلاثة وستون عالمًا وداعية ومفكرًا منهم الشيخ الغزالى والدكتور القرضاوى والدكتور الزحيلى وغيرهم وأكدوا فيها أنّ: (الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، ولا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تقرَّ اليهود على أرض فلسطين أو تتنازل لهم عن أى جزء منها أو تعترف بأى حق لهم فيها، وإنَّ هذا الاعتراف خيانة لله ولرسوله وللأمانة التى وُكّل إلى المسلمين المحافظة عليها)..

 وكذلك ما جاء فى فتوى لـ«اتحاد علماء المسلمين» عام ألفين وعشرة، من توكيد على أنّ (فلسطين أرض وقف إسلامى إلى يوم الدين لا يجوز التفريط فيها.. وأن أى مفاوضات تتجه نحو التنازل عن أى شبر من فلسطين غير شرعية ومخالفة للنصوص الصريحة الورود والدلالة والإجماع على حُرمة التنازل عن أرض الإسلام والمسلمين)؛ وفى يوليو ألفين وثمانية عشر أصدر المفتى العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ «محمد أحمد حسين» فتوى بتحريم بيع الأراضى للصهاينة، جاء فيها: (بيع الأرض للأعداء والسمسرة عليها لهم يدخل فى المكفِّرات العملية، ويعتبر من الولاء للكفار المحاربين، وهذا الولاءُ مخرجٌ من الملّة، ويعتبر فاعله مرتدًّا عن الإسلام خائنًا لله ورسوله، ودينه، ووطنه).